تشهد محافظة درعا نقصًا بمياه الشرب وانقطاعًا مستمرًا بالتيار الكهربائي، ما دفع بعض أهالي القرى والبلدات لجمع تبرعات من السكان والمغتربين، وتشكيل لجان محلية من المختصين لحفر الآبار، إلى جانب تدعيم تلك الآبار بألواح الطاقة الشمسية.
واستطاع الأهالي من خلال إطلاق حملة “سقي الماء” جمع مبالغ مالية، معتمدين على تبرعات فردية من المغتربين وذوي القدرة المادية الجيدة.
ومنذ مطلع أيلول الحالي، جمعت اللجنة المحلية في بلدة المليحة الغربية نحو 79 ألف دولار، واستطاع الأهالي تجهيز بئر واحدة بينما يعملون على حفر الأخرى، بحسب ما قاله أحد سكان البلدة المطلعين على عمل اللجنة لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن اللجنة تعمل على إطلاق حملة أخرى لجمع مبلغ مماثل.
ولم يقتصر المشروع على بلدة المليحة، إذ تعمل اللجنة المحلية في بلدة ناحتة بريف درعا الشرقي على جمع تبرعات لتأهيل ست آبار في القرية تقدّر تكلفتها بنحو 90 ألف دولار، بحسب ما قاله مصدر مطّلع على عمل اللجنة لعنب بلدي، متوقعًا أن تستكمل اللجنة المبلغ في أواخر الشهر نفسه.
كما دفعت الحاجة لتأمين المياه مدينة بصرى لجمع التبرعات وتشغيل بئر على الطاقة الشمسية، والعمل على حفر بئر جديدة.
لجوء السكان لجمع التبرعات جاء بعد نقص حاد بمياه الشرب، وسط انقطاع متكرر للكهرباء يعطّل مضخات المياه.
ولم تتدخل مديرية مياه درعا في دعم وتشغيل هذه المشاريع، واقتصرت جهودها على التنسيق مع منظمة “الصليب الأحمر” لترميم بئر في منطقة صماد ضمن أراضي بصرى.
الجدوى والأثر
تعدّ الآبار العشوائية حلًا غير مجدٍ على المدى الطويل، إذ تؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية، وفق ما قاله الصحفي السوري المختص بالقضايا البيئية زاهر هاشم، في حديث إلى عنب بلدي.
وأضاف هاشم أن مصادر المياه الجوفية في سوريا أحد أكثر المصادر إجهادًا في العالم، ويبلغ معدل نضوبها عشرة ميلمترات سنويًا، دون وجود أي تجديد طبيعي، ما يجعل إدارة المياه الجوفية على نحو مستدام ورشيد، ومنع الحفر العشوائي للآبار، ضرورة لحماية العديد من الينابيع من الجفاف وانخفاض تدفقات الأنهار.
ومن أبرز الحلول البديلة عن حفر الآبار بطريقة عشوائية، إقامة محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي لري المزروعات، ومشاريع جر مياه الري من الأنهار القريبة، وإنشاء سدود لتجميع مياه المطر، وهذا يساعد على ترشيد مياه الآبار واقتصار استخدامها على الشرب، وفق ما ذكره هاشم.
وفي ظل غياب خطط حكومية واضحة لمواجهة آثار الجفاف وتغير المناخ، وعدم إنشاء مشاريع ري جديدة لمواجهة العجز المائي، يعد حفر الآبار الحل الوحيد لمشكلة العطش والجفاف، وفق ما قاله هاشم.
أزمة مياه مستمرة
تتفاقم معاناة السكان في ظل نقص مياه الشرب بدرعا، إذ بلغ سعر البرميل الواحد من مياه الشرب ألفي ليرة سورية، بينما تحتاج الأسرة إلى نحو ثلاثة براميل يوميًا، وفق ما رصدته عنب بلدي.
يأتي ذلك في ظل جفاف العديد من الينابيع بمختلف مناطق درعا، ما يجعل الآبار خيار الأهالي الوحيد، رغم الأخطار الصحية التي يمكن أن تترتب على شربها واستخدامها دون تعقيم.
وتعتبر ساعات تقنين الكهرباء التي تعطل عمل الآبار لساعات، أحد أبرز الأسباب التي فاقمت أزمة المياه في درعا وغيرها من مناطق سيطرة النظام.
وفي 24 من آب الماضي، وعد وزير الموارد المائية، تمام رعد، أهالي درعا بتقديم حلول تسهم بتحسين وصول الأهالي للمياه الصالحة للشرب، أبرزها إعفاء بعض الآبار من التقنين، وتركيب ألواح الطاقة الشمسية لإحدى الآبار إلى جانب حفر آبار جديدة، لكنّ أزمة المياه ما زالت مستمرة في معظم مناطق المحافظة.
وتعرّضت أنظمة المياه في سوريا لأضرار كبيرة جرّاء استمرار الحرب لأكثر من عشر سنوات، وغياب الجهود لصيانة الأنظمة المتضررة، إذ تعمل في الوقت الراهن نحو 50% فقط من أنظمة المياه والصرف الصحي بشكل صحيح في جميع أنحاء سوريا، وفق ما ذكره تقرير “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” حول وصول سكان سوريا للمياه الصالحة للشرب، الصادر في تشرين الأول 2021.
شارك بإعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد
–