عنب بلدي – جنى العيسى
شهدت أسواق الذهب في العاصمة دمشق، خلال موسم الصيف، “إقبالًا واضحًا” بعد جمود شهدته منذ مطلع العام الحالي، وسط وصول أسعاره محليًا إلى مستويات غير مسبوقة.
ومنذ بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وتأثرًا بأسعار الذهب عالميًا، شهدت أسعاره عدة تذبذبات بالسوق المحلية في سوريا، سجلت أحيانًا قيمة تسعير الذهب لدى أسواق الصاغة أسعارًا أعلى من الأسعار العالمية.
ورغم عدم اعتراف حكومة النظام بالسوق السوداء لسعر صرف الدولار الأمريكي، فإنها تعتبرها المقياس المعتمد لحساب سعر الذهب محليًا، لا على أساس السعر الرسمي الذي يحدده مصرف سوريا المركزي.
مقيمون في الخارج “ينعشون” السوق
صاحب محل لبيع الذهب في سوق “الصاغة” بحي الحميدية وسط دمشق، أرجع أسباب هذا الإقبال إلى زيارات السوريين المقيمين خارج سوريا، وكثافتها في هذا التوقيت بالضبط.
وأوضح صاحب المحل (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، لعنب بلدي، أن معظم زبائنه كانوا من غير المقيمين في سوريا، الذين اشتروا الذهب إما لتقديمه كهدية لذويهم المقيمين في دمشق، وإما لأنفسهم.
واعتبر صاحب المحل، أن المقيمين خارج سوريا، يرغبون بشراء الذهب من سوق “الصاغة” بدمشق، إما لضمانهم نوع وجودة الذهب وصياغته “كونهم قد يكونون على معرفة شخصية بالصائغ”، وإما لضمان تبديل القطعة في حال تعرضها لأي تلف إذا كانت “هدية” للمقيمين داخل البلاد.
ونهاية آب الماضي، قال رئيس “الجمعية الحرفية لصياغة الذهب والمجوهرات بدمشق”، غسان جزماتي، إن أسواق الذهب في موسم الصيف الحالي والماضي شهدت “إقبالًا” نتيجة زيارات المقيمين خارج سوريا من جهة، وكثرة المناسبات العائلية من جهة أخرى.
ونتيجة لذلك، أوضح جزماتي أن شراء الذهب “المشغول” هذا العام زاد بنسبة 85%، ما جعل نسبة شراء ذهب الادخار أقل من السنوات الماضية.
وبحسب جزماتي، سجل شراء ذهب الادخار في عامي 2014 و2015 نسبة وصلت إلى نحو 85% من كمية الشراء.
سعر الذهب على أساس “السوداء”
سجلت أسعار الذهب منذ مطلع العام الحالي ارتفاعات متكررة، ارتبطت بأسعاره العالمية من جهة، وبأسعار صرف الدولار مقابل الليرة السورية، ولكن بالاعتماد على سعر السوق السوداء، لا على سعر الصرف الرسمي الذي يحدده مصرف سوريا المركزي بـ2512 ليرة سورية للدولار الواحد.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن من الطبيعي أن يتم الاعتماد على سعر السوق السوداء كأساس لتسعير الذهب في سوريا، كونه السعر “الحقيقي” لليرة السورية، والمعتمد المؤثر في مختلف القطاعات.
بينما لا يعتمد النظام على السعر الرسمي في عدة قطاعات، واعتبر شعبو أن وجوده أساسًا “شكلي”، وهدفه عدم الشعور بحالة “قلق” على الاقتصاد، عندما يعترف “المركزي” بأن قيمة الدولار الواحد يعادل 4500 ليرة سورية.
ومنذ منتصف آب الماضي، كسرت قيمة الليرة السورية في السوق السوداء حاجز 4500 ليرة للدولار الواحد، لتسجل ثباتًا نسبيًا عند هذه القيمة، بعد أن كانت قيمتها مطلع العام الحالي نحو 3600 ليرة للدولار.
“دولار الذهب”
من جهته، تحدث الباحث إياد الجعفري، في مقال رأي نشره بموقع “المدن” في آذار الماضي، بعنوان “دولار الذهب.. كمؤشر لقيمة الليرة السورية”، عن ظهور مصطلح “دولار الذهب” واعتماده من قبل بعض المشتغلين بقطاع الصاغة في سوريا، لتوصيف سعر الدولار المعتمد من قبل “جمعية الصاغة”.
وأضاف الجعفري أنه ومنذ بدء مسيرة انهيار قيمة صرف الليرة السورية، بدأت سلطات النظام السوري بالضغط على “جمعية الصاغة” المسؤولة عن تحديد أسعار الذهب، لتحديد تسعيرة رسمية للذهب، لا تكشف السعر الحقيقي لصرف الليرة مقابل الدولار، فكانت الجمعية تضطر لإصدار تسعيرة غير واقعية دفعت في سنوات لاحقة (بين عامي 2013 و2017) إلى فلتان سوق الصاغة، واعتماد بائعي الذهب على أسعار آنية للذهب وفق سعر الصرف.
لكن، منذ عام 2018، بدأت الجمعية بالتشديد على ضرورة الالتزام بالتسعيرة الرسمية، عبر إنذارات شبه يومية توجهها للصاغة عبر معرّفاتها الرسمية، وفي الوقت نفسه، أتاحت لهم هامشًا متمثلًا بما يُعرف بـ“أجرة الصياغة”، بحسب الجعفري.
وفي السنتين الأخيرتين، حاولت الجمعية تعزيز سيطرتها على سوق الصاغة أكثر، عبر الاقتراب بصورة أكبر من سعر الصرف الواقعي بتسعيرتها الرسمية.
وبذلك أصبح سعر “دولار الذهب” الذي تعتمده في حساب التسعيرة الرسمية أقرب أكثر إلى سعر السوق السوداء، وفي بعض الحالات طابقه، وفي حالات أخرى تجاوزه أيضًا.
رغم الانخفاض العالمي.. الذهب يرتفع في سوريا
خلال الأشهر الماضية، ووسط تذبذبات أسعار مبيع الذهب عالميًا، لم يترافق انخفاض أسعاره عالميًا مع الأسعار التي تحددها “جمعية الصاغة”، وسط مبررات حكومية عدة.
ففي 24 من آب الماضي، وتزامنًا مع انخفاض أسعار صرف الليرة السورية، قال رئيس “جمعية الصاغة” غسان جزماتي، إن ارتفاع أسعار الذهب محليًا سببه “لعبة مضاربين” بسعر الصرف في السوق الحرة.
ولكن عند ثبات سعر صرف الليرة نسبيًا، قال جزماتي، إن أسباب ارتفاع أسعار الذهب تعود لـ”قرار متعمد” من قبل الجمعية بأن تكون الأسعار المحلية “قريبة” من أسعار الأسواق المجاورة “لمنع تهريبه”.
الدكتور فراس شعبو قال لعنب بلدي، إن تبريرات ارتفاع تسعير الذهب في سوريا رغم انخفاضها عالميًا “غير منطقية”، لكون سعر الذهب واحدًا في العالم، موضحًا انتشار فكرة غير صحيحة اقتصاديًا والبعض يخطئ فيها دائمًا، وهي وجود سعر ذهب منخفض في بلد ما، ومرتفع في آخر.
وأوضح شعبو أن غرام الذهب كقيمة عند إرجاعها للدولار الأمريكي هي ذاتها على مستوى العالم، لكن بعض الدول تفرض بعض الغرامات أو الرسوم الجمركية على إخراج الذهب، ما يؤثر بتسعيرته.
وأكد شعبو أن الذهب سيظل الوسيلة الآمنة ومصدر الادخار الأول بالنسبة للدول والأفراد والشركات لحفظ الأموال، سواء في سوريا أو في أي دولة تعاني مشكلات اقتصادية أو أمنية.