وفيق حبيب.. فنان من الزمن الجميل!
نبيل محمد
أثار اجتماع المغني الشعبي السوري وفيق حبيب مع المغنية ليندا بيطار في حفل غنائي أقيم مؤخرًا على مسرح “مجمع دمّر الثقافي” بدمشق تعليقات وانتقادات شتى، مفادها اختلاف اللونين الغنائيين اللذين يغنيهما كل من حبيب وبيطار، على اعتبار أن ما يقدمه حبيب “شعبي” لا يكمن جمعه بـ”النخبوي” الذي تقدّمه بيطار، لينبري إثر ذلك كل من المغنيَين دفاعًا عن الآخر، وعن الحفل الذي جمعهما احتفالًا بـ”أبطال سوريا في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط”، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحلية السورية.
ليس في هذا الجدل ما يحط من قيمة فنان ويرفع من قيمة آخر، ولعل ما حدث ليس بأمر يستحق الجدل في ظل ما تشهده الخشبات السورية حاليًا من محالات دؤوبة لإظهارها بالشكل المهرجاني المستمر والمفتوح لجميع أنواع الفنون. إدارات تتسوّل المغنين من الداخل والخارج، وجدليات تظهر أهلية الإدارات لانتقاء الجيد واستبعاد الرث، وتنصيب نفسها وصيّة على الذائقة، ومحددة لأخلاقيات الكلمة واللحن. لكن وسط هذه المعمعة المستمرة، يلفت النظر المكانة التي ينالها مغنّون كانوا بالأمس في موقع مختلف كليًا عما يحتلونه اليوم في البلد المتآكل.
وفيق حبيب واحد من أولئك الفنانين، الذي خرجوا من رحم الحفلات الشعبيّة والأعراس، وتم تنميطهم المنطقي كمحيي حفلات عنوانها الأساسي الدبكة على وقع موسيقا صاخبة شعبية شبه متطابقة في تجلياتها بأغاني هذا المطرب أو ذاك. وليس في ذلك حطّ من قيمة الفن الشعبي بالتأكيد، لكنه وسم لكل فن بهويته ودوره والمكان المناسب لحضوره. إلا أن المسارح ودور الثقافة والفن في سوريا اليوم باتت بلا شك خاضعة لمعايير مختلفة، تجعل الفنانين ذاتهم رهينة صراع هوية، ينتصرون فيه لذواتهم، فيرفعونها بطريقة لا تخلو من الكوميديا أحيانًا.
ففي لقاء أجراه وفيق حبيب مؤخرًا عبر برنامج “المختار” في إذاعة “شام إف إم”، يظهر الفنان وكأنه جزء متجذّر من التراث، تسيء له محاولات التشبه به، ويتعالى عن نقد المارقين في فن الغناء. ينتقد “السوشيال ميديا” السوشيال ميديا التي جعلت من “التفَّه” نجومًا، وسطّحت الفن، وحطّت من قيمة الذوق العام. يتحسّر حبيب على زمن الفن الجميل الذي يعتبر نفسَه أحد نجومه، ويأسى من انحطاط الكلمة التي لم يهادن يومًا في انتقائها. وفيق الذي صدح في إحدى أغانيه قائلًا، “اجرحي قلبي ولا تداوي.. ورش عليي كيماوي”.
“بدأ الفن يتلاشى وتوقفت عجلته”، يقول ذلك وفيق حبيب دون أن يرف له جفن، لكنه رغم ذلك الانحطاط الذي يعانيه الفن اليوم، قادر على الاستمرار بفضل “العلاقات”. بإصراره على هذا المصطلح، يذكّر الفنان بالوصفة الأساسية التي جعلت منه في تلك المكانة التي يجد نفسه فيها اليوم. إنه قادر من خلال اتصال هاتفي واحد أن يحيي حفلًا في أستراليا أو في أي مكان آخر، وفق حديثه.
يعتب حبيب على إدارات المهرجانات السورية، كونها تستقدم المغنين من العراق ودول أخرى، مقابل غياب المغنين السوريين عن المهرجانات في الدول العربية الأخرى، معتبرًا أن الحفلات في سوريا تُدار من قبل “مافيات”، وهو ما يعيدنا إلى منطق العلاقات التي تحدّث عنها الفنان كلاعب أساسي في انتشار الفنان وتحقيق الشهرة واعتلاء المسارح. تلك “المافيات” التي تمنع حبيب من الغناء في مسارح معيّنة من المفترض أنها هي التي أوصلت حبيب ذاته إلى ما هو عليه اليوم. “المافيات” التي لا يمكن لحبيب توصيفها وتحديد رتبها الأمنية أو العسكرية ودرجة ثقلها في مناصبها، هي تراث سوري مستمر حتى يومنا هذا بالحديد والنار، يجعل من وفيق حبيب تراثًا فنيًا قادرًا على اعتلاء المسارح والحضور في الفضائيات كنجم من الزمن الجميل، زمن سوريا الأسد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :