“لأن كلام القواميس مات، لأن كلام المكاتيب مات، لأن كلام الروايات مات، أريد اكتشاف طريقة عشق، أحبك فيها بلا كلمات”.
هذه إحدى قصائد ديوان “كتاب الحب” للشاعر السوري الراحل نزار قباني، وهي واحدة من 52 قصيدة منشورة في الديوان على امتداد نحو 32 صفحة فقط، ما يوضح للقارئ بالأرقام، قبل أن يتناول الديوان بين يديه، أن القصائد قصيرة، وشديدة القصر أيضًا، فقباني يقدّم عبر هذا الديوان محاولة لكتابة القصيدة العربية بشكل جديد، وفق ما ذكره في المقدمة.
وخلال الديوان الذي قال عنه نزار “ها هو نشيد إنشادي”، حاول الشاعر تخليص القصيدة من الزوائد البلاغية، والتبذير في استعمال اللغة، في سبيل الوصول إلى “شعر عربي تكون فيه مساحة الكلمة بمساحة الانفعال”.
وهنا ينبذ قباني القصيدة الطويلة، ويميل لاختصار النص، رغم وجود نصوص طويلة كثيرة شكّلت قبل وبعد “كتاب الحب” عمود نتاجه الشعري، لكن “كتاب الحب” يميل لتقديم نص يمكن حفظه ككل، خفيف على السمع، قليل الكلمات، ويحمل في الوقت نفسه صورته الشعرية، وعواطفه الخاصة، طالما أنه لا معايير تحكم طول القصيدة، بعد الاتفاق على أن النص المكتوب قصيدة.
“الشعر خلاصة الخلاصة”، هكذا يعرّفه الشاعر السوري الراحل، الذي دافع في “كتاب الحب” عن القصيدة القصيرة، من باب أنه “ليس من وظيفة الشعر أن يشرح كل شيء، وبمعنى أدق أن يقتل كل شيء”.
“عيناك مثل الليلة الماطرة، مراكبي غارقة فيها، كتاباتي منسية فيها، إن المرايا ما لها ذاكرة”.
هذا إيجاز آخر، ونص كامل آخر، بدأ وانتهى بحدود سطر واحد، فالشاعر يطوّر وفق رأيه أسلوب مخاطبة المحبوبة، باعتبار أن النص الطويل الذي كان يُلقى على الأطلال وفي حي المحبوبة لا يتلاءم مع روح العصر، في إشارة إلى أن الديوان صدر عام 1970، ما يعني أن التغيير الذي تحدّث عنه نزار قباني مضى عليه أكثر من خمسة عقود.
وفي ذلك الحين الذي لم يمتلك به الحب الوقت لكتابة المكاتيب، لا بد من “الأسلوب البرقي في مخاطبة الحبيبة” وفق رأي قباني، الذي أكد أن “كتاب الحب” أتعبه واستهلكه وأنه اشتغل عليه كما لم يشتغل على أي كتاب صدر له من قبل.
“لأن حبي لك فوق مستوى الكلام، قررت أن أسكت، والسلام”.
لا عناوين إلا عنوان الديوان في هذا الكتاب، فحجم القصيدة لا يتطلب ذلك، والترقيم يفي بالغرض، وعلى المستوى الغنائي، صدرت أغنية للمطرب العراقي كاظم الساهر، استعار خلالها مجموعة من قصائد “كتاب الحب” التي لحّنها وجمعها في عمل غنائي واحد من خمس دقائق ونصف، حمل اسم الديوان.
نزار قباني من مواليد حي مئذنة الشحم في العاصمة السورية دمشق عام 1923، وتوفي في العاصمة البريطانية، لندن، عام 1998، وبين الزمانين والمكانين ترك قباني 36 ديوانًا من الشعر، و12 كتابًا في النثر، منها كتاب يروي سيرته الذاتية، ومسرحية بعنوان “جمهورية جنونستان”.
وعلى امتداد هذا المشوار الغني بالقصيدة، والوطن وقضاياه على اتساعها، وحفاظ المرأة على مقعد دائم في صدر دواوينه، حاول الشاعر في زحمة الشعر والسفر أن يترك للقارئ قصيدة تصلح أن تكون نشيدًا نزاريًا يقوله ويحفظه ويشعر به، وفي ختام مقدمة “كتاب الحب”، يقول نزار قباني “هذا هو نشيد إنشادي، أتركه على وسائد المحبين، وأطفئ القنديل، وأنسحب”.