مع تصاعد حدة الخطاب تجاه السوريين في تركيا، وتهديد عيشهم وزعزعة الاستقرار لديهم، وعجز “الائتلاف السوري المعارض” المدعوم من تركيا عن حمايتهم، تبرز الحاجة لوجود كيان يجتمع السوريون عنده، لإيصال صوتهم بلغة المصلحة المشتركة.
يجد السوريون في تركيا أن لاستخدام ثقلهم الاقتصادي، الذي يعد ركيزة أساسية في تحريك عجلة الإنتاج المغذي للبلاد، سبيلًا لنيل مطلبهم والتأثير على صناعة القرار فيما يضمن أمنهم، ولكن ليس للجمع بيت يؤويه.
بحثت عنب بلدي عن أبرز الكيانات المحتملة التي تحمل ملامح “لوبي اقتصادي”، وحاولت أن تعالج أسباب القصور والمعوقات لوجود كيان يمثّل السوريين ويحافظ على وجودهم ومستقبلهم، ويحل مشكلاتهم.
ومن أبرز هذه الكيانات الموجودة في الملعب الاقتصادي، جمعيتان سوريتان هما: “جمعية الأعمال السورية الدولية” (سيبا تورك)، و”جمعية رجال الأعمال السوريين” (سورياد).
ورقة ضغط من يملكها؟
“سيبا تورك” منظمة مستقلة غير ربحية وغير سياسية، أُسست في 2018، وتجمع بين رجال الأعمال والصناعيين السوريين داخل وخارج تركيا.
تهدف الجمعية أولًا لتكوين علاقات تعاون اقتصادي بين رجال الأعمال السوريين في تركيا ونظرائهم في المهجر، بالإضافة إلى حماية مصالح الأعضاء والدفاع عن حقوقهم لدى الجهات الحكومية أو الخاصة.
وتتمثّل رؤيتها بأن تصبح قوة مؤثرة بصناعة القرار الاقتصادي في تركيا، للإسهام في عملية التنمية، وفقًا لموقع الجمعية الرسمي.
استطاع رجال الأعمال السوريون في تركيا، رغم الظروف الصعبة التي واجهتهم من قلة الأيدي العاملة وضعف الإمكانيات، إلى جانب صعوبة الحصول على التمويل والدعم من البنوك التركية، أن يثبتوا جدارتهم في حلقة الصناعة والإنتاج.
وحققوا نجاحات كبيرة مقارنة بالإمكانيات المتواضعة المتاحة لهم، لتجد العديد من منتجاتهم الطريق إلى الدول العربية والاتحاد الأوروبي، مرورًا بدول آسيا والولايات المتحدة، بحسب ما قاله رئيس الجمعية ورجل الأعمال البارز محمود عثمان، لعنب بلدي.
بحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني الماضي، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لصحيفة “Takvim” التركية.
وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة.
وفي تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، توقع أن يرتفع تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة لهم في الاقتصاد التركي إلى 4% بحلول 2028، مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ في تركيا.
ثقل اقتصادي توهنه الفردية
تعرّف “جمعية رجال الأعمال السوريين” (سورياد)، البارزة في تركيا، نفسها على أنها صلة وصل بين الصناعيين ورجال الأعمال السوريين، ولكنه من الصعب، وفقًا لعثمان، الادعاء بأن جمعيات الأعمال السورية تمثّل القطاع العريض لعالم الأعمال.
وأشار عثمان إلى أن الجمعيات الموجودة في تركيا تمثّل شريحة محدودة من رجال الأعمال، ضمن نطاق تقديم الاستشارات الفنية، ومحاولة تعزيز وتقوية ثقافة “العمل الجماعي”، وإقناع رجال الأعمال بما ينجم عن وحدتهم وترابطهم ليصبحوا رقمًا صعبًا في معادلة الاقتصاد.
ويرى عثمان أن ضعف ثقافة العمل الجماعي لدى السوريين عمومًا، ولدى رجال الأعمال والصناعيين على وجه الخصوص، لتكوين ثقل اقتصادي ذي كيان معتبر، من أهم التحديات التي تواجههم.
ويعتبر العديد من رجال الأعمال مثل هذه التكتلات مضيعة للوقت واستنفادًا للجهد المتمثل في عقد الاجتماعات، كما تشعر الأغلبية بأنها في غنى عن مثل هذه التجمعات، لكن عثمان يعتقد أن الظروف الأخيرة المهددة لاستقرار السوريين في تركيا، تدفع الكثيرين للتعاضد.
رغم ذلك، أكد عثمان أن ثقافة العمل الجماعي في ظل الظروف الصعبة التي تتطلّب من السوريين توحيد جهودهم، لا تزال ضعيفة وفي حدودها الدنيا، حسب وصفه.
ولفت إلى أن باستطاعة رجال الأعمال أن يصبحوا تجمعًا راسخًا في موازين القوى، بحال شكلوا تجمعًا يفوق الألف شخص، على غرار “جمعية رجال الأعمال المستقلين الأتراك” (موصياد)، التي بدأت بإمكانيات متواضعة عام 1995.
وأصبحت “موصياد” الآن بأعضائها الـ13 ألفًا تقريبًا، قوة مؤثرة في الرأي العام الداخلي والخارجي، إذ تعتبر قاعدة مهمة ترجع إليها اللجان والهيئات المالية العالمية لأخذ الاستشارات وتبادل الآراء، وفقًا لعثمان.
لا تزال الجمعيات السورية في بداياتها، كما تسعى للعمل بكامل قدراتها، ولكن من غير الممكن بحسب عثمان، الحديث عن حالة تنظيم صفوف بالمئات، إذ لا يتخطى عدد أعضائها العشرات حاليًا.
غياب لغة المصلحة المشتركة
لا تستطيع الجمعيات السورية سواء “سيبا” أو “سورياد”، أن تمارس الضغط على الحكومة التركية في عدد من المطالب، بحسب عثمان، الذي أرجع ذلك لعدم ارتقائهم لمرتبة “لوبي اقتصادي”.
تحاول جمعية “سيبا” بناء شبكات تواصل مع الجهات الرسمية التركية، سواء مع دائرة الهجرة أو الوزارات الأخرى، بالإضافة إلى اتحادات الغرف التجارية والصناعية، لإيصال المشكلات والعقبات التي تواجه الأعضاء والعاملين السوريين، بحسب عثمان.
وأوضح أن لديهم تواصلًا “قويًا” مع دائرة الهجرة التركية، ما يمكّنهم من التدخل لحل المشكلات، بحال تعرض أحد من الأعضاء أو العاملين لديهم “لخروقات أمنية غير مسؤولة”، وربط ذلك بامتثال الشخص للقوانين الأساسية في البلاد.
وتحدث عثمان عن الحوادث التي تعرض لها بعض العاملين الممتثلين للنظام، من الترحيل عن طريق الخطأ، لتحل المشكلة بالتواصل مع السلطات الرسمية، كما أن لدى الجمعية مجموعة تواصل عبر تطبيق المحادثة “واتساب” مع مديرية هجرة اسطنبول، وهناك سرعة فائقة في التجاوب، وفق ما قاله عثمان.
تطالب الجمعية بالمحافظة على اليد العاملة السورية النشطة، كما نوّه عثمان إلى أن السلطات التركية تبذل ما بوسعها من أجل منح تصاريح العمل لمن لديهم بطاقة “الحماية المؤقتة” (كملك).
بالمقابل، لا تستطيع الجمعية الدفاع عن شخص مخالف للقانون، من خلال وجوده دون “إذن سفر” بولاية غير التي منحته “الكملك”، وتبقي ذلك لتقدير الدولة التركية.
مساعٍ فردية وعقد مجتمعية
تنبع مشكلة عدم القدرة على تشكيل “لوبي اقتصادي”، من افتقار المجتمع السوري لثقافة العمل الجماعي بالدرجة الأولى، إذ إن أغلبية الأعضاء في هذه الجمعيات انضم عن رضا وليس عن قناعة تامة، وفقًا لعثمان.
ولا تزال لدى رجال الأعمال السوريين عقدة “الفردية المطلقة”، المتمثلة بمقولة “أقلع شوكي بيدي”، كما يحمّل العديد منهم الجمعيات التي ينضمون إليها ما لا تستطيع أي جمعية رجال أعمال تحمّله لتحقيق مطالب فردية.
يربط عثمان هذه العقدة بالافتقار إلى ثقافة التنظيم، والتكتل في مؤسسات ترعى مصالح شريحة واسعة من السوريين في تركيا، “ولو حلّت هذه المشكلة لكان بالمقدور الحديث عن لوبي اقتصادي واجتماعي”.
وتستعيض مثل هذه الجمعيات عن وجود لوبي قوي بالعلاقات الشخصية، لحل المشكلات التي تعترضها، بحسب ما قاله عثمان.
وأضاف، “لو كنا نتمتع بالتنظيم، ونبلغ من العدد ألوفًا، لاستطعنا تشكيل لوبي تُذلل له المصاعب، يقول ويفعل ما يقول”، ويرى أن هذا الشتات مشكلة السوريين نفسهم، وليس مشكلة السلطات التركية.
وأعرب عثمان عن أمله بأن يلتف رجال الأعمال من الجمعيات الأخرى، فيما يعتقد أنهم يشكّلون “مصدر غنى”، حول كيان يجمعهم، مشددًا على أهمية التنظيم المؤسساتي، بغض النظر عن التسميات، لتشكيل ورقة ضاغطة عابرة للمطالب.
حرب المصانع الخاوية
تحدثت العديد من وسائل الإعلام التركية مؤخرًا، ومن بينها صحيفة “كوجالي كوز” (KOZ) التركية، عن انخفاض كبير في الإنتاج بالعديد من المعامل والمصانع التركية من جراء مغادرة السوريين لتركيا، وعدم رغبة الأتراك في القيام بأعمالهم.
في تشرين الثاني 2021، استخدمت المعارضة التركية تصريحًا لرجل الأعمال السوري البارز، ورئيس جمعية “سيبا تورك”، محمود عثمان، في مقابلة أجراها مع صحيفة “الإندبندنت” التركية، لتأجيج الرأي العام.
ونفى عثمان لعنب بلدي تحديه الحكومة الحالية أو المقبلة، بعبارته التي قصد بها السوريين قائلًا، “إن كان لديهم القدرة على إعادتهم فليفعلوا”، وأشار إلى أن المعارضة ألحقت به ضررًا معنويًا بشيطنة التصريح.
وأوضح أنه أعرب عن قناعته حينها، والتي لا يزال يحتفظ بها إلى الآن، بأن قطاع الأعمال التركي بحاجة ماسة إلى العمالة السورية، مؤكدًا أن “هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، ولا يمكن تجاوزها، ولن يستطيع أحد أن يتجاوزها”.
وأشار عثمان إلى أن الجمعية ليست بوارد تحدي المعارضة أو مؤسسات أخرى، إنما هدفها البناء والإنتاج، وأن يكون لها بصمة وإسهام حقيقي في الاقتصاد التركي، باعتبار أن السوريين أصبحوا جزءًا من تركيبة الاقتصاد من خلال وجودهم الكبير.
وصل عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية إلى 211 ألفًا، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 18 من آب الماضي.
ويبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب “الحماية المؤقتة”، وفق إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الأخيرة، ثلاثة ملايين و654 ألفًا و257 شخصًا.
–