ديانا رحيمة | صالح ملص
يشق سوريون حول العالم طريقهم للتأثير في السياسات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، مشكلين مجموعات ضغط تقترب من دوائر صنع القرار، ليكونوا جزءًا مما يُرسم في أروقة السياسيين بشأن سوريا.
ومع لجوء 6.6 مليون سوري إلى الخارج، بحسب أرقام الأمم المتحدة، أكثر من مليون منهم في أوروبا وأمريكا، وتأسيس نشاطات مستدامة لمنظمات مدنية يقودها سوريون، بدأت تتبلور محاولات التأثير في الهوامش المتاحة التي يحملها الحراك السياسي الدولي بالشأن السوري.
على مدار القرن الماضي، تمكنت لوبيات للجاليات اليهودية والإيرانية ولبعض الدول العربية، من التأثير في سياسات الغرب بشأن المنطقة العربية، ورغم أن السوريين لا يزالون بعيدين عن تحقيق ما وصلت إليه هذه اللوبيات، فإنهم يضعون اللبنة الأولى باتجاه ضغط منظم يحقق التغيير على الأرض.
تمكنت بعض مجموعات الضغط السورية من التأثير في الناحيتين السياسية والحقوقية، لكنها تواجه إلى اليوم تحديات ومواجهة مضادة، تناقشها عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة من الشخصيات السياسية والباحثين والمحللين.
القضايا السورية بلسان السوريين
يعد اللوبي حقًا قانونيًا لأي سوري في بلدان اللجوء، ووسيلة للمشاركة في صناعة القرارات السياسية والإدارية المرتبطة بقضايا السوريين، وبينما يعتمد مفهوم جماعة الضغط بالنسبة لبعض الفئات السورية على العلاقات الشخصية، يجد المحامي السوري ومؤسس موقع “فرانس بالعربي”، زيد العظم، أن الضغط يجب أن يكون عملية مؤسساتية من أجل دعم قضية معيّنة، خصوصًا أن الحكومات في تلك الدول تسمح بإنشاء جماعات الضغط كمنظمات بموجب القوانين المحلية.
وعند بناء جماعة ضغط، يجب أن تكون لهذه المجموعة توقعات واقعية، فيجب على جماعات الضغط السورية ألا تتوقع نتائج مباشرة لعملها، وألا تظن أن الجهات الحكومية التي تتواصل معها ستكون مستعدة لدعمها الفوري، بل على العكس، يجب عليها أن تبني عملها على الأثر التراكمي الطويل الأجل.
والقيمة الاستراتيجية التي يمكن أن تضيفها فكرة إنشاء جماعات ضغط سورية على الملف السوري، هي سد الفراغ و”عدم تأطير القضايا السورية بطريقة تقليدية من وسائل الإعلام الأجنبية، التي لديها مصالحها وحساباتها الخاصة البعيدة عن أهداف السوريين”، وفق العظم، وبالتالي ستقدم القضية السورية كما يرغب السوريون أنفسهم بتقديمها، وستُعالج الأزمات السورية بلسان السوريين.
وتسعى معظم جماعات الضغط إلى إنشاء وسائل إعلام ومراكز أبحاث خاصة بها كي تنحاز للقضايا التي تدعمها، فمراكز الأبحاث ووسائل الإعلام تحتاج إلى تمويل كبير للقيام بعملها، وغالبًا يموّلها تجار ورجال أعمال كبار لضمان خروج دراسات تثمر تشريعات وقوانين تلبي مصالحهم، أو عن طريق رجال جماعات الضغط من السياسيين.
كما أن مجموعات الضغط توفر منابر تدافع عن المصالح التي لا تُمثّل بشكل كافٍ عبر الطرق التقليدية، سواء من خلال العملية الانتخابية أو من قبل الأحزاب السياسية.
أهمية اللوبي تأتي من أنه يعمل بطريقة حرة ليبرالية عفوية، وأنه متحرر من الضغط المنظم (بمعنى أن يضغط شخص معيّن في هذا المكان، بينما يضغط شخص آخر في مكان آخر)، بينما يبقى الضغط المنظم محكومًا بقواعد وبروتوكولات وشكليات.
جماعات الضغط تهتم بفئات خاصة بها وليست عامة، في حين تحاول الأحزاب التقليدية توسيع نطاق جاذبيتها، في محاولة لجذب جميع الناخبين، وبالتالي، يمكن لمجموعات الضغط التعبير عن وجهات نظر أو اهتمامات مجموعات معيّنة والتركيز على أسباب محددة، ونقل صورتها بشكل أفضل، وهذا جوهر أهمية وجود جماعات ضغط خاصة بالسوريين، بحسب ما يراه العظم.
ما اللوبي؟
يُعرف بأنه عبارة عن جماعات ضغط أو ما يسمى بجماعات المصالح أو الاهتمامات الخاصة، التي تستخدم أشكالًا متنوعة من التأييد للتأثير على الرأي العام وقد تؤثر على السياسة.
وأدّت اللوبيات دورًا مهمًا في عملية تطوير الأنظمة السياسية والاجتماعية وما زالت تطورها.
وتتباين جماعات الضغط من حيث الحجم والتأثير والدافع، ولدى بعض منها العديد من الأهداف الاجتماعية الطويلة المدى، بينما لدى الأخرى أهداف متخصصة أو نشأت كرد فعل على قضية أو مسألة حالية.
وتستند دوافعها إلى موقف سياسي أو عقائدي أو أخلاقي أو تجاري مشترك.
وتستخدم الجماعات أساليب مختلفة لمحاولة تحقيق أهدافها، وتتضمن الضغط السياسي والحملات الإعلامية والدعائية والاستفتاءات والأبحاث وجلسات إحاطة السياسات.
وتحظى بعض الجماعات بدعم مؤسسات تجارية قوية أو مصالح سياسية، وتؤثر بشكل كبير على العملية السياسية، وهناك جماعات أخرى تمتلك القليل من هذه الموارد.
نماذج عن ضغط السوريين
بدأت مجموعات سورية بالضغط في ملفات سياسية، بعد عام 2011، وتمكنت من إحداث أثر في بعض القرارات والسياسات الدولية بشأن سوريا.
ومن أبرز ما حققه عمل اللوبيات السورية حول العالم، كان الدفع في أمريكا لتطبيق قانون “قيصر” الذي طُرح بداية كمشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني عام 2016، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في 21 من كانون الأول 2019.
وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
كما كان هنالك تحرك حقوقي لمحاسبة مجرمي الحرب الذين لجؤوا إلى أوروبا بعد ارتكابهم انتهاكات بحق المعتقلين السوريين.
وبدفع من حقوقيين سوريين، ألقت السلطات الألمانية، في 19 من حزيران 2020، القبض على الطبيب علاء موسى، المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية خلال عمله طبيبًا في سوريا.
وأقرت المحكمة العليا في فرانكفورت 18 تهمة موجهة لموسى، بعد أن كان مقررًا أن تفتتح جلسات المحاكمة بثماني تهم فقط.
كما أصدرت المحكمة الإقليمية العليا في بلدة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا، في 13 من كانون الثاني الماضي، حكمها الثاني في قضية ضابطَين سوريَّين متهمَين بالمسؤولية عن “جرائم ضد الإنسانية”، نُفذت في مراكز اعتقال تابعة للنظام السوري بدمشق.
وحكم قاضي المحكمة على الضابط السابق في المخابرات العامة السورية أنور رسلان بالإدانة، والسجن المؤبد غير المشدد، مع تحمل كامل التكاليف للمتضررين.
وفي شباط 2021، حكمت المحكمة على إياد الغريب بالإدانة، والسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بتهمة “جرائم ضد الإنسانية”، وهو المسؤول الأدنى رتبة في القضية بعد المتهم أنور رسلان، واُتهم سابقًا بالتحريض على تعذيب المعتقلين، واحتجاز أشخاص عام 2011، وتسليمهم إلى الفرع “251” حيث تعرضوا للتعذيب لاحقًا.
وبالإضافة إلى هاتين المحاكمتين، اللتين أخذتا حيزًا كبيرًا من التفاعل في سوريا، توجد مجموعة من المحاكمات لعناصر وأشخاص متهمين بالضلوع بجرائم حرب من مختلف أطراف النزاع، اعتُقلوا بعد وصولهم إلى أوروبا.
عوامل تساعد اللوبي السوري في واشنطن
في قلب الدائرة الأهم لصنع القرار
في واشنطن، حيث المركز الأبرز لصنع السياسات في العالم، ينشط سياسيون وناشطون سوريون، في محاولة لإيصال قضايا السوريين إلى أروقة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وسن سياسات تناصر قضاياهم.
وتمكّن اللوبي السوري في واشنطن من “النجاح” في الضغط على الإدارة الأمريكية لعدة عوامل ساعدته، من أهمها أن السوريين بدؤوا نشاطهم قبل الثورة السورية، بحسب ما قاله رئيس “المجلس السوري- الأمريكي”، الطبيب زكي اللبابيدي، لعنب بلدي.
والعامل الثاني الذي ساعد في عمل المجلس أن كثيرًا من السوريين الموجودين فيه من المهاجرين منذ سنوات، بسبب الوضع السياسي والاقتصادي في سوريا، ومن المعارضين القدامى للنظام السوري.
أما العامل الثالث فهو القوانين الأمريكية التي تسمح للسوريين بأن يقوموا بدور سياسي في بلادهم، وأن يستخدموا القوانين المتاحة لتقديم مطالبهم ومصالحهم.
العامل الرابع، بحسب اللبابيدي، هو النفوذ الأمريكي بكل أنحاء العالم، إذ يستفيد اللوبي السوري من وجوده في عاصمة تصنع القرار، ولا يتحرك أي شيء في العالم دون أن يكون لها رأي فيه.
وعملت الجالية السورية في أمريكا على تفعيل دورها عبر لقاءات مع أعضاء الحكومة وأعضاء من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
كما عملت على الدفع لـ”تطبيق قوانين تعاقب حكومة السفاح وأعوانه الذين استمروا في تعذيب السوريين، وجلبوا الاحتلال الروسي، وسمحوا للميليشيات الطائفية الإيرانية بأخذ دور كبير في سوريا”.
وبناء على نشاط المجلس، يتوقع اللبابيدي اقتراب إصدار قوانين تقيّد كل من إيران والنظام وتصب في مصلحة الشعب السوري.
شُكّل “المجلس السوري- الأمريكي” عام 2005، من مجموعة من السوريين المهاجرين في أمريكا، ولأنه مسجل كمنظمة في واشنطن، أعطاه ذلك حرية العمل على الفور في أثناء قيام الثورة السورية.
وإلى جانب المجلس، تنشط منظمة “مواطنون لأجل أمريكا آمنة“، التي تركز جهودها على التواصل مع الكونجرس للإبقاء على مكتسبات الثورة بشكل عام من زخم وتعاطف من الشعب الأمريكي، واستثمار القوانين التي أُقرت بشكل خاص مثل قانون “قيصر”، ومحاولة استنساخ التجربة في قوانين أخرى جديدة، بحسب ما قاله مدير المنظمة، الطبيب السوري بكر غبيس، لعنب بلدي.
ونظمت المنظمة عدة مؤتمرات دعت من خلالها أعضاء في الكونجرس ومسؤولين في الإدارة الأمريكية لنقاش المسألة السورية، وعلى سبيل المثال، تمحور مؤتمر كانون الأول 2021، حول وقف التطبيع مع النظام السوري، وبناء على النقاشات والتوصيات، صدرت بيانات من الكونجرس والإدارة حول أهمية وقف التطبيع مع النظام.
بينما عقدت المنظمة مؤتمرًا، في أيار الماضي، كان حول جريمة “التضامن” وضرورة تعاطي الإدارة الأمريكية مع هذه الجريمة بشكل مناسب، لجلب بعض العدالة للضحايا الأبرياء.
وبحسب غبيس، تعمل منظمة “سوريون من أجل أمريكا آمنة” على دعم مشروع قانون “مكافحة تجارة الكبتاجون”، لقطع وارد مالي كبير عن النظام وحلفائه، على أمل إقراره ليصبح مؤثرًا على الأرض.
وتحاول المنظمة العمل على قوانين جديدة لمتابعة الضغط السياسي والاقتصادي على النظام، من بينها التعاون مع خبراء وأكاديميين لمحاولة ابتكار مشروع “محكمة خاصة بمجرمي الحرب في سوريا”.
حرب لوبيات يخفيها الضباب
ضغط في بريطانيا لمواجهة “آلة الأسد”
يخفي ضباب لندن تحركات لوبي سوري يدعم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ويديره فواز الأخرس والد أسماء زوجة الأسد، الذي أسس “الجمعية السورية البريطانية“، عام 2003، وهي مجموعة ضغط، تُعزى لها أدوار الدعاية والترويج لرواية النظام للأحداث في سوريا، التي تعتبرها حربًا ضد “الإرهاب”.
وبحسب موقعها الرسمي، سهّلت الجمعية زيارة أكثر من 80 برلمانيًا بريطانيًا وأوروبيًا إلى سوريا منذ تأسيسها.
إلى جانب هذه الجمعية، توجد أيضًا “مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام“، التي تضم مجموعة من الأكاديميين والباحثين البريطانيين المحسوبين على اليسار المتطرف، التي تضخ معلومات مضللة حيال منظمات سورية أبرزها “الدفاع المدني السوري”.
في مواجهة هذا المد للوبي المحسوب على الأسد، نشط سياسيون سوريون، وأسسوا جمعيات ومنظمات للضغط، من أبرزها “المجلس السوري- البريطاني“، الذي أُسس عام 2019 في لندن، وهو مجموعة حشد ومناصرة سياسية للقضية السورية.
يُعرف المجلس نفسه بأنه “لوبي سياسي سوري داعم للانتقال الديمقراطي في سوريا”، وبالتالي فإن استراتيجيته وخطة عمله محددة ومركّزة وغير مشتتة، ويقوم بعمل سياسي واضح المعالم ضمن رؤية سياسية تشاورية بُنيت مع أعضاء المجلس وعدد كبير من الجالية السورية في بريطانيا، بحسب ما قاله المدير التنفيذي للمجلس، مازن غريبة، لعنب بلدي.
ويعمل المجلس بشكل وثيق مع البرلمان والحكومة البريطانية وصنّاع السياسات في عدد من الخارجيات الأوروبية الأخرى، بحسب غريبة، بغية الضغط باتجاه تحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا، ومحاسبة كل الأفراد الضالعين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
ووضع المجلس منذ تأسيسه خطة استراتيجية طويلة المدى تقوم على أربعة حوامل أساسية هي:
- إعطاء الأولوية لملف العدالة والمحاسبة في سوريا، وذلك من خلال تقديم تقارير دورية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب الواقعة في سوريا إلى الفريق السوري في الخارجية البريطانية وعدد من الوزارات الأخرى ذات الصلة، مثل وزارة الداخلية ووزارة شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية.
- نقل الملف السوري من كونه ملفًا خارجيًا وتحويله إلى قضية رأي عام في بريطانيا، وذلك عن طريق التواصل الدائم مع عدد كبير من أعضاء البرلمان البريطاني بغية خلق ضغط محلي على صانعي السياسات الخارجية في الحكومة البريطانية.
- تعزيز دور التجمعات السورية في بريطانيا، من خلال إقامة ندوات وحوارات وفعاليات تتمحور حول القضية السورية بأبعادها المختلفة.
- التنسيق المستمر والدائم مع منظمات الحشد والمناصرة السورية، داخل وخارج سوريا، لتوحيد الرسائل الأساسية لصنّاع القرار في بلدان الشتات السوري.
قام المجلس بدور أساسي في إعادة تفعيل “المجموعة البرلمانية الخاصة بسوريا”، وهي مجموعة عمل مكوّنة من عدد من أعضاء البرلمان البريطاني، من مختلف الأحزاب السياسية، تقوم باجتماعات دورية متعلقة بالشأن السوري.
كما تحوّل المجلس إلى أحد الأجسام الاستشارية الأساسية لدى الفريق السوري في الخارجية البريطانية، حيث تجري مشاورته بكل ما يتعلق بالسياسات التنفيذية والخدمية والسياسية التي تقوم بها الخارجية البريطانية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، بحسب ما قاله المدير التنفيذي، مازن غريبة.
واستطاع المجلس إقامة لقاءات عالية المستوى مع عدد من أصحاب القرار البريطاني بهدف إبقاء القضية السورية على سلّم أولوياتهم، مثل اللقاء مع الوزير السابق لشؤون الشرق الأوسط، جيمس كليفرلي، الذي يشغل حاليًا منصب وزير التعليم، والذي يعتبر من أهم الشخصيات المؤثرة في حزب المحافظين الحاكم.
المحاسبة أولًا
أوروبا.. خطوات أولى
قبل عام 2011، كانت المنظمات السورية في أوروبا ثقافية أو مهنية غالبًا، وتهدف إلى الحفاظ على تراثها وتثقيف الآخرين حول سوريا، ولكن مع بداية الاحتجاجات السلمية، نشأت منظمات جديدة تختلف في نقاط تركيزها باختلاف وتعدد القضايا السورية.
يجد المحامي السوري ومؤسس موقع “فرانس بالعربي”، زيد العظم، أن ما يجب التركيز عليه وإعطاؤه الأولوية المناسبة من تلك القضايا هو قضايا السوريين
داخل أوروبا، كونهم يقيمون بمكان ملائم سياسيًا وقانونيًا وثقافيًا لخلق عوامل ضغط على الحكومات، تكون أكثر تأثيرًا من غيرها من البلدان.
في ألمانيا.. تأثير محدود
يوجد في ألمانيا أكثر من مليون سوري الآن، ونسبة المثقفين فيها عالية، وحتى قبل موجة اللجوء التي اجتاحت ألمانيا عام 2015، كان فيها حوالي 100 ألف سوري، بحسب ما قاله عضو البرلمان الألماني السابق جمال قارصلي، لعنب بلدي.
ولكن قدرة الجالية السورية في ألمانيا على تشكيل لوبي سوري يعمل ضد النظام للأسف لم يحصل، وربما يرجع ذلك لأن الجانب الألماني لا يساعد على ذلك، بحسب قارصلي.
شهدت ألمانيا العديد من المظاهرات والنشاطات بنتائج محدودة، حتى إن الإعلام الألماني، ولا سيما الناطق باللغة العربية، كان شبه مقاطع للنشاطات التي تنظمها الجالية على هذا الصعيد، مقابل لقاءات مع مقربين من النظام السوري.
كما طرحت الجالية على وزارة الخارجية الألمانية مشاريع وأفكارًا دون أن يتم التفاعل معها بشكل جدي، بحسب قارصلي، الذي اعتبر أن ألمانيا أخذت على عاتقها استقبال اللاجئين فقط دون أن تتدخل بأي نشاط سياسي سوري فيها.
ومن أهم الملفات الذي تمكنت الجالية السورية من تفعيلها، الجهود المتعلقة بمحاسبة مجرمي الحرب، بينما دخل سوريون إلى الانتخابات البرلمانية، وعلى المدى البعيد يمكن أن يدفعوا إلى إنشاء لوبي سوري قادر على التأثير، بحسب قارصلي.
تحركات محدودة في فرنسا
اللوبي السوري في فرنسا أضعف من أمريكا أو بريطانيا لمجموعة أسباب، أهمها أن السوريين الموجودين في فرنسا قلائل بالمقارنة مع السوريين الموجودين في دول أخرى، بحسب المحامي السوري زيد العظم.
واستطاعت المجموعات السورية أن تضغط على الحكومة والإعلام الفرنسي، وعلى منظمات المجتمع المدني الفرنسي، من أجل محاسبة مجرمي الحرب، ومن بينها العمل على مقاضاة رفعت الأسد عم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
كما طلبت من القضاء الفرنسي التحرك من أجل مجزرة “التضامن” في العاصمة السورية دمشق، ومتابعة قضية ارتكاب النظام السوري مجزرة الكيماوي، وهو ما استجابت له السلطات الفرنسية، إذ أحالت وزارة الخارجية إلى مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب (PNAT) وثائق تتعلق بالمجزرة للتحقيق فيها.
وبحسب بيان صادر عن الخارجية الفرنسية، في 12 من آب الماضي، تحمل الوثائق صورًا وتسجيلات مصوّرة للمجزرة التي ارتكبتها قوات النظام السوري في دمشق عام 2013.
وتعد الوثائق نتيجة جهد طويل للعديد من الأشخاص المدافعين عن حقوق الإنسان، وفق ما ذكره البيان، مشيرًا إلى أن هذه الجريمة يمكن أن تكون من أخطر الجرائم الدولية وجرائم الحرب.
وعملت جماعات الضغط الموجودة في فرنسا على الضغط على الحكومة الفرنسية لمنع نائب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام، فيصل المقداد، من المجيء إلى باريس، بحسب العظم.
وأوضح المحامي السوري مستويات الضغط التي تبدأ بالحكومة أولًا، ثم القضاء، والإعلام، وأخيرًا منظمات المجتمع المدني، من أجل مناصرة قضية الثورة السورية.
مواجهة مضادة
لا تتكوّن جماعات الضغط السورية في أوروبا من جانب سياسي واحد فقط، بل يستخدم النظام السوري نفس الأدوات التي تسمح بتحسين صورة حكمه أمام الحكومات الأوروبية والرأي العام هناك.
وقد اكتسب النظام من فكرة “محاربة الجماعات الإرهابية نيابة عن العالم” بعض الزخم في الغرب، خصوصًا الأحزاب اليمينية المتطرفة، لتقديم “بروباغندا” تدعم بقاءه في السلطة لـ”محاربة الإرهاب”.
كما يستغل النظام ملف اللاجئين السوريين الذي أرهق الاتحاد الأوروبي، وتصاعد العمليات التي توصف بـ”الإرهابية” وتُنسب للاجئين.
وتتوزع المنظمات الغربية الداعمة لحكومة النظام السوري في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي، وتختلف أشكال الدعم ونوعيته، لتحقيق تقارب سياسي بين سردية السلطة في دمشق بـ”محاربتها للإرهاب” وبين الشارع الغربي.
ويشغل نشاط جماعات الضغط حيّزًا مهمًا في التأثير على القرارات الحكومية، ومن هذا المنطلق، عمل النظام السوري على دعم وتأسيس منظمات تروّج لرواياته وادعاءاته لتكون صلة وصل له مع المجتمعات في البلدان القائمة ضمنها، ولكن متابعة نشاطات هذه المنظمات للتصدي للروايات الداعمة للنظام ليس بالسهل دومًا، بحكم توسع شبكات النظام وترسيخها طوال فترة حكمه.
وحالما يمتلك النظام السوري قواعد مساندة له داخل المجتمعات الأوروبية، بإمكانه تشكيل تحالفات مع مؤثرين لحشد الدعم تجاه سردية النظام لما يجري في سوريا.
ويعد الناشط السوري كيفورك ألماسيان من أبرز المؤثرين في ألمانيا لدعم صورة النظام السوري، وذلك بالتعاون مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” المعارض لسياسة الهجرة التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، والتي أسهمت بوصول أكثر من مليون ونصف مليون مهاجر إلى ألمانيا عام 2015.
وزار فريق من سبعة سياسيين تابعين لحزب “البديل” سوريا خلال عام 2018، على أمل تعزيز جهود حزبهم، لإعادة نصف مليون لاجئ سوري يعيشون حاليًا في ألمانيا.
أبرز المنظمات الداعمة للنظام السوري
تتبعت عنب بلدي المنظمات النشطة في دعم النظام السوري، وتتركز في بلدان الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى بلدان غربية كأمريكا وكندا، وأبرزها:
“الجبهة الأوروبية للتضامن من أجل سوريا”
أُسست هذه الجبهة في كانون الثاني عام 2013، وكان المؤسسون الرئيسون لها من إيطاليا، واليونان، وقبرص، وبلجيكا، وهولندا، وفنلندا، وإسبانيا، وسرعان ما لاقت دعمًا وقبولًا من بلدان أخرى، وبشكل خاص في بولندا وفرنسا وجمهورية التشيك، ورومانيا، إلى جانب أيرلندا، وصربيا، وبريطانيا، واسكتلندا، ومالطا، وأوكرانيا، والدنمارك، والسويد، وكندا، والأرجنتين.
منظمة “بلاك ليلي”
أُسست هذه المنظمة في اليونان عام 2013، وأجرت صحيفة “الديمقراطية” اليونانية اليمينية مقابلة مع أحد أعضاء الجماعة، وهو ستافروس ليبوفيسيس، الذي زعم أن الحركة لديها مقاتلون يحاربون إلى جانب قوات النظام السوري.
وقال ليبوفيسيس في المقابلة، إن المقاتلين اليونانيين شاركوا في جميع المعارك الكبرى بجنوبي وغربي سوريا، وتمت الإشادة بهم لشجاعتهم بعد هجوم القصير الذي شنته قوات النظام السوري و”حزب الله” في نيسان 2013.
جماعة “كازا باوند”
تعتبر “كازا باوند” منظمة إيطالية يمينية تعرب عن إعجابها بالدكتاتور السابق بينيتو موسوليني، ونفذت احتجاجات عنصرية ضد مجتمع الغجر وهجمات عنيفة ضد مناهضي الفاشيين واليساريين.
وفي عام 2013، زار وفد من “كازا باوند” دمشق، وأعلن دعمه للنظام السوري، كما التقى رئيس مجلس الشعب، محمد جهاد اللحام.
حزب “البديل من أجل ألمانيا”
أُسس هذا الحزب عام 2013، وزار فريق من سبعة سياسيين تابعين لحزب “البديل من أجل ألمانيا” سوريا، على أمل تعزيز جهود حزبهم، لإعادة نصف مليون لاجئ سوري يعيشون حاليًا في ألمانيا.
“تحالف من أجل الحرية والسلام”
أقام هذا التحالف علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، إذ زار وفد من التحالف دمشق عام 2015، وأبدى الوفد برئاسة روبرتو فيوري دعمه للنظام، ووصف ما يجري بـ”صراع الحضارة والفوضى”.
وقال فيوري، إن مهمتهم كوفد “للسلام والحرية” هي إقناع الشعب الأوروبي بـ”الوقوف إلى جانب الحضارة ممثلة بسوريا ومحاربة الإرهاب قبل أن يصل إلى أوروبا”.
منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق”
أُسست منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” بفرنسا في تشرين الأول 2013، قبل وقت قصير من مهمتها الأولى، التي أُطلق عليها اسم “عيد الميلاد في سوريا”، وكان هدفها المعلَن تقديم المساعدة للمسيحيين في الشرق الأوسط، وبدأت تتورط بشكل متزايد في أعمال العنف التي أعقبت “الربيع العربي”.
ووُثقت العلاقة بين “أنقذوا مسيحيي الشرق” والنظام السوري، وكذلك الميليشيات “الوحشية” المؤيدة للنظام السوري المتمركزة في محافظة حماة، في وسائل الإعلام الفرنسية منذ أن بدأت المنظمة عملها داخل سوريا عام 2013.
“مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام”
تضم هذه المنظمة مجموعة من الأكاديميين والباحثين البريطانيين المحسوبين على اليسار المتطرف، الذين يقودون حملات إعلامية ضد الصحافة الغربية وبعض المنظمات الإنسانية وغيرها، ويتهمونها بالعمالة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، بغرض إضعاف حكومة النظام السوري من خلال تزييف الأدلة بشأن سقوط ضحايا مدنيين وضحايا هجمات الأسلحة الكيماوية.
البحث عن نقاط الوصول
بحسب ما أوصى به المحامي السوري زيد العظم، يجب أن تكون هيكلية جماعات الضغط السورية في أوروبا سلسة ومرنة أكثر من جماعات الضغط المضادة، كون النظام السوري ملاحقًا بالعقوبات، وبالتالي فإن أي نشاط بإمكانه العمل عليه سيكون مقيدًا وذا نطاق ضيق، وأي حركة ترويجية تكلف ميزانية النظام مبالغ مرتفعة، بالإضافة إلى تكلفة التحايل على العقوبات الاقتصادية والهروب إلى خيارات أكثر صعوبة.
ولا يجب أن تكون جماعات الضغط السورية مشتتة أو غير متجانسة، فهناك نقاط دخول متعددة في أي قضية، فالأبحاث ضرورية لتحديد أفضل نقاط الوصول (العلاقات وجهات الاتصال)، والزوايا لجهود الضغط، وفق العظم، من أجل وقف ماكينة “بروباغندا” النظام.
كما يجب الاحتفاظ بقاعدة بيانات محدثة عن أهم الشخصيات في الحكومات الأوروبية، وهذا الأمر من شأنه الكشف عن نقاط وصول مختلفة، والأشخاص المختلفين الذين قد يكون لديهم تأثير على أي من المواضيع التي تكون مثار اهتمام.
وبالتالي، يجب على السوريين امتلاك آلية بحث لتحديث معلوماتهم باستمرار فيما يتعلق بجميع المستجدات في السياسة الأوروبية، فالتخطيط الاستراتيجي القائم على البحث، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة الشعبية، يشكلان الأساس الذي تُبنى عليه جماعة الضغط.
دروس مستفادة
يرى المدير التنفيذي لـ”المجلس السوري- البريطاني”، مازن غريبة، أن لدى خارجيات وبرلمانات الدول الأوروبية حاجة كبيرة وملحة إلى وجود أجسام سورية قادرة على سد الثغرة المعرفية و”السياساتية” لصنّاع القرار.
يفترض السوريون أن هذه الخارجيات لديها من المعلومات والوثائق ما يكفي لأن تقوم بعملها على أكمل وجه، وهو افتراض خاطئ، بحسب غريبة، إذ توجد ثغرة ونقص كبير في المعلومات التي لدى هذه المؤسسات، وهي بحاجة لمساعدة اللوبيات السورية.
كما تركّز الكثير من التجمعات السورية في المهجر على الفرق التقنية والدبلوماسية التابعة لخارجيات الدول التي تقطنها، وهو أمر أساسي لكنه غير كافٍ، فالعمل والتنسيق مع البرلمانات في الدول الديمقراطية ضرورة ملحة، فهي التي تضغط سياسيًا على الخارجيات، وتؤثر على الرأي العام، وتسن القوانين وتُساءل الحكومات، وهي التي تبقي على القضية السورية حية في أذهان السياسيين والدبلوماسيين وصنّاع السياسات.
كما لفت غريبة إلى الدور الذي تقوم به الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية في صناعة السياسات، والانخراط مع هذه الجهات والتنسيق والتشاور معها يزيد من الضغط الممارَس على الحكومات والبرلمانات.
بينما ينصح مدير منظمة “مواطنون لأجل أمريكا آمنة”، الطبيب السوري بكر غبيس، السوريين أينما وجدوا أن يحاولوا التعلم من الأدوات والوسائل المتاحة لهم في المجتمعات والدول التي وصلوا إليها، واستخدام آخر ما وصل إليه العلم والتجربة الإنسانيتان في علم السياسة والتغيير المجتمعي والتأثير في فضاءات السياسة الخارجية الدولية، والتواصل مع إخوانهم وزملائهم ممن استطاعوا إحداث فرق وأثر مهم، بغرض تبادل الخبرات والإسراع في الوصول إلى الأهداف المتاحة.
كما لفت غبيس إلى أهمية توجيه بوصلة العمل وأولوياته الخاصة بالثورة والصوت الوطني المستقل، بما يعزز صمود الشعب السوري في المناطق المحررة، لأنه العامل الأهم في إحداث فرق بأروقة السياسة الدولية والمفاوضات التي ستحدث انتقالًا سياسيًا، فمهما ضغطت اللوبيات على الدول والسياسات، لن تستطيع إحداث تغيير ملحوظ دون وجود حاضنة شعبية قوية ومعبرة عن الصوت الوطني، ولديها القدرة على الحفاظ على مكتسبات الثورة.