لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة

  • 2022/09/04
  • 10:42 ص
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

أطلق مدير مدرسة في لبنان النار على مجموعة من الشبان الذين يلعبون في باحة مدرستهم قبل أيام، وعندما ثار عليه الأهالي اعتذرت زوجته وقالت: كنا نظنهم سوريين!

بمثل هذا الجو يبدأ السوريون في لبنان عامهم الدراسي، حيث لم يجد كثير من اللبنانيين سببًا للأزمة الاقتصادية إلا وجود السوريين، متجاهلين اللصوص ونفوذ “حزب الله” وتبعيته لدولة أجنبية، والصراعات على المناصب وتدخل الدول الأخرى في أدق تفاصيل حياتهم اليومية.

يبدأ أيلول بإزاحة الصيف وحرارته العالية، ولكنه ينشر الاكتئاب الخفيف في نفوس الناس، ومع افتتاح المدارس يتزايد القلق أكثر مع الطلبات الكثيرة للأطفال الذين يريدون الذهاب إلى المدرسة، فالعائلة السورية عمومًا صارت بلا دخل، وتنتظر مساعدات المنظمات الدولية لسد بعض احتياجات الطلاب من قرطاسية وأدوات ولباس، بالإضافة إلى ترك الأطفال مجالات العمل الزراعي أو الخدمي الذي يكسبون منه بعض المال لمساعدة أهاليهم وتحسين أحوالهم.

عام دراسي جديد في الغربة يبدؤه السوريون وهم محاصرون بالعداء وباللغات الجديدة التي تطالب بإبعاد اللغة العربية، واحتلال ذاكرتهم وتفكيرهم من أجل أن تفتح لهم طريقًا جديدًا وبعيدًا عن الوطن.

ورغم كل ذلك، يعطي السوريون الأولوية لتعليم أبنائهم وبناتهم مهما كان المكان مدمرًا، ومهما كانت العائلة محتاجة ومهما كانت الظروف قاسية سواء في المخيمات أو في المدن والبلدان التي تحاصرهم بالكراهية في بعض الأحيان أو في كثير من الأحيان.

وصارت شروط الالتحاق بالجامعات التركية أكثر صعوبة بسبب هجمة العداء التي تتصاعد ضد السوريين كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وانفلت كثير من القوميين المتطرفين يحمّلون السوريين أسباب انخفاض قيمة الليرة التركية رغم انتعاش الاقتصاد التركي بفضل العرب، وزياراتهم الكثيفة التي وصلت ببعض العائلات الخليجية إلى ارتياد تركيا أربع مرات في السنة، ويساعد وجود السوريين في تسهيل السياحة للعرب عبر الترجمة وعبر الإرشاد السياحي، بالإضافة إلى إعطاء السياح الخليجيين الشعور بالألفة بوجود السوريين أينما اتجهوا ما يحل عقدة اللغة، إذ إن الأتراك عمومًا غير متقدمين في اللغة العربية أو الإنجليزية.

الوضع التعليمي في الداخل تدهور بشكل كبير منذ بداية التدمير الشامل الذي شنه النظام على السوريين، فملايين الطلاب والطالبات دُمّرت مدارسهم وهُجّروا، ونسبة التسرب من التعليم تصل إلى أكثر من 40% كما جاء في حلقة بودكاست “بدون تعليم” من عنب بلدي، التي قدمتها الصحفية سكينة المهدي، ونسبة الفتيات المتسربات أعلى بكثير من النسبة العامة، وخاصة في الشمال السوري، حيث لا تستطيع كثير من الفتيات الذهاب إلى المدرسة بسبب الأفكار التي تسود لدى كثيرين بمنع التعليم عنهن بدواعي الحرص عليهن والإسراع بتزويجهن بحجة حمايتهن في ظروف الحرب، وقد انتشر زواج الفتيات المبكر بشكل كبير، حسب شهود عيان تحدثوا ضمن البودكاست.

ومن جانب آخر، توجد مشكلة الأيتام الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، وصاروا منتشرين بمئات الألوف في كل أنحاء سوريا، سواء في صفوف المهجرين والنازحين أو في صفوف النظام والمعارضة. وهؤلاء نصيبهم من التعليم يتضاءل، ويخضع لكرم زوج الأم أو زوجة الأب أو الجد والجدة الذين يرعون الأيتام بإمكانيات متواضعة.

ورغم قلة الكهرباء والإنترنت في الداخل، فإن الطلاب يصرون على دخول المسابقات من أجل الدخول إلى الجامعات المحلية أو العربية أو الجامعات الأجنبية التي تقبل الطلاب مباشرة أوعن بُعد على أمل أن تستدعيهم إلى الدول البعيدة من أجل إكمال دراستهم برعاية المنح اليابانية والأوروبية والأمريكية، ومن الملاحظ تضاؤل المنح العربية في السنوات الأخيرة بكل أسف.

أما المنح السورية من قبل رجال الأعمال فهي غير كافية، بسبب تقصيرهم وعدم التفاتهم إلى التعليم، إذ لا يسمعون صيحة ألوف الطالبات والطلاب الذين يصرخون: لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة!

ولا يزال مجتمع اللجوء السوري في أوروبا وفي دول الخليج مقصرًا في دعم التعليم وتمكين الطلاب من الذهاب إلى المدرسة. ومن الواجب علينا جميعًا تحريض الجامعات العربية والأجنبية على دعم تعليم السوريين كضمانة لمستقبل السلام والتنمية في هذه المنطقة التي صارت تعج بالاضطرابات.

الاستثمار في التعليم هو استثمار في المستقبل، ومنع التعليم والتضييق عليه وخاصة بالنسبة للفتيات سيجلب أجيالًا جاهلة يتحكم بها الآخرون، وتعيش في أخفض مستويات العلم والمعرفة. حرمان الفتيات من التعلم بحجج دينية كاذبة أو بحجج الحفاظ على التراث والعادات البالية جريمة ستظل تلاحق المتسببين بها مهما تنكروا لفعلتهم.

ورغم حملات الكراهية ضد السوريين وإطلاق النار والأحقاد عليهم، فإن بداية أيلول بشارة خير للطلاب الذين يلتحقون بمدارسهم وجامعاتهم ويحيون الأمل في نفوسنا، سواء في الداخل السوري أو في المهاجر العربية أو الأجنبية، فالسوريون لن يقبلوا بأقل من تحقيق أهدافهم في الحياة الحرة والكريمة التي لا تقل عن حياة الشعوب والأمم المتحضرة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي