إدلب – أنس الخولي
يسعى جهاد عبد الحي بين المحاكم في إدلب، على أمل تحصيل شيء من حقه، إذ تعرّض الشاب لعملية نصب بعد أن باع إحدى لوحاته من الزخرفة العجمية، ولم يحصل على أي مقابل، بحسب قوله.
يشكو جهاد (35 عامًا) لعنب بلدي، غياب الجهات الرسمية التي تحمي الحرفيين، إذ لا توجد نقابة تدافع عن حقوقهم، ولا اتحاد أو رابطة تجمعهم لتحمي أعمالهم.
يرى جهاد أن الأعمال الحرفية في إدلب مهددة بالزوال، وبحاجة ملحة لوجود جهة تحمي حقوق الحرفيين، وتعمل على الترويج لأعمالهم الفنية، وتساعدهم في تأمين مستلزماتهم، وتقيم دورات تدريبية للشباب في مجال الحرف المرتبطة بالثقافة السورية وطرق حفظها.
تراجع الأعمال الحرفية
تشهد الأعمال الحرفية في إدلب تراجعًا كبيرًا مع ضعف الطلب الداخلي وغياب الطلبات الخارجية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، ما دفع العديد من الحرفيين للإحجام عن العمل.
مازن مسعود (44 عامًا)، حرفي يعمل بالنقش على النحاس، ويقيم في مدينة إدلب، قال إن الأعمال الحرفية تخضع في تقييم ثمنها لقانون العرض والطلب، واستمرار هذه الأعمال مرهون بوجود مشترٍ يقدّر القيمة الفنية للعمل الحرفي.
وفي ظل الظروف المعيشية المتردية، ينخفض الطلب على بعض الحرف، بينما يغيب بشكل كامل عن أخرى.
وفي الحديث عن الطلبات الخارجية، قال مازن لعنب بلدي، إن الحرفيين كانوا يعتمدون سابقًا على وجود السياح الذين يقدّرون أعمالهم، ويدفعون مبالغ جيدة تعين الحرفيين على متابعة أعمالهم.
وبحسب مازن، يعاني الحرفيون اليوم ظروفًا مادية صعبة وقلة تقدير لقيمة أعمالهم، ما دفع كثيرًا منهم للعزوف عن الحرفة، والبحث عن فرص عمل في مجالات أخرى تؤمّن قوت يومهم.
من جهته، قال مدير المديرية العامة للصناعة في حكومة “الإنقاذ”، عبد الله المصري، لعنب بلدي، إن المديرية تسعى إلى تشكيل جمعيات حرفية لجميع الحرف الموجودة في المنطقة، استعدادًا لإنشاء نقابة الحرفيين.
بينما أظهر استطلاع رأي أجرته عنب بلدي شمل ثمانية حرفيين، أن هناك تقصيرًا من قبل الحكومة بتقديم التسهيلات للحرفيين في المنطقة والاهتمام باحتياجاتهم.
الشباب يرفضون الإرث
رغم أن معظم العائلات اعتادت توارث الحرف، أدت الظروف المادية وقلة وعي الشباب بأهمية الأعمال الحرفية، إلى جانب صعوبة هذه الأعمال، إلى امتناع العديد منهم عن تعلّم الحرف من آبائهم وأجدادهم.
سعيد عمران (51 عامًا)، مهجر يقيم في إدلب يحترف العمل بالفخّار، أرجع رفض الشباب تعلم هذه الحرف إلى ارتفاع تكاليف إنتاجها، وانخفاض مردودها المادي، مشيرًا إلى أنه صار عاجزًا عن تأمين مستلزماته كاملة بعد أن ترك ورشته في ريف دمشق.
بينما اعتبر جهاد عبد الحي عزوف الشباب عن تعلم الحرف إهمالًا لمكانتها التاريخية والثقافية، وأرجع ذلك إلى مخاوف الشباب جرّاء غياب جهة رسمية تحمي الحرفي وتشجعه، وتقيم المعارض الفنية للأعمال الحرفية، وتروّج لها في الداخل والخارج.
وأشار جهاد إلى أن دخل بعض الحرف مثل حرفته يعدّ جيدًا، لكن غياب الجهات التي تحمي حقوق الحرفيين يجعل هذا العمل خطرًا بالنسبة لكثيرين.
وخلال السنوات الماضية، أُجبر مئات الحرفيين على التوقف عن ممارسة حرفهم، جراء تعرّضهم لظروف التهجير والنزوح المتكرر.
ورغم أن العديد من الحرفيين يقيمون في شمال غربي سوريا، لم يجد معظمهم الظروف المناسبة والدعم الكافي لمتابعة عملهم.
وتشهد مناطق شمال غربي سوريا ترديًا بالأوضاع المعيشية، إذ يحتاج حوالي أربعة ملايين و100 ألف شخص إلى المساعدات الإنسانية، كما يعاني نحو ثلاثة ملايين و100 ألف شخص انعدام الأمن الغذائي، بحسب التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في 11 من آب الماضي.