نبيل محمد
يكثر الحديث في وسائل الإعلام العربية المهتمة بالدراما مؤخرًا عن عدة مسلسلات يجري تصويرها حاليًا في تركيا. وقد يكون المبرر الأساسي لذلك هو انخفاض التكاليف الإنتاجية مقارنة بالدول العربية، التي اعتيد الإنتاج فيها سابقًا، أو صعوبة الإنتاج في بعض البلدان التي باتت مجرد ممارسة الحياة اليومية فيها أمرًا صعبًا بسبب ضعف أو انعدام خدماتها كسوريا ولبنان.
تركيا تؤمّن بما لا شك فيه ظرفًا إنتاجيًا مناسبًا وغير مرتفع الثمن، وتؤمّن للفنانين أيضًا إقامة تملأ صفحاتهم وحساباتهم في قنوات “السوشيال ميديا” المختلفة بالصور الفيديوهات التي لا ينقطع بثها يوميًا. لكن قبل هذا وذاك، فإن تلك الأعمال هي قائمة أساسًا على أعمال تركية.
ثلاثة أعمال درامية عربية بأطقم أغلبيتها من الكوادر السورية، مقتبسة عن أعمال تركية شهيرة. ولعل الاقتباس صنعة بما عليها من مآخذ تختصر مرحلة مهمة وأساسية من الإنتاج الفني، وهي مرحلة التأليف التي ستقتصر في هذه الحالة على الترجمة شبه الحرفية، كما تضمن على أقل تقدير قبولًا جماهيريًا للعمل، لأن الأعمال الأصلية التي يستند إليها العمل المقتبس هي أعمال حققت شهرة بنسختها التركية، ولا سيما تلك التي دُبلجت منها ونالت شعبية في الدول العربية.
بعيدًا عن إمكانية الاقتباس، وعن كونه فعلًا كثير التكرار في مختلف البلدان، فإنه يشي بضعف الإنتاج الفني العربي بشكل ما، وعدم القدرة على الحصول على نصوص تستحق الإنتاج، أو يمكن المغامرة بتصويرها، فمن بين الأعمال الثلاثة التي يتم تصويرها في تركيا، لا وجود لنص أصيل، وهل من دلالة على الهزالة الفنية أكثر من ذلك.
تلك المشكلة التي يتم تجاوزها وعدم الوقوف عندها لدى كوادر تلك الأعمال، الذين لا يخفي أحدهم مدى انبهاره بالإنتاج التركي، وقبوله أن يقدم نسخة معرّبه عنه، على الرغم من أن تلك الأعمال أعمال اجتماعية. ولعل لدى الشعوب العربية من القضايا الاجتماعية ما يكفي لبناء أعمال أصيلة، يجنبها تكرار المكرر، واشتقاق تجارب الآخرين، التي لا بد ستصدم بشكل ما مع الواقع العربي، وستعاني ضعفًا من زاوية انتماء قصصها وشخوصها إلى مجتمع آخر.
اللافت في الأمر، بعيدًا عن قضية الاقتباس، واستسهال الإنتاج، ومحاكاة ثقافة الآخر لتجنّب متاعب التأليف، هو خضوع الدراما بشكل واضح للسياسة، ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات التركية- العربية بمستوى غير جيد، كانت القطيعة عنوانًا للتعامل مع مجمل الفنون التركية، فتوقفت بشكل شبه كلي حركة الدبلجة، وامتنعت القنوات العربية الكبرى عن شراء الأعمال التركية. وبالتأكيد لم يكن وجود ممثل عربي في تركيا حالة طبيعية إلا في حال كان يمارس السياحة في بلد شهير بمعالمه السياحية.
واليوم، وبعد أن تم إصلاح ذات البين، تجد الكاميرات العربية منكبّة على الإنتاج في الاستوديوهات التركية، وتمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بتلك الصور التي تجمع النجم العربي الفلاني مع النجم التركي الفلاني، في إعلان غير مباشر، ولكنه معروف مسبقًا، وهو ارتهان الإنتاج الدرامي للفعل السياسي ارتهانًا تامًا، ليس ببيع وشراء الأعمال الفنية فحسب، بل أيضًا باشتقاق الموضوعات واستنساخها وتبنيها، لدرجة أنه لم يعد لازمًا أصلًا كتابة مسلسل بأقلام كتّاب محليين، فالأسرع والأسهل هو الاقتباس عن بلد ناجح بإنتاجه الدرامي مسبقًا، يجنّبك مغبّة التجربة الكاملة.
“جنايات صغيرة” و”حرب الورود” و”ألف ليلة وليلة”، مسلسلات تجمع نجومًا من سوريا ولبنان وبلدان عربية أخرى، تدور كاميراتها في اسطنبول اليوم، معلنة أنها معرّبة عن أعمال تركية. لا مشكلة في ذلك بالتأكيد، لكن أن يتم تصوير ثلاثة أعمال مقتبسة في الوقت ذاته، ذلك لا بد سيولّد سؤالًا ليس لدى المتابع العربي فقط، إنما أيضًا لدى المنتج التركي، وهو “أين قصصكم؟”.