حمص – عروة المنذر
منذ سيطرة “حزب الله” اللبناني على مدينة القصير، المحاذية للحدود اللبنانية بريف حمص، قبل تسع سنوات، أصبحت المدينة أكبر شرايين اقتصاد الظل الذي يموّل القوات المساندة للنظام على جانبي الحدود، عن طريق عمليات التهريب المنظمة التي يشرف عليها بشكل مباشر قياديون من “حزب الله” اللبناني، بالشراكة مع ضباط من مكتب أمن “الفرقة الرابعة”، حسب شهود من أبناء المنطقة ومن مهرّبين تحدثت إليهم عنب بلدي.
ورغم سيطرة فصائل تابعة لقوات النظام مدعومة من “حزب الله” على المدينة، فإن كلمة الفصل لا تزال بيد قياديي الحزب ممن يحملون الجنسية اللبنانية، والذين فرضوا سطوتهم الأمنية في المنطقة، عن طريق حواجز ونقاط تفتيش تتلقى أوامرها من قادة الحزب فقط.
ومنع “حزب الله” وضباط أمن “الفرقة الرابعة” أغلب أهالي المنطقة من العودة إلى منازلهم، ليحل مكانهم مقاتلون من الموالين للحزب مع عائلاتهم، ممن هُجروا من كفريا والفوعة منتصف عام 2018.
وسيطرت قوات النظام على القصير بدعم رئيس من “حزب الله” في حزيران من عام 2013، بعد هجوم كبير استخدمت فيه قوات النظام وميليشيا الحزب جميع أنواع الأسلحة، إلى جانب قصف جوي مركّز، دفع المدنيين إلى النزوح بشكل متقطع في بادئ الأمر.
تبع ذلك نزوح “قسري” كان الأكبر في أثناء الحملة العسكرية الثانية في أيار من العام ذاته، إذ نزح الآلاف من أهالي المدينة إلى الشمال السوري، كما لجأ عدد منهم إلى بلدة عرسال اللبنانية القريبة.
وحوّل “حزب الله” القصير خلال السنوات الماضية إلى قاعدة أساسية له، ومنطلق لعملياته العسكرية التي توسعت إلى بقية المناطق السورية، ولا سيما الواقعة على الشريط الحدودي مع لبنان.
عقود “منظمة” لخط التهريب
يتقاسم أبناء المنطقة قطاعات التهريب فيما بينهم، بينما يدفع كبار المهربين الرشى والإتاوات لمسؤولي الحزب ومكتب أمن “الفرقة الرابعة” بشكل شهري، مقابل السماح لهم بتهريب بضاعتهم من لبنان إلى سوريا، وضمان حماية مستودعاتهم من الجمارك ودوريات التموين.
صالح (تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، أحد سكان مدينة القصير، قال لعنب بلدي، إن التهريب مقسم بشكل منظم بين المقربين من القيادات اللبنانية وضباط “الفرقة الرابعة”، إذ تُدفع المبالغ بشكل شهري لمندوب المكتب المالي للحزب في مدينة القصير داخل المربع الأمني، ويسلّم المكتب بدوره مكتب أمن “الرابعة” حصته من الأموال.
وأضاف صالح أن المزادات تكون شهرية لتسلّم خط تهريب كل مادة، وبعد دفع المبلغ المطلوب، تعمم قيادة الحزب على حواجزها وحواجز “الفرقة الرابعة” بعدم التعرض للمهرب حتى انتهاء مدة العقد.
ويتقاسم التجار خطوط التهريب، مثل المحروقات والمواد الغذائية والمعلبات والحبوب والأجهزة الإلكترونية، وتصادر أي مواد مهرّبة غير المتفق عليها والمحددة لكل مهرب.
إلى الأسواق عبر الدراجات النارية
تضمن الحواجز الأمنية التي يسيطر عليها “حزب الله” و”الفرقة الرابعة” حماية المستودعات من أي عملية مداهمة من قبل الضابطة الجمركية في المنطقة، أو دوريات التموين، في مناطق سيطرتها.
ويعتمد التجار على شبكة معقدة من المهربين عبر الدراجات النارية لإدخال بضاعتهم إلى الأسواق في المدن والمحافظات الأخرى، بالاعتماد على مجموعة من الطرق الفرعية، وصولًا إلى الأوتوستراد الدولي، أو عن طريق سيارات “الفرقة الرابعة”.
أحد المهربين عبر الدراجات النارية (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية)، قال لعنب بلدي، إن نقل البضاعة عبر سيارات يتم فقط عن طريق مركبات “الفرقة الرابعة”، التي تنقل البضائع لتجار يعملون لمصلحة الفرقة.
وأشار إلى أن التجار الصغار والذين يعملون خارج إطار الفرقة، يعتمدون على الدراجات النارية في نقل بضائعهم، ما يجنبهم دوريات الجمارك المنتشرة على طول الطريق، حيث تمتاز الدراجات النارية بالسرعة، والقدرة على المناورة في الطرقات الفرعية الوعرة، إذ يستحيل على دوريات الجمارك سلكها.
وأضاف أن دوريات الجمارك، بشكل عام، لا توقف الدرجات النارية عند المرور بجوارها، كونها تعلم أن المهرب لن يتوقف، وسيسلك طرقات لا تستطيع سيارات الجمارك سلكها، أو يقوم سائقو الدراجات النارية بالمشي عكس السير على الطرقات الدولية.
ويعتمد عدد كبير من الشبان على العمل مع شبكات التهريب، بسبب المبالغ التي يتقاضونها مقابل نقل البضاعة من مدينة القصير إلى مراكز المدن في حمص وحماة.
أحد سائقي الدراجات النارية من مدينة حماة، رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، قال لعنب بلدي، إن سائق الدراجة يأخذ مبلغ 25 ألف ليرة مقابل قيادة الدراجة المحملة من القصير إلى حماة، وهو مبلغ كبير مقابل رحلة لا تتجاوز أكثر من أربع ساعات.
وسيطرت قوات النظام السوري مدعومة بقوات “حزب الله” على المدينة قبل ثماني سنوات، وشاركت ولأول مرة قوات أجنبية في معارك مع قوات النظام، وهو ما أسفر عن تدمير 85% من الأبنية، وتهجير كامل سكانها.
وتعد القصير من المدن الكبيرة في محافظة حمص، وتتبع لها أكثر من 80 قرية أغلبها من الطائفة السنية، إلى جانب قرى من طوائف مسيحية وشيعية وعلوية، وبلغ عدد سكان المنطقة نحو 111969 نسمة، وفقًا لإحصاء 2011.