خطيب بدلة
قال أحمد شوقي عن حبيبته: خدعوها بقولهم حسناءُ. مع أنهم لم يخدعوها، فهي حسناء بالفعل، وعندها معجبون “دوكمه”، بدليل البيت الثاني: أتراها نسيت اسميَ لما، كثرت في غرامها الأسماءُ؟
وأما نحن، أبناء هذه المنطقة المنكوبة، والأمة الغلبانة، والعصر المضطرب، وبصحبة وسائل التواصل الاجتماعي العجيبة، فقد انصرعنا، وانسطلنا من كثرة ما خدعونا، ويخدعوننا، على مدار الساعة، حتى صار الواحد منا يمشي ويتلفت مثل كشاشي الحمام، ويخلط بين الشاي والقهوة، وبين العم والخالة، مثل المطربة شادية التي تقول في إحدى أغانيها: يجي أبوي يعوز فنجال قهوة، أعمل لُه شاي وأسقيه لأمي، وخيالَك يجي على سهوة، ما افرقشِ ما بين خالتي وعمي!
أنت تريد أن تكون موضوعيًا، وواضحًا، وأن يكون كلامك محددًا، فتحكي عن الثورة الإيرانية، مثلًا، وكيف سيطرت الأصولية الدينية، متمثلة بالخميني، عليها، وكيف أخذوا السلطة، بعد إسقاط الشاه، وتنصلوا من وعودهم للشعب بالديمقراطية، وإقامة مجتمع مدني، دواليك حتى أحكموا سيطرتهم على المجتمع الإيراني، وشرعوا يحكمونه بالحديد والنار، وأسسوا “الحرس الثوري”، وعهدوا إليه بالتوسع والعدوان على دول الجوار، وفجأة ينط واحد من الناس ويكتب لك، هذا الخميني الشيعي، كان يأخذ تعليماته من أسياده الفرنسيين الصليبيين، هم أمروه بأن يعمل ثورة على الشاه السني! ويكتب الثاني: لم يكن للخميني سوى ميزة واحدة، هي أنه أهدر دم ذلك المرتد سلمان رشدي، ويرد ثالث: سلمان رشدي كاتب من الدرجة الرابعة، ولكن لا تنسَ أن الخميني رافضي، وعنده تقية، ويذهب الرابع باتجاه الحِكَم والأمثال فيقول: عدو جدك ما يودك…
الأفضل لك، يا صديقي، في مثل هذه الحالة، أن تحذف البوست، وتحذف معه كل هذه البلاوي الزرقاء، وأما إذا ركبت رأسك، ورحت تناقش الشباب، فستندهش، حينئذ، من حدة ردودهم، وتعرف أن الله حق. أنت تقول: يا أخي، إذا كان جَدي حمارًا، حاشاك وحاشا السامعين، وجَدُّ عدوي هو الآخر حمارًا، لذا تخاصما، قبل 70 سنة، وتنازعا على أمر تافه، وأصبحا عدوين، أنا وهذا المسكين حفيده، أيش ذنبنا حتى ينقطع بيننا حبل الوداد؟ ويا عيني، ويا روحي، فرنسا دولة مسيحية، ولكنها اليوم ليست صليبية، لأن الحكم فيها، ببساطة، عَلماني، ليس دينيًا، وهي لم تكلف الخميني بعمل ثورة في إيران، فالدول تتصرف على ضوء مصالحها، وما مصلحة فرنسا في الثورة الخمينية؟ ويا حبيبي الثورات لها عوامل، وظروف، لا تقوم عندما تهمس دولة في أذن شخص “اعملوا ثورة”، والشاه لم يكن سنيًا كما تفضلتَ، وصدام حسين ليس أسد السنة، لأنه قَتل الكثير من أهل السنة، وإذا كان الأمريكيون نصحوه بدخول العراق، لماذا سمع نصيحتهم؟ أين كان عقله؟ ألم يكن قائدًا حكيمًا يعرف أن أمريكا، وقبلها بريطانيا، مستعدة للدخول في حرب كبرى لأجل الكويت؟ هذا الأمر فيه معاهدات مكتوبة، وصدام لم يُقم سدًا بوجه التمدد الصفوي في العراق، بدليل أن أول شيء فعله الإيرانيون، بعد سقوط حكم صدام، هو التمدد في العراق، ثم في سوريا، واليمن، ولبنان، وهكذا.