يستطيع الأفراد تبادل أفكارهم في كل موضوع ضمن حياتهم اليومية، داخل المنزل أو في أثناء جلسات الأصدقاء، أو في أوقات الاستراحة داخل مكان العمل، حيث يجري تبادل القيل والقال بين الموظفين، يتحدثون عن أحكام واختيارات الآخرين، أو السياسات الجديدة للمؤسسة، وغالبًا ما تكون تلك الأحاديث على شكل نميمة.
في كتابه “التفكير بسرعة وببطء”، يحاول الكاتب الأمريكي دانيال كانمان البحث عن سبب اهتمام الناس بالنميمة، ولماذا هي ممتعة إلى درجة تخصيص جزء من الوقت اليومي لها، من خلال تحديد ووسم أخطاء الآخرين، أكثر من التعرف إلى الأخطاء الذاتية لدى الأفراد، بينما تكون عملية مناقشة تلك الأخطاء بموضوعية نحو النقد الذاتي الجاد أمرًا صعبًا ومرهقًا، ويزداد الأمر صعوبة عندما يضطر الأفراد إلى فعل ذلك.
يدور معظم النقاش في هذا الكتاب (551 صفحة)، الصادر بنسخته العربية عن مؤسسة “هنداوي للتعليم والثقافة” عام 2012، حول انحيازات الحدس لدى الإنسان، الذي يملك نظامًا للتفكير ينقسم إلى نوعين، الأول تلقائي وسريع يظهره الفرد خلال أحاديثه من غير وعي، يستخدمه الأشخاص غالبًا للدفاع عن فكرة ما دون فهمها بما يكفي لتحديد محاسنها وعيوبها.
أما النوع الثاني من نظام التفكير فهو يعمل ببطء وبشكل غير تلقائي، ويكون مسؤولًا عن المواضيع التي تحتاج إلى تحليل معمّق.
والعلاقة بين نظام التفكير الأول والثاني هي التي تحدد سلوك الأفراد، وطريقة اتخاذ القرارات.
يتسم النوع الأول من التفكير بكثرة الوقوع بالأخطاء والمغالطات الأخلاقية عند استخدامه، أما النوع الثاني فلا يستخدمه الناس إلا في الحالات الطارئة، كونه يحتاج إلى مجهود ذهني، ولذلك، فإن الكسل في التفكير أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة، كون العقل يبني قراراته على معلومات غير كافية في التفكير التلقائي والسريع.
تستند عادة النميمة لدى الأفراد، وبين موظفي الشركات والمؤسسات خصوصًا، في أحاديثهم اليومية إلى النوع الأول من التفكير، وفق الكتاب، إذ يوجد دائمًا “الانحياز التأكيدي” في تلك الأحاديث.
“الانحياز التأكيدي” من أهم عوامل اتخاذ القرارات غير الصحيحة، فالشخص الواقع تحت تأثير هذا الانحياز، يميل إلى بحث وتفسير وتذكر المعلومات المتوافقة مع معتقداته ورغباته وافتراضاته، بينما لا يهتم لأي بحث مماثل للمعلومات المتناقضة لها، بغياب الجهد في التفكير، وبالتالي تزداد فرصة اتخاذ القرارات الخاطئة، ولا تتوفر الحلول الجدية المقترحة لمعالجة أي قرارات.
وهذا الانحياز في التفكير سببه تأثير عامل “الارتساء”، أي اعتماد الشخص وبشكل كبير على أول معلومة يقدمها الآخرون له عندما يتخذ القرارات.
والقرارات الخاطئة الناشئة عن التفكير السريع والتلقائي، تتحول مع مرور الوقت إلى أنماط ممنهجة في الأحاديث الاجتماعية والوظيفية، تتكرر ضمن ظروف خاصة، ترهق الأفراد وتعوق وصولهم إلى النسخة الأفضل من شخصيتهم.
ويشتمل هذا الكتاب على أفكار نفسية سلسة تساعد على تطوير الذات، بعرض فصوله الخمسة بطريقة جيدة تتناول العقلانية واللاعقلانية الإنسانية، وهو ضروري لأي شخص محب للتعلم في التفكير الاجتماعي، كونه يرصد عملية إصدار الأحكام الإنسانية واتخاذ القرارات بناء عليها، وهي العملية التي شكّلتها الاكتشافات في مجال علم النفس خلال العقود الأخيرة.