مروان فرزات
لما كانت الولايات المتحدة الأمريكية مركز صنع القرار العالمي كان للعرب أيضًا دورهم في صناعة لوبيات داخل أمريكا، فكانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا الأمر.
تعود نشأة اللوبي السعودي إلى أواسط الثمانينيات، حين عُين الأمير بندر بن سلطان سفيرًا للملكة العربية السعودية في واشنطن، وكان له الدور الأكبر في تعميق أواصر الصداقة السعودية– الأمريكية، التي استمرت رغم الهزات الكثيرة التي مرت في تلك الفترة، وأشهرها أحداث الحادي عشر من أيلول في أمريكا وما رافقها من عداء للإسلام عند كثير من الأمريكيين، إلا أن عميد السلك الدبلوماسي في واشنطن كان له الدور الأكبر في منع تأثير هذه الحادثة على العلاقات الأمريكية– السعودية.
اثنان وعشرون عامًا قضاها الأمير بندر سفيرًا لبلاده في الولايات المتحدة الأمريكية، اتصفت هذه الفترة بالاستقرار والازدهار في العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت المملكة شريكًا أساسيًا للأمريكيين في المنطقة.
لا يملك اللوبي السعودي في أمريكا الحاضنة الشعبية التي يتمتع بها اللوبي الإسرائيلي، أحد أكبر خصومه في واشنطن، لكن يتميز بقربه من كبار صناع القرار في الولايات المتحدة.
يقوم اللوبي السعودي بتمويل عدد من مراكز الأبحاث والمؤسسات في الولايات المتحدة، والتي تعتبر أحد الأذرع المساعدة لكل لوبي يعمل في أمريكا، ومنها “معهد الشرق الأوسط، مجلس سياسة الشرق الأوسط، مؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون“، كما دعم لفترة من الزمن “مجلس الأطلسي“، وهو مركز أبحاث للدراسات الاستراتيجية يقدم النصح والإرشاد للنواب الأمريكيين.
ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في كانون الثاني 2010 نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، أن الولايات المتحدة في عهد إدارة جورج بوش خرقت الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل ببيعها أسلحة متطورة لبعض الدول العربية المعتدلة وأبرزها السعودية والإمارات ومصر لمواجهة الخطر الإيراني، وبحسب الصحيفة فالصفقة مع السعودية تضمنت بيع طائرات من نوع “إف15″، وصواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن الحربية، وأجهزة إلكترونية حديثة تشابه مثيلاتها في إسرائيل، التي حاولت كثيرًا عرقلة الصفقة لما لذلك من تأثير على الأمن القومي الإسرائيلي، والحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي في المنطقة.
ويقول الكاتب والخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، ميتشيل بيرد، إن اللوبي السعودي في أمريكا منع وعرقل أكثر من مرة قرارًا أمريكيًا مدعومًا من اللوبي الصهيوني بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لما لذلك من تبعات، منها الاعتراف بيهودية القدس.
كل هذه الإنجازات وغيرها، تحسب للوبي السعودي، ولكن لا يخفى على أحد تراجع قوة هذا اللوبي في الفترة الماضية لعدة أسباب منها:
1- عودة الأمير بندر بن سلطان إلى السعودية في عام 2005، والذي كانت تربطه علاقات وصداقات مع جميع الرؤساء ووزراء الخارجية الأمريكيين الذين عاصروا فترة وجوده في أمريكا.
2- بروز اللوبي الإيراني المنافس القوي للوبي السعودي، محاولًا سحب البساط من تحت قدميه ليقدم نفسه شريكًا لأمريكا في المنطقة.
3- المنافسة القوية مع اللوبي الإسرائيلي الشرس، والذي يعتبر أقوى وأقدم لوبي في الولايات المتحدة.
4- ظهور لوبي إخواني مدعوم قطريًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، نافس اللوبي السعودي بشدة، وظهر هذا التنافس جليًا في مصر وسوريا.
5- منافسة اللوبيات العربية للوبي السعودي، وخصوصًا اللوبي المغربي الذي استطاع أن يكون شريكًا للولايات المتحدة الأمريكية في شمال غرب إفريقيا، ولكن طموحه لا يقف عند هذا الحد، بل ينافس ليكون الشريك الأول لأمريكا في المنطقة العربية أيضًا، ومن المعروف أن المملكة المغربية هي أكثر دول العالم إنفاقًا على اللوبيات، ولكنها تواجه عدة مشاكل، أهمها ملف الصحراء الغربية ومنافسة اللوبي الجزائري لها، والذي يسعى بدوره ليكون الحليف الأمريكي في المنطقة.
أين الثورة السورية من هذه الحرب؟
لم يكن النظام السوري غافلًا عن لعبة الضغط هذه، فقد أسس منذ أكثر من عقد من الزمن “لوبي” صغيرًا داخل الولايات المتحدة، استطاع كسر الجليد بين النظام وأمريكا بعد حادثة اغتيال الحريري عام 2005، وعادت العلاقات الدبلوماسية لطبيعتها عام 2010 حين عُين روبرت فورد سفيرًا للولايات المتحدة في دمشق.
وشهدت العلاقات تحسنًا واضحًا تلك الفترة، حتى انطلاقة الثورة السورية التي عرّت النظام أمام العالم، وأصبح همّ لوبي النظام في أمريكا تلميع الصورة أمام الصحافة والرأي العام، عن طريق المال الذي يدفع للكتاب والصحفيين تارة، وإغراء الصحفيين بمقابلات حصرية مع رأس النظام السوري تارة أخرى.
ساعد اللوبي في هذا حلفاؤه الإيرانيون واللبنانيون المحسوبون على نفس المحور، ويؤسفني أن أقول أن النظام السوري رغم كل جرائمه مايزال يتمتع بعلاقات جيدة وخفية مع معظم عواصم صنع القرار العالمي التي تغص باللاجئين السوريين من الثوار الأوائل، والتي تغيب المظاهرات المؤيدة للثورة عنها، بينما نرى بين الفينة والأخرى مؤيدي النظام يخرجون بمسيرات مناصرة للنظام.
ورغم أن عدد الثوار يفوق عدد المؤيدين بعشرات المرات، لم نعد نسمع من تصريحات المسؤولين الغربيين سوى مصطلحات “الإرهاب والقاعدة وداعش..“، وكأن الثورة السورية تبخرت.
من هنا نستنتج أن اللوبي الإسرائيلي والإيراني قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه من نجاح عن طريق توحيد جهود كل منهما لقضيته والتركيز عليها والقيام باستثمارات ضخمة وتحقيق شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة داخل أمريكا، بينما نجد أن أغلب اللوبيات العربية لا هم لها سوى أن تنافس بعضها البعض، كما أن الاعتماد على العلاقات والصداقات الشخصية لا يكفي، وهذا أحد أخطاء اللوبي السعودي، الذي اعتمد على صداقات وعلاقات شخصية بين الأمير بندر والرؤساء الأمريكيين، لتنتهي هذه العلاقات وتدخل في مرحلة التراجع بانتهاء مهمته في أمريكا، بينما اللوبيات الإيرانية والإسرائيلية تمتلك الشركات والاستثمارات والمؤسسات التي تتوسع وتكبر علاقاتها يومًا بعد يوم.
إن ما يجري من أحداث في منطقتنا هو نتاج لحرب خفية بين هذه اللوبيات داخل الولايات المتحدة، ولعل هذا العرض يشرح كيف تدار الأمور في متاهات السياسة الخفية، فاللوبيات في عصرنا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من السياسة، ومتممة للدبلوماسية، وتلجأ إليها العديد من الدول الآن لتحقق مصالحها الاستراتيجية.
لذلك علينا أن نتعلم في الثورة السورية كيف تدار الأمور، وأن يكون لنا لوبيات داخل مراكز صنع القرار العالمية، لكي نستفيد منها بقرارات تعود علينا وعلى ثورتنا بالنفع، فنحن نمتلك الآن عددًا غير قليل من المغتربين السوريين في أوروبا وأمريكا، والعديد ممن هاجروا منذ عقود وأسسوا استثمارات وشركات وأصبحوا لاعبين أساسيين في بلاد المهجر، وتبعهم في السنوات الأربع الماضية جيل من الشباب الطموح الذي يمتلك طاقات كبيرة، ولكن لا يوجد من يستثمر هذه الطاقات حتى الآن، لذلك يقع على عاتق المهاجرين السوريين ومن سبقهم من المغتربين البدء بتنظيم أنفسهم سياسيًا واقتصاديًا ليكونوا لاعبين مهمين في البلاد التي هاجروا إليها، وليكونوا سندًا للداخل السوري.
تابع الموضوع:
صراع “اللوبيات” في أمريكا.. مقارنة بين اللوبي الإسرائيلي والإيراني واللوبيات العربية
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإسرائيلي
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإيراني
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبيات العربية تتنافس
لقراءة الموضوع كاملًا:
صراع اللوبيات في أمريكا.. مقارنة بين اللوبي الإسرائيلي والإيراني واللوبيات العربية