مروان فرزات
شهدت الولايات المتحدة موجتين من الهجرة الإيرانية في القرن الماضي، أولها كانت مطلع عام 1960، وضمت العائلات الغنية التي تبحث عن الاستقرار السياسي للعمل والتجارة، أما الهجرة الثانية فكانت إبان الحرب العراقية الإيرانية، حيث كان أغلب المهاجرين من الفارّين من الخدمة واللاجئين السياسيين.
يبلغ الآن عدد الإيرانيين في أمريكا حوالي ثلاثة ملايين نسمة، أسس هؤلاء ما يقارب 300 شركة كبيرة، كما يساهمون في 400 شركة أخرى، وتصل نسبة الحاصلين على درجة الليسانس حوالي 26% من عدد المهاجرين، ما يضعهم في المرتبة الأولى بين المهاجرين من حيث التعليم العالي، بحسب دراسة عن اللوبي الإيراني، للكاتب لي سميث.
ظلت هذه الجالية نائمة وصامتة داخل الولايات المتحدة لانشغالهم، كأي مهاجر آخر، بتأمين سبل العيش الكريم ومقوماته، إلى أن برز جيل من الشباب الذين ولدوا وترعرعوا في الولايات المتحدة الأمريكية لكنهم أخذوا لغة بلادهم الأم وثقافتها من آبائهم، وأصبح الوطن أحد أولى اهتماماتهم.
فشكلوا “المجلس الإيراني الأمريكي” عام 1997 لجمع أبناء الجالية الإيرانية فيه، بزعامة “هوشك أمير أحمدي“، ليحل محله بعدها “المجلس القومي الإيراني في أمريكا” والمعروف بـ “ناياك” ويتزعمه تريتا بارسي، ويعتبر أقوى لوبي إيراني في أمريكا.
وبارسي هو باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية ويقيم في الولايات المتحدة ومقرب من صانعي القرار ووزارة الخارجية الأمريكية.
ومن مؤسسات اللوبي الإيراني في أمريكا أيضًا، مؤسسة “علوي“، التي يعود تأسيسها إلى شاه إيران عام 1973، ولكن لم تكن حينها تلعب الدور السياسي الذي تلعبه الآن بعد سيطرة نظام الملالي عليها.
يقع مقر هذه المؤسسة في الجادة الخامسة في نيويورك، وتدعي أن مهمتها شرح الثقافة الفارسية والإسلامية، لكن في الحقيقة هي من أكبر اللوبيات الإيرانية في الولايات المتحدة، ويسيطر وزير الخارجية الإيرانية، جواد ظريف، على قراراتها، وتمتلك ناطحة سحاب في نيويورك تعود عليها بأموال ضخمة، تستخدمها لتمويل أكثر من 30 مؤسسة تعليمية في أمريكا.
تتركز أهداف اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة على ما يلي:
1- العمل على جمع كل أبناء الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة وتوحيد جهودهم للدفاع عن حقوق هذه الجالية داخل أمريكا.
2- منع استصدار أي قرار حرب على إيران وتوضيح مخاطر هكذا مغامرة على المصالح الأمريكية وتعميق الحوار والمفاوضات كحل بديل للضربات الجوية.
3- إقناع الولايات المتحدة أن إيران ليست عدوًا للشعب الأمريكي، بل تكاد تكون صديقًا وحليفًا استراتيجيًا لأمريكا في المنطقة إذا عرفت كيف تستثمرها.
4- الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، وخصوصًا بيع النفط والتعاملات التجارية والمالية.
5- منافسة المملكة العربية السعودية والخليج العربي، عن طريق إظهار نفسها كشريك بديل عن السعودية للولايات المتحدة في الخليج والمنطقة ككل.
6- الحفاظ على الأنظمة العربية الموالية لها في المنطقة (سوريا، العراق، لبنان، اليمن).
بعكس الدول العربية، تسعى إيران دائمًا إلى لغة الأرض والعمل، التي تختلف كليًا عن لغة الشعارات التي يطلقها الساسة والقادة الإيرانيون، فهي تطلق الشعارات المعادية للغرب وتعمل في الخفاء لعقد صفقات وتحالفات معه.
فمثلًا شعار “الموت لأمريكا.. الشيطان الأكبر“، هي كلمات لا تلقى أي أهمية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنظر إلى لغة الأفعال لا الشعارات. فلو أن أمريكا تنظر لهكذا شعارات لما رأينا الآن الشارع الإيراني يتغنى بالاتفاق النووي مع أمريكا، التي تحولت بين ليلة وضحاها من “شيطان أكبر” إلى “ملاك“.
علينا أن نلاحظ طريق تعامل حلفاء إيران في المنطقة أيضًا، فهم يستخدمون نفس الأسلوب، فالنظام السوري وحزب الله اللبناني “المقاومان الممانعان” لا يكاد يخلو خطاب لهما من تهديد ووعيد لإسرائيل، بينما أسلحتهما موجهة باتجاه الشعب السوري، معتبرين أن طريق القدس يمر من سوريا، كما صرح أمين عام حزب الله، حسن نصر الله.
وهكذا تنظر الولايات المتحدة لإيران عن طريق أفعالها لا أقوالها، يساعدها في هذا مجموعة من الكتّاب والمفكرين والساسة الأمريكيين، ومعظمهم من أصل إيراني أو ممن عملوا في السلك الدبلوماسي في إيران. وتكون مهمة هؤلاء الكتّاب هي إقناع البيت الأبيض الأمريكي أن الحرب على إيران ستجعل الشعب الإيراني يلتف حول قيادته، وأن الضغط على إيران قد يجعلها ترتمي بأحضان روسيا والصين، ما يشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي.
كما أن إيران أصبحت قوة عسكرية لا يستهان بها، وأي اعتداء عليها سيشعل منطقة الخليج الاستراتيجية. وذهب الكاتب روبرت بير أبعد من ذلك، إذ حذر في كتابه “الشيطان الذي نعرفه” من أن إيران قد تجند انتحاريين داخل الولايات المتحدة إذا ما تم الاعتداء عليها، لذلك “يجب أن نتحاور معها للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين“.
يضاف إلى ذلك أن الإيرانيين حين اطمأنوا لسياسة الرئيس أوباما والديمقراطيين بشكل عام، قدموا لهم حسن روحاني، الرئيس الإصلاحي الجديد، كبادرة حُسن نية، لبدء مرحلة جديدة من العلاقات الأمريكية– الإيرانية، البعيدة عن تشدد الجمهوريين والإصلاحيين، والذي أثمر الاتفاق النووي، الذي يعتبر أهم إنجاز للوبي الإيراني في أمريكا.
وما ساعد إيران في هذا الاتفاق، الذي وقع بتاريخ 14 تموز 2015، وأصبح يومًا تاريخيًا بالنسبة للإيرانيين عدة أمور، منها:
1- وجود لوبي إيراني قوي داخل الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة تريتا بارسي، ومن ورائه جواد ظريف، اللذين كان لهما الفضل الأكبر في إتمام الصفقة.
2- حالة الضعف التي تصيب اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، وخصوصًا بالنسبة للملف الإيراني.
3- ترسيخ اللوبي الإيراني لفكرة الحرب أو الاتفاق لدى صناع القرار الأمريكيين، حيث لا خيار ثالث للملف الإيراني. وساعد إيران في هذا وجود لوبيات داخلية أمريكية تعرقل وتمنع أي حرب تقوم بها أمريكا بغض النظر عن الأسباب، لهذا لم يبق سوى الخيار الثاني، وهو الاتفاق.
لم يكن هذا هو النصر الوحيد للوبي الإيراني، بل سبقه نصر آخر في صيف عام 2013، حين استطاع اللوبي الإيراني عرقلة الضربات الجوية الأمريكية على النظام السوري إثر مجزرة الكيماوي التي قام النظام بها في ريف دمشق.
تابع الموضوع:
صراع “اللوبيات” في أمريكا.. مقارنة بين اللوبي الإسرائيلي والإيراني واللوبيات العربية
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإسرائيلي
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإيراني
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبيات العربية تتنافس
لقراءة الموضوع كاملًا:
صراع اللوبيات في أمريكا.. مقارنة بين اللوبي الإسرائيلي والإيراني واللوبيات العربية