“نحن في بلد حُر، ويجب أن يكون كل صاحب محل قادرًا على كتابة ما يريد على واجهة محله، وأنا أحترم اللغات الأخرى، لكن برأيي أنه يجب الكتابة باللغة التركية أيضًا، كي يفهم أصحاب الأرض ما المكتوب”، هكذا عبّر التركي مراد إرتيغين عن رأيه بقرار منع كتابة اللغة العربية على واجهات المحال العربية والسورية بشكل كامل.
بدأت السلطات التركية منذ تموز الماضي بالمرور على المحال السورية في مناطق مختلفة من أحياء اسطنبول، وإبلاغهم بضرورة مسح أو طمس كل كلمة عربية من واجهات محالهم، وإلا سيتعرض المخالف للتعليمات لغرامة مالية قد تصل إلى أربعة آلاف ليرة للمخالفة الواحدة.
ويأتي تشديد البلديات في اسطنبول بعد الأوامر التي أصدرتها بلدية المدينة، وذكرها رئيس بلديتها، أكرم إمام أوغلو، في لقاء على قناة “خبر ترك” التركية، في 26 من تموز الماضي، في معرض حديثه عن ضرورة الحد من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في اسطنبول.
وتتيح القوانين استخدام اللغة التركية في اللافتة الواحدة بنسبة لا تقل عن 75%، مع السماح باستخدام اللغات الأجنبية الأخرى في النسبة المتبقية فقط، وفقاً لبيان صادر عن مكتب والي اسطنبول في عام 2019.
نمو اقتصادي برد فعل عكسي
منذ قدوم السوريين إلى تركيا، توجه أصحاب المهن منهم إلى افتتاح نشاطهم التجاري الخاص، بينها محال تجارية ومطاعم وشركات من اختصاصات مختلفة، ومنهم من تعلم المهنة عن طريق العمل مع الأتراك لعدة سنوات ثم بدأ العمل لحسابه، ودفع كل هذا بالاقتصاد التركي للنمو بشكل سريع، إذ إن تحفيز الطلب الكلي يُعتبر حجر الأساس في تنشيط أي اقتصاد.
ويحتل السوريون المرتبة الأولى في تأسيس الشركات في تركيا، بحسب تصريحات لوزيرة التجارة التركية، روحصار بك جان، في البرلمان التركي، نقلتها صحيفة “يني شفق” التركية، في كانون الثاني 2020.
وبلغ حينها عدد الشركات المملوكة للسوريين في تركيا 13 ألفًا و880 شركة، بنسبة 29% من مجموع الشركات المملوكة لأجانب في البلاد، برأسمال نحو أربعة مليارات ليرة تركية.
وفي تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، وجد أن عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا من عام 2014 إلى عام 2016، ارتفع بنسبة 168%، وفي نهاية عام 2017، كان لدى تركيا أربعة آلاف و793 شركة سورية برأسمال قدره 39.1 مليون يورو.
ولفت التقرير إلى أن العديد من الدراسات وجدت تأثيرًا سلبيًا قصير المدى لتدفق اللاجئين السوريين، من ارتفاع معدل البطالة، وزيادة في الإيجارات وأسعار المنتجات الغذائية، لكنها لاحظت من ناحية أخرى تراجع أسعار الاستهلاك نتيجة لانخفاض الأسعار أو الخدمات التي ينتجها السوريون، ما قلل من تكاليف الإنتاج.
وتوقع التقرير وجود اتجاه نمو جديد بين عامي 2023 و2028 مع دخول اللاجئين السوريين الشباب الذين يمثلون 15% من مجموع السوريين إلى سوق العمل.
وأوضح التقرير أن تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة للاجئين في الاقتصاد التركي، وصل إلى 4.3 مليار يورو، بنهاية 2017، أو 1.96% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في تركيا، متوقعًا أن ترتفع تلك القيمة إلى 4% في عام 2028 مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ في تركيا.
ويشترط القانون التركي حصول السوريين على تصاريح عمل كي يسمح لهم بالدخول إلى سوق العمل التركي، وتجعل وزارة العمل التركية تقديم طلبات الإذن بالعمل واجبًا على صاحب العمل، كما أن حملة بطاقات “الحماية المؤقتة” من السوريين لا يجوز أن يعملوا خارج الولاية التي حصلوا على بطاقاتهم منها.
ولم يسمح للسوريين من حملة بطاقات “الحماية المؤقتة” باستصدار تصاريح العمل حتى 15 من كانون الثاني 2016، أي بعد أكثر من خمس سنوات على بداية اللجوء السوري إلى تركيا، ما اضطر السوريين للعمل دون ضمان اجتماعي، وبمرتبات زهيدة، وهو ما استغله بعض أرباب العمل الأتراك، ما يقلل كثيرًا من تكلفة الإنتاج بالنسبة لهم، ويعاظم الربح، ويزيد التصدير.
وأدى ارتفاع معدل البطالة، وزيادة الإيجارات وأسعار المنتجات الغذائية، إلى تنامي المشاعر السلبية لدى بعض الأتراك نحو اللاجئين، معتقدين أنهم السبب، ومدفوعين بتأثير الترويج للكراهية من بعض وسائل الإعلام والأحزاب التركية المعارضة.
ومن أبرز الأمثلة، رئيس حزب “الظفر” المعروف بمعاداته للاجئين، أوميت أوزداغ، حيث علّق على حملة بلدية اسنيورت باسطنبول، في حزيران الماضي، لإزالة اللافتات العربية قائلًا، “شاهدوا تأثير حزبنا. بعد زيارتي إلى أسنيورت ثلاث مرات بدؤوا برفع اللافتات العربية، بعد حزيران 2023 (موعد الانتخابات الرئاسية)، ستنخفض إيجارات المنازل في أسنيورت بنسبة 50- 75%”.
وفي آذار 2019، انتقدت مرشحة حزب “الجيد” التركي، إيلاء أقصوي، عبر مقطع فيديو في “تويتر”، وجود كتابة باللغة العربية على واجهات المحال في حي الفاتح قائلة، “لن أسلّم الفاتح للسوريين”.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رد عليها بأن العربية لغة دولية، وهي إحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، واصفًا أقصوي بأنها “عديمة التربية”، وتابع مستنكرًا، “لا ينتقدون اللافتات المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لكنهم يمتعضون عندما يتعلق الموضوع باللغة العربية”.
“العربية لا تضر حكومتنا”
توجهت عنب بلدي لإحدى مناطق اسطنبول حيث تنتشر محال سورية تعرضت مؤخرًا لحملة إزالة اللافتات العربية، لمعرفة موقف أصحاب المحال ورأي الأتراك في الحملة.
محمد سفاق (39 عامًا) صاحب محل بقالة سوري، أعرب عن انزعاجه من الحملة بسبب التشديد في إزالة أي كلمة عربية وحتى لو كانت آية من القرآن.
وروى محمد أن السلطات أمهلته ثلاثة أيام لإزالة كل الكلمات العربية، على الرغم من أنها لا تتجاوز نسبة 20% من لافتة محله، وفي حال وجود آية من القرآن، اشترطت السلطات تحويلها إلى اللغة التركية لبقائها.
لم تؤثر الحملة بشكل اقتصادي على نشاط محل محمد الذي يُعتبر معروفًا في المنطقة منذ عشر سنوات، بينما يختلف الحال مع عبد الكريم الشهابي (45 عامًا)، الذي افتتح محله منذ أقل من شهر، وهو ما يمكن أن يتسبب بعدم معرفة المحل لدى السوريين.
وقال عبد الكريم، إن لافتة محله لم تحتوِ على كلمات عربية، وإنما كان اعتراض السلطات التركية على اسم المحل الذي هو نفس لقبه بالأحرف اللاتينية، بحجة أن الاسم غير مفهوم المعنى بالنسبة لهم، ما أجبره على تحويل الاسم من “شهابي” إلى “صحابي”.
وبالرغم من التكلفة المرتفعة التي اضطر عبد الكريم لدفعها لتنفيذ تعليمات السلطات، أبدى انصياعه للقوانين التركية بحكم وجوده على أراضي الدولة التركية.
المواطن التركي مراد إرتيغين (39 عامًا)، وصف قرار منع الكتابة بالعربية بأنه “خاطئ”، لأنها لغة البائع والزبون، وعن طريقها يعلن عن منتجاته، “وهي ذات اللغة التي كنا نكتب بها منذ أكثر من مئة عام”، مضيفًا أنه لو كانت لغة الواجهات بالإنجليزية لما تطرق أحد للمسألة.
وعلّق الخياط التركي أمين كابلان (56 عامًا)، الذي يقع محله بالقرب من الشارع المستهدف بحملة البلدية، قائلًا، “إن مثل هذه القوانين تسبب استفزازًا للمتضررين، في حين أن السوريين أصحاب المحال لا يشكلون أي ضرر على الدولة”.
وأوضح أمين أن الشارع الذي توجد فيه المحال السورية، كان خاليًا سابقًا من الأعمال التجارية، بينما الآن أصبح أصحاب المحال الأتراك لديهم العديد من المستأجرين، الذين يدرون عليهم المرابح.
ويعتقد ارين يلماز (37 عامًا)، أن موضوع إزالة اللغة العربية من اللافتات متعلق بوجود السوريين، ورد فعل الأتراك السلبي تجاه تصرفات بعضهم.
وبيّن ارين أن هذه الخطوة تأتي للحفاظ على “الهوية التركية” للمناطق، إذ يسمي السوريون الشارع الذي يوجد فيه المحال السورية بـ”شارع حلب” دون اسمه التركي، مشيرًا إلى أن عدد المحال السورية يفوق التركية في هذا الشارع، ومن السوريين من بدأ بشراء محله المستأجر.
ومن المعروف أن أصحاب الجنسية السورية لا يستطيعون تملك البيوت أو المحال في تركيا، بينما يستطيع من حصل على الجنسية التركية التملك.
وصل عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية إلى 211 ألف سوري، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 18 من آب الحالي.
ويبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب “الحماية المؤقتة”، وفق إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الأخيرة، ثلاثة ملايين و654 ألفًا و257 شخصًا.
–