سوريا.. القانون “الموحد” للنقابات يفقدها الاستقلالية ويخالف الدستور
راجعت منظمة حقوقية مسودة القانون الذي وزعته حكومة النظام السوري، مطلع تموز الماضي، باسم “مشروع الصك التشريعي الموحد للنقابات المهنية”، وخلصت إلى أنه يخالف الدستور، باعتباره يلغي استقلالية النقابات، ويحرمها الحق في ممارستها الرقابة الشعبية، ويجعلها تابعة للسلطة التنفيذية.
وجاء في تقرير نشرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، الاثنين 29 من آب، أن مسودة القانون الذي وزعته الحكومة، في 5 من تموز الماضي، على مختلف النقابات المهنية في سوريا، ويتألف من 56 مادة قانونية، “نسف” بعضها أي استقلالية للنقابات، وباتت جزءًا من الأذرع التنفيذية الإدارية للحكومة.
وفوضت المادة “48” من مشروع القانون رئيس الوزراء بإمكانية حلّ المؤتمر العام أو المجلس أو مجالس الفروع في حالة “انحراف أي من هذه الأجهزة عن مهامها وأهدافها”، ما يسلب النقابات استقلاليتها وقدرتها على اتخاذ قرار الحل والانتخاب، بحسب المنظمة.
وأصبح النقابيون موظفين رسميين لدى الحكومة، التي لديها القدرة عبر هذا القانون على اتخاذ القرارات المهمة مثل إحداث فروع لنقابة ما.
وأشارت “سوريون” إلى أن تدخل حزب “البعث” في توجيه الكتاب إلى النقابات لإبداء ملاحظاتهم، بناء على كتاب موجه للحزب من قبل رئاسة مجلس الوزراء، يؤكد أن “البعث” ما زال الحزب القائد للدولة والمجتمع على الرغم من “الإلغاء الشكلي” لنص المادة الثامنة من الدستور الحالي.
ويضمن الدستور الحالي الحد الأدنى من استقلالية النقابات، إذ اعتبرت المادة “10” الواردة ضمن الفصل الأول من الباب الأول منه تحت عنوان “المبادئ الأساسية”، أن مبدأ استقلالية النقابات المهنية، والحق في الرقابة الشعبية دون أي تابعية، هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية العربية السورية.
ومن زاوية القانون الدولي، فقد صدّقت سوريا على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم “87”، حول الحرية النقابية، وحماية حق التنظيم،كما تحظر الاتفاقية على السلطات أي تدخل يقيّد الحق في الحرية الكاملة بتنظيم إدارة ونشاط هذه النقابات.
مبررات واعتراضات
بررت رئاسة مجلس الوزراء موجبات القانون الموحد للنقابات بـ”تطور عمل النقابات” ودورها بوصفها “رديفة للجهات العامة في تقديم الخدمات العامة للمواطنين”، ما يقتضي تأطير عملها وتنظيمه “وفق أحكام عامة موحدة”.
وذكرت أن الغرض من المشروع هو توجيه عمل النقابات “بما يحقق المرونة والكفاءة في أداء عملها” وإزالة التباين في الأحكام الناظمة لعمل كل النقابات، مع الأخذ بالحسبان طبيعة كل مهنة، و”توحيد مراجع الطعن (التظلم) بالقرارات الصادرة عن أجهزة النقابة ومجالس التأديب”.
من جهة أخرى، قال عضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب، والنقيب السابق لنقابة المهن المالية والمحاسبية، زهير تيناوي، في حديث لصحيفة “البعث” الحكومية، إنه لا يؤيد وجود أنظمة موحدة للنقابات، “لكن أنا مع تحديث الأنظمة الداخلية لجميع النقابات وتحديث لوائحها التنفيذية بما يتناسب والتطورات الاقتصادية والاجتماعية في السنوات العشر الأخيرة”.
وأضاف، “مشروع القانون المقدم لتوحيد أنظمة النقابات من شأنه أن يحد من استقلاليتها، وهذا لا يعني أن يكون فيها انفلات مالي وإداري أو تنظيمي، لكن الاستقلالية والنظام الخاص فيها يفرض عليها رقابة أعمالها وتدقيقها وتنظيمها، أما أن يكون عليها هيمنة من قبل السلطة التنفيذية فهذا يتناقض ولا ينسجم ويتعارض مع أحكام المادة (10) من الدستور”.
قوننة التدخل
مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، علّق على أثر القرار في حال طُبّق على النقابات في سوريا، واعتبر أنه محاولة جديدة من النظام لـ”التوغل بالسلطة”.
وقال الأحمد لعنب بلدي، إن إحدى مشكلات النظام في سوريا بعد تسلّم حزب “البعث” السلطة فيها، ومن بعده حافظ الأسد ولاحقًا ابنه، أنه لم يمنح أي استقلالية فعلية للنقابات، وإنما باتت شكلية بيد الحزب والسلطة.
وأوضح الأحمد أن هذا المشروع هو محاولة “قوننة” التدخل بالنقابات عن طريق السلطة التنفيذية التابعة لحكومة النظام السوري.
وأشار الأحمد إلى أن النظام التفت إلى القضايا الداخلية، بعد هدوء الجبهات العسكرية، في محاولة لزيادة السيطرة على المناطق الخاضعة له، عن طريق فرض قوانين تنتقص من حرية السكان، مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وتعديل قانون العقوبات.
ويوجد في سوريا اتحاد واحد للنقابات، هو “الاتحاد العام لنقابات العمال”، تنتسب إليه جميع النقابات بشكل إلزامي، ويكون رئيس الاتحاد عضوًا قياديًا في حزب “البعث”.
وتقرر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل نسب التمثيل وتوزيع مقاعد مؤتمر الاتحاد الذي يعتبر السلطة العليا فيه، وكذلك كيفية توظيف أموال النقابات، أما الاتحاد فيقرر بدوره في أي من القطاعات الصناعية يجوز تأسيس النقابات أساسًا.
أُسست العديد من النقابات العمالية بمدينة دمشق في عشرينيات القرن الماضي، وبعضها أُسس زمن “الثورة السورية الكبرى” بين عامي 1925 و1927، حين خاض العمال العديد من الثورات ضد الاستعمار وضد أرباب العمل.
وفي العام 1936، أُسس “اتحاد عمال دمشق” لقيادة النقابات العمالية الموجودة في دمشق، وكان من أهم نشاطاته، رفع المطالب العمالية إلى المجلس النيابي والحكومة، حول حرية تشكيل النقابات، وساعات العمل، والأجور، والتسريح، وتعويض الشيخوخة، والإجازات السنوية، والراحة الأسبوعية، وأجر العمل الإضافي، وغيرها.
وفي عام 1938، توّج نقابيو سوريا نشاطهم بتأسيس “الاتحاد العام لنقابات العمال” في سوريا، وأُسست الاتحادات العمالية والنقابات بعدها في العديد من المحافظات.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :