شغف بالتراث ومصدر دخل..
حلبيون يحافظون على الرقص العربي في تركيا
عنب بلدي – محمد فنصة
“قوموا لنرقص عربية.. ونورجي هل العالم فنّا، نحن شباب الحلبية.. خلقت هل الرقصة إلنا، رقص العربية مأصل.. ولبسها عالكيف مفصل، يرحم عينين إل وصل.. لبس العربية إلنا”.
كانت هذه كلمات قصيدة اشتهرت للشاعر الغنائي صفوح شغالة، قال عنها عبر صفحته في “فيس بوك“، إنه ألفها بعد عودته من مصر عام 1993، بينما كان جالسًا بمقهى في فندق “سميراميس”، ودخلت فجأة فرقة للرقص العربي قائدها الحلبي جمال كرمان، ولفت نظر الشاعر جمال لباس أفرادها.
عندما يدور الحديث عن حلب، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أكلاتها الشهية مثل الكباب المشوي و”الكبب” بأنواعها، ومدرستها العريقة في الفن والطرب الأصيل، وفِرقها الشعبية للرقص العربي، الذي يُعرف عند العديد من السوريين بالرقص الحلبي، بسبب تمسك أهل حلب وتميزهم بهذه العادة الموروثة.
وانتقلت عادات وتقاليد أهالي حلب معهم إلى بلاد اللجوء، وأضافت إليهم رونقًا يخفف من آثار الغربة ويجمعهم مع أبناء مدينتهم.
تعرفهم من لباسهم
من السهولة تمييز الحفلات الحلبية في اسطنبول، حيث يعيش نحو 500 ألف سوري، من اللباس العربي الذي يرتديه أعضاء فرق الرقص، والمؤلف من “العرقية” التي توضع فوق الرأس، وفوقها تأتي “السمنية” (الحطة) وهي مصنوعة من الحرير، ثم القميص القطني، وهو محلى بتطريز الأكمام مع الياقة، يليه “الشروال” الفضفاض ويُشد الخصر بـ”الشال”.
وفوق هذا اللباس، هناك المعطف (الملتان) الخارجي، وهو مشغول بالإبرة، لذا يعد غالي الثمن، ويُشغل من قبل المساجين، إذ يستغرق إنجازه زمنًا يفوق الشهرين، وأخيرًا تأتي “المنطوفة” أو “الكسرية” (الحذاء)، وهناك بعض الإضافات مثل “المجندية” (الجزدان) والمحارم باليد.
وينفرد رئيس فرقة الرقص العربي، الذي يكون أقدم وصاحب أفضل أداء، بلون مميز في لباسه عن بقية أعضاء الفرقة.
عنب بلدي قابلت إحدى الفرق الشعبية للرقص العربي في مدينة اسطنبول التركية، للتعرف أكثر إلى الرقص العربي وسبب انتشاره والصعوبات التي تواجهه في تركيا.
التراث الموروث
أُسست فرقة “الأصيل” للرقص العربي عام 2020 في اسطنبول، من قبل عبد الكريم نكمة (29 عامًا)، وتميم صابوني (27 عامًا).
تعلم كل من المؤسسين وتدربا سابقًا على يد باسل وتار في حلب، الذي تعلم بدوره عند جمال كرمان (أبو لطفي)، وكان يعتبر في زمانه “شيخ الكار”، ويصفه تميم صابوني بـ”إحدى قلاع حلب”.
بدأت الفرقة بالإضافة إلى المؤسسَين بخمسة شبان، بينما وصل عدد أعضاء الفرقة في الوقت الحالي إلى 21 شابًا أغلب أعمارهم لم تتجاوز 18 عامًا، يتلقون التدريبات من قبل تميم وعبد الكريم، مدفوعين بحب تعلم ما يعتبر مصدر فخر من عادات وتقاليد أهل حلب بالمقام الأول، ولكسب مصدر دخل إضافي من جهة أخرى.
وعبّر عبد الكريم نكمة عن مدى تعلقه بهذا الفن، وأوضح أن سر الأداء المتميز يعود لممارسة الرقص عن شغف وحب، وليس فقط للحفظ والدراية بالحركات، وهو ما دفعه للتصميم على تعليم أطفاله لإكمال المسيرة من بعده.
بينما يجد تميم صابوني في الرقص العربي رابطًا للحفاظ على تراث بلده المهدد بالزوال جراء لجوء عدد كبير من أبناء سوريا إلى الخارج، كما أوضح ازدياد الطلب وانتشار فرق الرقص الشعبية في تركيا منذ تأسيس فرقته قبل عامين.
لا يشترك أعضاء الفرقة سوى في حبهم لهذا الفن، ولأصولهم الحلبية، بينما تختلف أعمالهم الرئيسة التي يعملون بها لتدبير أمور معيشتهم، إذ لا يعتمد أعضاء الفرقة على المردود المادي القادم من الرقص العربي كدخل أساسي.
ولا تنحصر طلبات الزبائن، الذين ينحدر أغلبهم من حلب، على حفلات الأعراس، إذ يمكن أن يطلبوا الفرقة في حفلات افتتاح المحال، أو عند استقبال القادمين من مكة بعد أداء فريضتي الحج والعمرة، أو في المناسبات الخاصة.
وبحسب عبد الكريم، تعتبر عروض “السيف والترس”، و”النبود” (عصا بطول مترين)، من الفقرات الأساسية بين الرقصات، التي يتخصص فيها بعض أعضاء الفرقة.
وتنقسم أنواع الرقص العربي، بحسب عبد الكريم، إلى “الرقصة العربية الثقيلة”، و”الرقصة العربية الخفيفة”، و”الغزاوية”، و”الولدة”، وترجع أصول أول نوعين إلى حلب، فيما تعود الأخيرة إلى مناطق الساحل.
“الرقصة العربية الثقيلة”، هي رقصة رباعية (الأطراف الأربعة) ذات حركة بطيئة، وتبدأ بالرجل اليمنى مع اليد اليسرى، وتنتهي بالرجل اليسرى مع اليد اليمنى، وقد سميت سابقًا بـ”الشيخاني”، لأنه كان يرقص عليها الشيوخ والزعماء وكبار الحارة.
“الرقصة العربية الخفيفة” (رباعية أيضًا) وتبدأ بعد الموال مباشرة، ولكن بحركة أسرع قليلًا من الثقيلة، وتتلاءم هذه الرقصة مع الأغاني القديمة مثل “يا هويدلك”، و”ع العين موليتين”.
“الغزاوية”، وهي رقصة سريعة الحركة (ثلاثية)، تحتاج إلى نشاط الشباب لتأديتها، وتتناسب مع أغانٍ كثيرة، من الجيل القديم أغنية “طالعة من بيت أبوها”، و”بيني وبينك حاروا العوازل”، ومن الأغاني الحديثة تلائمها أغنية “لأقعدلك على الدرب قعود”، و”أسمر يا شب المهيوب”.
تحديات في بلاد الغربة
تواجه أي فرقة رقص عربي أُنشئت حديثًا صعوبة في الانتشار، وزاد وضع السوريين المشتت في بلاد اللجوء من الصعوبة، إذ لا يتركز معظم الحلبيين، الذين يعتبرون الفئة الأساسية من زبائن فرق الرقص، في منطقة معيّنة، بل يتوزعون على المناطق والمدن التركية.
كما تعاني فرق الرقص العربي صعوبة استقطاب الجيل الجديد من الفتيان لزيادة عدد أفراد الفرقة، بحسب تميم صابوني، بسبب تأثر أغلبية الشباب بثقافة البلد المضيف من جهة، وعدم نشوئهم في سوريا ونمو الانتماء وتشرب الثقافة الذي يدفعهم لذلك من جهة أخرى.
ويفتقد أعضاء الفرقة لمصادر تصنيع اللباس العربي، فمن النادر وجود خياط سوري ذي خبرة بتفصيل قطع الملابس في تركيا، لذا يلجأ أعضاء الفرق لجلب معظم القطع من سوريا، لتضاف تكلفة نقلهم إلى غلاء سعر الأقمشة.
وفي تركيا، يسبب اختلاف العادات والتقاليد عدم تقبل بعض الأتراك فرق الرقص العربي، بحسب ما لاحظه تميم صابوني من رد فعل الأتراك عند مشاهدتهم إياهم في أثناء أو قبل العروض.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :