حصار فصائل المعارضة “هدف الجميع”

  • 2016/01/10
  • 1:05 م

أسرى لقوات الأسد في ريف حلب الشمالي شباط 2015 )عنب بلدي(

طارق أبو زياد- حلب

تمثل محافظة حلب هدفًا استراتيجيًا لعدة أطراف عسكرية تسعى لتحقيق مكاسب ميدانية بشتى الوسائل والطرق، بما فيها الحصار الذي بدأ نظام الأسد بتطبيقه فعليًا منذ مطلع عام 2014، في حين يسعى تنظيم “الدولة الإسلامية” من الشرق بالتمدد شمالًا واضعًا مدينة اعزاز على الحدود السورية التركية نصب عينيه، وتبقى لقوات “سوريا الديموقراطية” حسابات لا تقل أهمية عن الأطراف السابقة.

المنطقة الصناعية.. نقطة البداية

سيطرت قوات الأسد في شباط 2014 على منطقة الشيخ نجار الصناعية، وتمددت منذ ذلك الحين نحو قرية حندرات القريبة من طريق الكاستيلو؛ المنفذ الوحيد لأهالي مدينة حلب إلى ريفها الشمالي، وبات باستطاعته فعليًا السيطرة النارية على الطريق، ولكن سرعان ما وضعت فصائل المعارضة سواتر ترابية على أطراف الطريق لحمايته من الاستهداف.

وفشلت الخطة الأولى لقوات الأسد، رغم محاولاتها المتكررة لحصار المدينة، وجوبهت بتصدي فصائل المعارضة، لتنتقل إلى الخطة الثانية التي تبدأ من قرية باشكوي، وصولًا إلى بلدتي نبل والزهراء المواليتين والمحاصرتين من قبل المعارضة، فلو تحقق هدف الأسد في هذه الخطة لاستطاع إحراز هدفين، الأول هو فك الحصار عن قريتي نبل والزهراء، والثاني وهو الأهم، حصار مدينة حلب، ما دعا المعارضة للاستنفار بشكل كامل، وتشكيل غرفة عمليات “فتح حلب” في شباط 2015.

القيادي البارز في حركة أحرار الشام الإسلامية، أبو عمر الحموي، تحدث لعنب بلدي عن غرفة العمليات التي شغل سابقًا منصب قائدها، “في بداية عمل الغرفة كانت النية هي الهجوم على قوات الأسد، ففوجئنا بتسلل قوات الأسد إلى قريتي حردتنين ودوير الزيتون والسيطرة عليهما بخطة عسكرية تم تنفيذها لأول مرة، كانت تسير ببطءٍ وأمان عال”.

أحمد، أحد أهالي بلدة حريتان القريبة من هاتين القريتين، وصف لعنب بلدي حالة الرعب التي أصابت أهالي البلدة، “في يوم وليلة أصبحت حريتان في خطر حقيقي، فقوات الأسد تبعد قليلًا عنا، وبدأ الأهالي بالنزوح منها، ومع القصف الهمجي للطيران أصبح في مخيلتنا أن حريتان هي الوجهة الحالية لقوات الأسد”.

وتابع أبو عمر الحموي حديثه عن مجريات المعركة، “انقلبت الموازين وتحولت فتح حلب من الهجوم إلى الدفاع، وأي لحظة تأخير قد تزيد الأمر سوءًا، تم استدعاء القوات المركزية لكافة الفصائل، وشُنّ هجوم عكسي استعدنا من خلاله السيطرة على القريتين، قتلنا 200 عنصر لقوات الأسد والميليشيات، وأسرنا 50 بينهم ضباط”.

ورغم استعانة الأسد بقوات إيرانية ولبنانية، وإحرازه تقدمًا فعليًا، بحيث لم يتبقّ له سوى ثلاثة كيلومترات لإطباق الحصار، إلا أنه مني بهزيمة كبيرة أعادته أدراجه، لتفشل الخطة الثانية لحصار حلب.

ريف حلب الجنوبي.. أعتى الحملات

بعد فشل نظام الأسد وعدم تمكنها من التقدم في حلب، اعتمد وبشكل كامل على القوات الشيعية الرديفة من 5 بلدان، أبرزها الحرس الثوري الإيراني وحركة النجباء العراقية وحزب الله اللبناني، وبدأ هجومه على ريف حلب الجنوبي ابتداءً من جبل عزان، في تشرين الأول لعام 2015، والهدف هو الوصول إلى الأوتوستراد الدولي.

محسن الأحمد، قائد عسكري في جيش المجاهدين المنضوي تحت الجيش الحر، تحدث إلى عنب بلدي عن مجريات معركة ريف حلب الجنوبي، “بدأت القوات الشيعية بالتقدم نزولًا من جبل عزان والسيطرة على قرية عبطين وكتيبة الدبابات في المرحلة الأولى، ولم يكن هناك أعداد كبيرة من المجاهدين، فمن المعروف عن الريف الجنوبي هدوءه العسكري، وكان من المستبعد جدًا تقدم قوات الأسد إليه”.

تم إحضار التعزيزات من كافة الفصائل لصد الهجوم، ولكن الطيران الروسي وراجمات الصواريخ لم تهدأ على المنطقة، عدا عن الأعداد الكبيرة لمقاتلي الميليشيات العراقية، التي اتبعت سياسية حرب العصابات المختلفة كليًا عن أسلوب قوات الأسد، فاستطاعت التقدم نحو بلدة الحاضر وصولًا إلى العيس ومنها إلى تلة العيس الاستراتيجية.

أبو اليزيد تفتناز، مسؤول المكتب الإعلامي العسكري لحركة أحرار الشام الإسلامية، وصف المعركة أنها كانت مختلفة عن بقية المعارك مع قوات الأسد، وتم تغيير الخطط العسكرية وجعلها تتناسب مع خطة الميليشيات، وأوقف تقدم قوات الأسد إلى أوتوستراد دمشق-حلب الدولي.

وعند فشل الميليشيات في التقدم نحو الأوتوستراد واستحالة وصولها إلى قريتي كفريا والفوعة شمال إدلب، تغيرت الخطة واتجهت نحو خان طومان وسيطرت عليها، وكانت الاستراتيجية الجديدة هي السيطرة على حي الراشدين والوصول إلى أوتوستراد حلب-إدلب القديم، على حد تعبير “أبو اليزيد”، موضحًا أن الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الميليشيات في هجومها على مدى ثلاثة أشهر جعلتها تتوقف وتغير وجهتها إلى هدف جديد، مع وجود مناورات واشتباكات في هذه المناطق.

“الدولة الإسلامية”.. خدمات كبيرة لنظام الأسد

لم يكن حصار حلب مهمة الأسد فحسب، فتنظيم “الدولة الإسلامية” كان له دورٌ كبير بتضييق الخناق وزيادة الضغط على فصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي بعد سيطرتها على قرية صوران في أيار 2015، فأشغلت فصائل المنطقة بحرب تستمر حتى اليوم.

أبو المجد، أحد أهالي قرية اعزاز في ريف حلب الشمالي، اعتبر أن ما يقوم به التنظيم هو “خدمات مجانية لقوات الأسد”، وأردف “أشغلت داعش المجاهدين وزادت توسع نقاط القتال دون معرفة السبب الاستراتيجي الذي دعاها لعمل هجوم بهذه المنطقة”.

واعتبر أبو المجد أن التناغم الكامل لتحركات قوات الأسد في حلب مع “داعش” يثير الدهشة، وقال “عند استراحة الأسد تتقدم داعش، وعند استراحتها يتقدم النظام، هم يقاتلون كأنهم جهة واحدة.. حاليًا داعش والأسد هم واحد”.

تسعى غرفة عمليات مارع منذ تأسيسها في أيلول 2015، إلى طرد تنظيم الدولة من قرى وبلدات الريف الشمالي، وبدأت من المناطق الحدودية مع تركيا، واستطاعت انتزاع بلدتي دحلة وحرجلة، فيما تخوض مواجهات يومية ومعارك كر وفر في قرى وبلدات أخرى شمال حلب.

“سوريا الديموقراطية”.. تقلب الموازين في حلب

نظام الأسد وتنظيم الدولة ليسا الطرفين الوحيدين في مواجهة فصائل المعارضة في حلب، فظهرت أخيرًا قوات “سوريا الديموقراطية”، والتي بتعاونها مع الأكراد تضع نصب عينيها مدينة اعزاز شمال حلب، وبالتالي معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، الأمر الذي يضع فصائل حلب في حصار حقيقي.

سمير، أحد المقاتلين في صفوف جبهة النصرة، اعتبر أن قوات سوريا الديموقراطية “عميلة للأسد”، وأضاف “بعد محاولتها التقدم على طريق اعزاز-باب السلامة أثبتت للعالم كله عمالتها، إضافة لعلاقتها القوية مع حزب بي كي كي”، مشددًا على أن بيان “سوريا الديموقراطية” الأخير، والذي نص صراحة على أن هدفها هو قتال جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية، جعلها عدوًا واضحًا للثورة والفصائل العسكرية.

وأعلن جيش الثوار ووحدات حماية الشعب المنضويين في “سوريا الديموقراطية” سيطرتهما مطلع كانون الثاني الجاري على بلدة كشتعار المطلة على أوتوستراد حلب-اعزاز، في الجهة المقابلة لمطار منغ العسكري شمال تل رفعت، وبالسيطرة عليها تقترب “سوريا الديموقراطية” من إحكام حصار اعزاز من الجهتين الغربية والجنوبية.

في الجهة الشرقية، انتزعت قوات “سوريا الديموقراطية” السيطرة على سد تشرين الواقع في منطقة منبج من يد تنظيم الدولة، أواخر كانون الأول الماضي، وسط أنباء عن نية وتجهيز حقيقي لهذه القوات تحضيرًا لمعركة منبج الخاضعة لسيطرة التنظيم.

المتحدث باسم “سوريا الديموقراطية”، العقيد طلال سلو، نفى في حديث سابق إلى عنب بلدي أي تعامل مع نظام الأسد كما يشاع، قائلًا “لو أن النظام بهذه القوة لما خسر المناطق أمام داعش”، وأردف “الادعاء كاذب ويستحيل أن يكون هناك تعاون مع النظام ولا سيما في العمل العسكري.. والغاية من هذه الادعاءات هي جعل النظام شريكًا في انتصاراتنا ونسب جزء منها له”.

جيش الثوار: لا علاقة لنا بـ “الكردستاني” وغايتنا قتال “داعش” والأسد

نفى عبد الملك بُرد (أبو علي)، قائد جيش الثوار المنضوي تحت قوات “سوريا الديموقراطية”، أي علاقة تجمع فصيله بحزب العمال الكردستاني PKK، مشددًا على أن هدف الفصيل قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” ونظام الأسد على حد سواء.

وأوضح برد، في بيان حصلت عنب بلدي على نسخة منه، الأربعاء 6 كانون الثاني، أنه لا يوجد أي تنسيق أو أعمال قتالية أو أي تواصل مع الـ PKK، وأن هدفه من هذا البيان هو توضيح ما تحاول إشاعته “بعض الألسن الحاقدة وبعض الشراذم التي تلعب على أوتار متعددة”.

عنب بلدي تحدثت إلى طارق أبو زيد، المسؤول الإعلامي في جيش الثوار، موضحًا أن فصيله هو أحد مكونات الجيش السوري الحر، واندمج مع قوات “سوريا الديموقراطية” لأن الائتلاف الوطني المعارض ذاب مؤخرًا في الهيئة التفاوضية، وأركانه حُلّت منذ أكثر من عامين بعد هجوم “الجبهة الإسلامية” عليها، على حد تعبيره.

ونفى أبو زيد علاقة جيش الثوار بجبهة ثوار سوريا المنحلة وقائدها جمال معروف، “ليس لنا أي علاقة بجمال معروف وأصدرنا عدة بيانات بذلك، كما أصدر جمال معروف بيانًا بذلك، وهذا الجواب ينسحب على جبهة ثوار سوريا حكمًا”.

يقود الفصيل عبد الملك برد (أبو علي)، وأولويته هي “تحرير كامل سوريا من تنظيم داعش وقوات النظام السوري”، بحسب “أبو زيد” الذي دحض وجود أي تعاون أو دعم من الجانب الروسي، مؤكدًا في الوقت ذاته تلقيهم دعمًا جويًا من طيران التحالف.

مقالات متعلقة

سياسة

المزيد من سياسة