سيرين عبد النور – دير الزور
“لسانا عايشين، بس رجعنا مية سنة لورا”، تقول السيدة لطيفة، إحدى النازحات في حي القصور وهي تفرك يديها المجعدتين، موضحةً أن الأهالي يحاولون التأقلم مع أوضاعهم، “رغم كل شيء مايزال الديريون يهتمون بهندامهم ونظافة ثيابهم رغم آثار الحصار الواضحة على ملامح الوجوه”.
لا تصل المياه إلى الأحياء المحاصرة منذ سنة تقريبًا من قبل تنظيم “الدولة”، إلا ساعات محدودة في النهار ولمناطق قليلة تقتصر على بيت أو بيتين أرضيين في كل شارع، وأصبحوا يعتمدون على حجر “البيلون” لغسل ملابسهم، بسبب غلاء مواد التنظيف وندرتها.
بدائل طبيعية
يكسّر الحجر إلى قطع صغيرة تنقع الثياب معها لفترة ثم تغلى وتفرك مع الماء، حتى تبدأ بالتفتت وتصبح كالطين البني، كما تشرح السيدة لطيفة.
وتقول “من كان يعتقد أننا سنشاهد في هذا الحي الراقي بائعًا يدفع عربته المحملة بالأحجار يتجمع حوله عدد من الأشخاص يقلبونها ويتحدثون عن جودتها وفائدتها في الغسيل؟”.
وتعود الذاكرة بها إلى مشهد نزول الفتيات في دير العتيق إلى جرف النهر، حاملاتٍ الغسيل من ثياب و”بسط” وأواني الطبخ لتنظيفها، ثم تقول “كان زمان خير وبركة اسع حتى المي صارت حسرة”.
نسي كثير من الناس معنى “البيلون” وشكل هذا الحجر، لكن الحصار فرض عليهم استخدام المواد المتاحة، كما أن شح المواد أجبر الأهالي على اللجوء إلى بدائل أكثر توفيرًا وأسهل في التحصيل وأرخص في السعر.
والحجر أقرب ليكون مادة غضارية، لونه يميل إلى السمرة الحمراء، وفيه خاصية الامتصاص للماء إذ تذوب فيه وتتحول إلى رسوب طيني، ويساهم في امتصاص الزيوت والبقع من الثياب، وتشتهر به مدينة حلب السورية.
أسعار مواد التنظيف تشتعل
وبينما لايزال الاسم موضع جدل عند الديريين بين البيلون والبينون، يقول مازن، الذي كان يعمل في مجال التعليم داخل الأحياء المحاصرة، إنه لم يكن يتخيل أن يغسل الناس بالحجارة والطين.
ويرى الشاب أن شح مواد التنظيف ومنها الشامبو والصابون وسوائل الجلي ومساحيق الغسيل لم تترك الكثير من الخيارات أمام الأهالي، إذ لجأ بعضهم إلى التراب لتنظيف الأواني، ويقول “مرات كثيرة غسلت ثيابي بالماء والملح”.
ووصل سعر لوح الصابون في الأحياء المحاصرة إلى 1300 ليرة سورية، بينما وصل سعر كيلو مسحوق الغسيل إلى 3000 ليرة، ورغم توزيع الهلال الأحمر كميات منه إلا أنها تبقى محدودة وغير كافية، وفق ما ينقله الأهالي.
أكثر من 12 شهرًا على الحصار أرهقت الأحياء واستنزفت مواردها ومخزونها، وجعلت من دكان “أبو عيسى” رفوفًا فارغة وأبوابًا مغلقة بشكل شبه دائم.
أبو عيسى، صاحب محل في شارع الوادي داخل حي الجورة، يصف البينون بـ “صابون الفقير” ويقول ساخرًا “في الدول المتقدمة يستخدمونه لتحسين البشرة بس شعبنا ما يقتنع”.
لم تكن هذه الأحجاء مستخدمةً بشكل واسعٍ في المناطق الشرقية قديمًا، وفق ما ينقله كبار السن، بل كانوا يلجأون إلى أحجار “القلو والشنان” في غسيل الملابس لتوفرها في تلك المرحلة.
والقلو، بحسب “أبو عيسى”، نوع من الحجارة الترابية يشبه البيلون في الشكل وطريقة الاستعمال، أما الشنان فهو نوع من العشب البري المنتشر في البادية السورية ذو رائحة عطرة ويساعد على تبييض الملابس.
يشكك بعض الأهالي مثل لطيفة و”أبو عيسى” في نوعية الأحجار التي تباع، معتبرين أن ما يباع كميات قليلة كانت موجودة لدى العطارين والبقية ليست “بيلون” وإنما أحجار ترابية عادية لا تنفع في التنظيف، ذلك أن “البيلون” ينتشر في مناطق بعيدة من الشمال السوري ويصعب وصوله إلى الدير في هذه الظروف.