صيد “الطير الحر” في القامشلي.. إدمان البحث عن الملايين

  • 2022/08/28
  • 10:47 ص

باشق يستخدم لصيد الطائر الحر في القامشلي 20 من آب 2022 (عنب بلدي/ مجد السالم)

القامشلي – مجد السالم

يتفحص حمد الأسعد (57 عامًا) من ريف بلدة القحطانية الجنوبي بمنطقة القامشلي، باهتمام، منظاره الجديد، ويختار بعناية أنواع الخيوط والأسلاك التي سيصنع منها “الشبكة”، التي توضع على ظهر حمامة كطعم لاصطياد أحد أغلى أنواع الطيور، المسمى “الحر”.

الحصول على أحد هذه الطيور “حلم” يراود الكثير من هواة الصيد في المنطقة، “إن حالفك الحظ بالحصول على أحد الأنواع الجيدة منها، هذا يعني أنك أصبحت من ذوي الملايين بين ليلة وضحاها، إنه رزق من السماء يسوقه الله”، قال حمد لعنب بلدي.

يحرص الرجل الخمسيني منذ سنوات في هذا الوقت من كل عام على التحضير الجيد لموسم الصيد، أو ما يُعرف محليًا بـ”موسم القنيص”، الذي يمتد لنحو ثلاثة أشهر اعتبارًا من منتصف آب.

ويحتاج التجهيز لموسم الصيد إلى الكثير من المعدات، بدءًا من واسطة التنقل اليومي وصولًا إلى نوع الطعم المستخدم في الصيد، في مهنة توارثها حمد عن والده وأعمامه، تتميز بطقوس وأجواء خاصة يتفرد بها أهالي المنطقة عن سواهم، وتعبّر عن عاداتهم العربية الأصيلة.

وأضاف حمد أن الحظ حالفه مرة واحدة في عام 2011، حين تمكن من صيد “الطير الحر” وباعه بمليون ليرة سورية (يعادل نحو 20 ألف دولار أمريكي حينها)، ليشتري سيارة يستخدمها في “القنيص” حتى اليوم، ما جعله يستنفر في كل عام لتجربة حظه مرة أخرى.

“هواية ممتعة” تحتاج إلى الخبرة

يعتبر علوان الحميد (40 عامًا) أن صيد “الطائر الحر” هواية “ممتعة”، إلى جانب كونها مصدرًا للرزق.

يمارس علوان هوايته مع مجموعة من الصيادين على دراجته النارية، ينطلقون مع شروق الشمس في كل يوم ويعودون في أوقات مختلفة من النهار، عادة ما تكون مع مغيب الشمس كلما انخفضت درجات الحرارة واقترب الشتاء.

علوان عبّر لعنب بلدي عن استمتاعه بهذه الرحلات، وقال إنه يدمنها، “نعيدها كل يوم، وأحيانًا ننام في البراري إذا كان هناك تبييت للطير الحر” (التبييت هو ترك الطائر بعد نزوله إلى الأرض عند الغروب دون إزعاجه كي لا يهرب في الظلام، وفي هذه الأثناء يبقى الصيادون على مقربة منه منتظرين شروق الشمس لرمي الطعم له).

الصياد يجب أن يتمتع بالصبر والقدرة على المراقبة لفترات طويلة، وأن يكون على معرفة بسلوك “الطير الحر”، وما الأماكن التي يفضّل أن يقصدها خلال رحلة هجرته، والوقت المناسب لرمي الطعم، والتحلي بالهدوء حين الإمساك بالطير كي لا يؤذيه أو يؤذي نفسه، أوضح علوان.

ويفضّل “الطير الحر” المساحات الواسعة الخالية من البشر والبعيدة عن المدن والضوضاء، وبشكل خاص البادية، وقد يتسبب عدم الهدوء بعد إمساكه أو تعرضه لإصابة ما بخسارة في سعره.

من أين يأتي “الطير الحر”

عبد الباري حسون (49 عامًا)، يصف نفسه بأنه على دراية وخبرة في “القنيص” وأنواع “الطير الحر”، قال لعنب بلدي، إن هذه الطيور تأتي مع اقتراب حلول فصل الشتاء من المناطق الباردة في روسيا وتركيا شمالًا، نحو المناطق الدافئة جنوبًا في رحلة تقطع خلالها آلاف الكيلومترات.

وتكون الأجواء السورية من مناطق عبورها، ولا سيما منطقة الجزيرة السورية، حيث ينتظرها الصيادون على مسار هجرتها في هذا الوقت من كل عام، ويصطادون منها إذا حالفهم الحظ، في حين تكمل بقية الطيور طريقها نحو الجنوب الدافئ، وهي تتحرك بشكل فردي على خلاف جماعات وأسراب الطيور الأخرى.

ويختلف سعر الطير بحسب عمره وحجمه ولونه، فهناك الأسود والأشقر والأبيض والأحمر، وكلما كان حجمه أكبر ويغلب عليه اللون الأبيض كان أغلى ثمنًا، بحسب عبد الباري، وقد تصل أسعار بعض الطيور إلى مئات آلاف الدولارات، يشتريها بشكل رئيس مواطنون يقيمون في دول الخليج العربي عبر وسطاء محليين.

وأضاف عبد الباري أن لهذه الهواية الأصيلة أعرافًا وعادات يعرفها الصيادون، منها أن ما يحيط بمكان مبيت الصياد بمسافة كيلومتر واحد تقريبًا يعتبر “حرم منطقة صيد خاصة به”، فلا يجوز لصياد آخر أن يبيت بالقرب من صياد آخر أقل من هذه المسافة، بالإضافة إلى أن ثمن “الطير الحر” يوزع على كل من اشترك في عملية الصيد حتى وإن كانوا “100 صياد”.

ورصدت عنب بلدي عشرات الصفحات في “فيس بوك”، تنشط في منطقة الجزيرة السورية، يجتمع فيها هواة الصيد ويتبادلون من خلالها مهارتهم وخبراتهم ويومياتهم في رحلة البحث عن “الطائر الحر”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع