تعا تفرج
حوار طرشان دون سماعات أذن
خطيب بدلة
خلال الأسبوع المقبل سأكون، أنا محسوبكم، في مركز السماعات الطبية بمكان إقامتي الألمانية، لتركيب سماعتين مضادتين لثقل السمع الذي بدأ عندي في سن السبعين، مع أنه يصيب الإنسان، عادة، في سن الثمانين، بدليل قول الشاعر عوف الخزاعي:
إن الثمانين -وبُلِّغْتَها- قد أحوجتْ سمعي إلى ترجمانِ
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إخوتنا الألمان، الله يكثر أمثالهم، لا عمل لهم غير صيانة شرايين قلوبنا، نحن اللاجئين الختايرة، وتخفيض السكر في دمائنا، وتركيب نظارات طبية وعدسات لمن جعلهم تناول الزيت النباتي في سوريا يرون الـ”شيش بيش”، وأورثهم الخوف من المخابرات تكلسًا في الركبتين، وأوجاعًا في الكليتين، وتشنجات في الكولون.
بمجرد ما حصلت على موعد تركيب السماعات، تذكرت صديقي الظريف “أبو النور” الذي بدأ عنده “الطرش” في سن الأربعين، ووفقه الله تعالى، يومئذ، بسماعة طبية أصلية، ذات حجم كبير، بطارياتُها أحسن من بطاريات “بو نايف بو مالحة” في مسلسل “الخربة”، فكان يمشي في شوارع إدلب، ويتمختر بقامته الطويلة، وتبدو السماعة وكأنها الشيء الأبرز في شخصيته.
كان “أبو النور” يحكي لنا، كلما التقيناه، طرائف جرت معه، بطلتُها الرئيسة السماعة، منها أن نظام الأسد، كما تعلمون، يرفع شعارات كاذبة من قبيل “الخبز للجميع”، و”سعر الخبز خط أحمر”، ولكنه لا يتيح لأي مواطن الحصول على ربطة خبز دون هياط ومياط، وتدافع، وترافس، وسباب على الشقيقات والأمهات، أو أن يدفع ثمن الربطة مضاعفًا للمتاجرين بقوت الشعب، وهذا ما كان يفعله “أبو النور”، فيذهب إلى رجل كان يسند ظهره، في السابعة صباحًا، إلى الجدار الغربي لصالة الخضار والفواكه الحكومية، مقابل المجمع الاستهلاكي، ويقبض من كل “مكتتب” ثلاثين ليرة ثمن الربطة المسعرة رسميًا بـ15 ليرة، ويطلب من السادة المكتتبين أن يعودوا إلى نفس المكان، في تمام الساعة التاسعة، ليتسلّموا خبزهم، والغريب في الأمر أن الرجل كان يقبض من “أبو النور” النقود، ويكتب شيئًا ما على ورقته، وعندما يأتي يناوله ربطته دون مشكلات، ما أوحى له أنه هذا الرجل يعرفه، وفي إحدى المرات، أحب أن يتأكد، اقترب من الورقة، فدُهش حينما رأى في حقل الاسم عبارة “الأطرش أبو سماعة”، فضحك وسأله: وهل يوجد طرشان دون سماعات؟ فصفر بفمه وقال: يا ساتر. صدقني أن أكثر الطرشان في هذه البلاد بلا سماعات.
إذا أنت، عزيزي القارئ، دخلت إلى عالم “السوشيال ميديا”، في هذه الأيام، ستذهلك كثرة الطرشان بلا سماعات الذين يكتبون ما يخطر في بالهم على مبدأ “الكف لمن سطره”. واحد يقول لك إن نظام الأسد سوف يسقط في غضون أيام، والثاني يحمّلنا، نحن المسلمين، مسؤولية فشل الثورة لأننا مبتعدون عن ديننا، وثالث يسب على الغرب عديم الأخلاق الذي أخذ أبناءنا ليشغلهم عنده، ويستغلهم، وإذا كتبتَ ضد الطائفية يرد عليك رابع بأن نظام الأسد طائفي، يستعين بميليشيات شيعية، وإذا ذكّرت حضرتَه بوجود تنظيمات إرهابية سنية أيضًا، يغيّر الحديث، أو يلجأ إلى تمييع الموضوع قائلًا: الله يفرج!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :