إبراهيم العلوش
تستعد الولايات المتحدة الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهو نفس الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما عام 2015، وأطلق فيه يد إيران لتدمير سوريا، وإذا كان العالم خائفًا من القنبلة النووية الإيرانية المتوقعة، فإن السوريين قد أصابهم من الإيرانيين ما هو أكبر من قنابل هيروشيما وناغازاكي.
السوري اليوم يعيش جائعًا، مهجّرًا، والدولة السورية تعيش رهينة لنظام تابع للإيرانيين والروس، أو في مخيمات تتقاسم دول العالم السيطرة عليها عبر الجمعيات والتنظيمات المختلفة، وقد يكون رأي السوري غير مهم، ولا يؤثر على استراتيجيات الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني، ولكن وضعه المأساوي مثال حي على الممارسات الفاشية لنظام الملالي، وتعبير عن مستقبل المنطقة في ظل هيمنة ما يدعى محور الممانعة.
ينثر هذا المحور غبار التحرير والمقاومة، بينما هو في الواقع ينشر الإرهاب والتهجير الجماعي، ويقونن إذلال النساء وتزويجهن من عمر التاسعة، ويحارب الأقليات الدينية على ترابه من بهائيين، وسنة، ومسيحيين، وكذلك الأقليات القومية من عرب وكرد، وأرمن، ويعتقل المثقفين والفنانين. وما حملة اعتقال مجموعة من المخرجين السينمائيين في الأسابيع الماضية إلا موجة من مئات موجات الاعتقال وتكميم الأفواه.
النظام الإيراني بممارساته لا يختلف من بعيد أو من قريب عن نظام “طالبان” أو عن “دولة داعش”، ويكاد أن يكون الإرهاب، وزعزعة الاستقرار، والهيمنة على الناس، هي الأهداف الوحيدة لمثل تلك المنظومات، التي تتستر بالدين لتمويه أهدافها العنيفة.
العودة إلى الاتفاق مع إيران تعني إعادة تمويل نظام الملالي وميليشياته بمليارات الدولارات سنويًا، فـ”الحرس الثوري الإيراني” يتمول من واردات البترول التي ستفلت من الرقابة الدولية بعد إعادة إبرام الاتفاق، وهو ما سيعزز سياسة الإبادة الجماعية ضد السوريين ضمن مخططات إيران الرامية إلى تحويل سوريا إلى مستوطنة متقدمة للميليشيات الطائفية، التي تعشش في دمشق وريفها، وفي وحلب وحمص ومصياف ووادي الفرات، مستفيدة من حالة الجوع والضياع في إجبار السوريين على الانضمام إلى ميليشياتها وإلى مدارسها الطائفية المحمية بالطائرات الروسية.
المحاولات الإسرائيلية لردع الوجود الإيراني في سوريا تبدو حتى الآن مجرد تهويش، وتخويف، ما دامت إسرائيل مستمرة في التحالف مع نظام الأسد، وتؤكد استمراريته، وتتوسط له في كواليس المؤتمرات والمفاوضات الدولية للاستمرار في نهجه ضد السوريين، متناسية أنه هو من جلب الإيرانيين إلى سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما وقف حافظ الأسد إلى جانب إيران في حربها ضد العراق 1980- 1988.
كانت إسرائيل تعتقد أن وظيفة إيران ستقتصر على إضعاف سوريا وتهجير شعبها، لتتخلص من الكثافة السكانية العربية في محيطها، وكانت إيران تقدم نفس الخدمات التي قدمتها في العراق بتدمير الحياة، وتهجير الناس، ما داموا يطالبون بحقوقهم وبكرامتهم، ولكن إيران هجّرت الشعب السوري، وجلبت ميليشياتها، ووسعت وجود “حزب الله” (إيراني الولاء)، واحتلت نقاطًا عسكرية مهمة.
التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني قد يكون حلًا جزئيًا لأزمتي النفط والغاز اللتين تسببت بهما حرب بوتين ضد الشعب الأوكراني، وهو حل آني، ولكنه سيتسبب بالمزيد من التمزيق للشعب السوري، وسينمو الوجود الإيراني في سوريا أكثر، وستكون الطائرات الروسية أكثر حماسة لحماية هذا الوجود نكاية بالغرب، وتحت شعارات عدائها لكل ما هو غربي، وهو ما ينسجم مع الشعارات الإيرانية المعلَنة والنيات الحقيقية لنظام الملالي.
لن يكون الاتفاق النووي الإيراني حلًا يجلب السلام لسوريا، فإيران التي تحرّض على الإرهاب في المنطقة، ستكون سعيدة بعودة التمويل السخي لها، وسيطول عذابنا نحن السوريين بعد إعادة الاتفاق النووي مع دولة الملالي، الذي يعتبر تمويلًا علنيًا للإرهاب الإيراني.
نعارض هذا الاتفاق، رغم كل ظروفنا الصعبة، لأنه سيجلب المزيد من الأموال لنظام الأسد ومنظومته المخابراتية، وكذلك للميليشيات الطائفية الإيرانية التي تشاركه في ارتكاب الجرائم ضد السوريين.