منعت روسيا في وقت متأخر من مساء أمس، الجمعة 26 من آب، الاتفاق على الوثيقة النهائية لمعاهدة الأمم المتحدة، التي تعتبر المعول الوحيد لنزع السلاح النووي.
وقال نائب مدير إدارة منع الانتشار والحد من الأسلحة بوزارة الخارجية الروسية، إيغور فيشنفيتسكي، “لسوء الحظ لا يوجد إجماع على هذه الوثيقة”.
وأصر على أن العديد من الدول، وليست روسيا فقط، لم توافق على “مجموعة كاملة من القضايا” في المسودة الأخيرة المكونة من 36 صفحة، وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس“.
وكانت الوثيقة النهائية بحاجة إلى موافقة جميع الدول المشاركة في المؤتمر، الذي يستعرض معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية منذ 50 عامًا، بهدف تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية.
تعقد الأمم المتحدة، المؤتمر، لمراجعة المعاهدة كل خمس سنوات، وتمثل العرقلة الروسية، الفشل الثاني للدول الأطراف البالغ عددهم 191 دولة في إصدار وثيقة ختامية، بعد تأجيل المؤتمر لعام 2020 بسبب جائحة “كورونا” (كوفيد-19).
وانتهى مؤتمر المراجعة الأخير عام 2015، دون اتفاق بسبب الخلافات حول إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
نووي روسي متأهب
كانت مسألة “منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط” قائمة في المؤتمر أمس، لكنها لم تكن العثرة، مقابل قضية “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وعودة التصعيد بالخطاب النووي، التي غيرت آليات التعاطي مع التهديدات.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وضع الرادع النووي، في حالة تأهب قصوى، بعد ثلاثة أيام من “الغزو” في 27 من شباط الماضي.
كما حذر من العواقب التي قد تكون “مثلما لم ترها في تاريخك بأكمله” على البلدان التي وقفت في طريق روسيا، بحسب تعبيره.
وبعد فشل المؤتمر في اعتماد الوثيقة، تحدثت عشرات الدول للتعبير عن آرائها.
وأعربت إندونيسيا، التي تحدثت نيابة عن حركة “عدم الانحياز” وتضم 120 دولة نامية، عن خيبة أملها، ووصفت الوثيقة النهائية بأنها “ذات أهمية قصوى”.
وأكد سفير فرنسا في مؤتمر نزع السلاح في جنيف، نيابة عن 56 دولة من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، دعمه الثابت لأوكرانيا.
واستنكر “خطاب روسيا النووي الخطير وأفعالها وتصريحاتها الاستفزازية بشأن رفع مستوى التأهب النووي”.
من جهته، قال نائب رئيس الوفد الروسي، أندريه بيلوسوف، إن المؤتمر أصبح “رهينة سياسية” للبلدان التي “تسمم المناقشات” بلغة سياسية حول أوكرانيا، وكانت مصممة على “تسوية الحسابات مع روسيا من خلال إثارة قضايا لا تتعلق مباشرة بـ”معاهدة”.
معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية
تعد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية معاهدة دولية تاريخية تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا الأسلحة، وتعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتعزيز هدف تحقيق نزع السلاح النووي ونزع السلاح العام والكامل.
تمثّل المعاهدة الاتفاق الوحيد الملزم في معاهدة متعددة الأطراف بهدف نزع السلاح من جانب الدول التي تملك أسلحة النووية، وأُتيحت للتوقيع عام 1968، ودخلت حيز التنفيذ عام 1970.
انضمت حينها دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، ولم توقع الهند وباكستان وإسرائيل، بينما تراجعت عنها كوريا الشمالية عام 2003، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
اعترفت المعاهدة بحيازة الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين فقط للسلاح النووي، الذي اختبرته قبل المعاهدة.
ونصت المعاهدة على أن هذه الدول لن تحتفظ بترساناتها للأبد، وفي 11 من أيار 1995، مُددت المعاهدة إلى أجل غير مسمى.
انضم ما مجموعه 191 دولة إلى المعاهدة، بما في ذلك الدول الخمس التي تملك أسلحة النووية.
وصدّق على المعاهدة عدد أكبر من الدول، أكثر من أي اتفاقية أخرى للحد من الأسلحة، ما يدل على أهميتها، وفقًا لـ”مكتب شؤون نزع السلاح” التابع للأمم المتحدة.
الترسانة النووية
شهدت الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تمتلكان 90% من الأسلحة الذرية في العالم، انخفاضًا في مخزوناتهما عام 2021، بسبب تفكيك بعض الرؤوس الحربية القديمة.
ولا تزال مخزونات البلدين العسكرية الصالحة للاستخدام، مستقرة نسبيًا وضمن الحدود التي حددتها معاهدة الحد من الأسلحة النووية.
وتطور دول نووية أخرى مثل: بريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، أنظمة أسلحة جديدة، أو أعلنت عزمها على القيام بذلك، في حين لم تعترف إسرائيل علنًا بامتلاكها مثل هذه الأسلحة.
تمتلك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم بإجمالي خمسة آلاف و977 رأسًا نوويًا، أي أكثر بنحو 550 من الولايات المتحدة، ويشكلان معًا 90% من الرؤوس الحربية في العالم.
بينما تقع الصين في منتصف عملية توسع بما يقدّر بأكثر من 300 صومعة صواريخ جديدة، وفقًا لمعهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI).
انخفض العدد العالمي للرؤوس الحربية النووية إلى 12 ألفًا و705 في كانون الثاني الماضي، من 13 ألفًا و80 في كانون الثاني 2021، ونُشر ما يقدّر بثلاثة آلاف و732 رأسًا حربيًا مع الصواريخ والطائرات.
واحتفظت روسيا والولايات المتحدة، بحوالي ألفين رأسًا حربيًا، في حالة استعداد عالية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء “رويترز“.