بين إيران وأمريكا.. ما تداعيات التصعيد العسكري في سوريا
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن ردها على هجمات صاروخية استهدفت قاعدتي “كونيكو” و”الخضراء” بشمال شرقي سوريا، في حين ردت القوات الأمريكية بقصف دمر ثلاث سيارات ومنصات إطلاق صواريخ لميليشيات مدعومة من إيران في دير الزور.
وبدأت الهجمات على قاعدة “كونيكو” في 25 من آب الحالي، بعدة صواريخ “داخل القاعدة”، تبعتها هجمات مماثلة قرب القاعدة “الخضراء”، بحسب بيان القيادة الأمريكية الذي نوهت فيه إلى أنها لا تحاول التصعيد ضد إيران.
وفي اليوم نفسه، نشرت شبكة “فرات بوست” المحلية تسجيلًا مصوّرًا قالت إنه لاستهداف مقر ميليشيا تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” بالقرب من مدرسة “عبد المنعم رياض” في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي.
تكرار القصف المتبادل بين الطرفين ليومين على التوالي، أخذ منحى التصعيد العسكري المحتمل مع أنه اقتصر على استهدافات محدودة لم تُخلّف خسائر كبيرة للطرفين، بحسب المعلومات الأولية.
استمرار التصعيد العسكري بين الطرفين في دير الزور، تزامن مع قصف آخر بالطائرات المسيّرة استهدف قاعدة “التنف” الأمريكية جنوب شرقي سوريا، ما يثير التساؤل حول مدى احتمالية تطور هذا التصعيد.
التداعيات المحتملة
الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن المنطقة مرشحة لمزيد من التصعيد على مستوى جميع الأطراف، خاصة بعد أن باتت الردود على الهجمات المتبادلة ميدانية ودون سابق إنذار.
وأضاف لعنب بلدي أن احتمالية أن تشهد المنطقة توسيعًا لنطاق الاستهدافات لتشمل أهدافًا جديدة قد ترتفع مع الوقت.
ولن تقتصر الأهداف بالنسبة للولايات المتحدة على الثابتة فقط، بل قد تتوسع لتشمل أهدافًا متحركة ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيّرات.
بالمقابل، قد تلجأ طهران إلى تحريك مجموعة من قطاعاتها العسكرية لاستهداف المصالح الأمريكية شمال شرقي سوريا، تقابله تحركات للطائرات المقاتلة الأمريكية للرد على مراكز ومنصات الإطلاق، وهو ما يعقّد المشهد تدريجيًا، خاصة أن إيران استخدمت لأول مرة منصات إطلاق صواريخ “الكاتيوشا” في مناطق يوجد فيها مدنيون، ضمن نطاق سيطرة هذه الميليشيات، بحسب ما ذكره بيان القيادة المركزية الأمريكية.
وأشار البيان إلى أن سلاح الجو الأمريكي رصد 11 هدفًا لتنفيذ ضربات جوية، إلا أنه نفذ تسع ضربات جوية، بسبب وجود تحركات لمدنيين ضمن نطاق الأهداف المتبقية.
توسيع نطاق الاستهداف؟
توسيع نطاق الاشتباك الإيراني مع القوات الأمريكية في سوريا جاء بعد 15 من آب الحالي، إذ استهدفت مسيّرات إيرانية قاعدة عسكرية تتبع للتحالف الدولي في منطقة التنف جنوب شرقي سوريا.
التحالف الدولي من جانبه قال تعليقًا على الاستهداف، إن قواته ردت باعتراض طائرات مسيّرة “بالاشتراك مع حلفائنا (جيش مغاوير الثورة)”، في حين انفجرت أخرى داخل “مجمع سكني” تابع لـ”مغاوير الثورة”.
مصطفى النعيمي اعتبر أن هذا التصعيد جاء في إطار واضح لتوسيع نطاق الاشتباك، رغم التحذيرات الأمريكية المستمرة من “مغبة الإقدام على استفزاز الولايات المتحدة”.
وأضاف أن “نطاق الاستهدافات الأمريكية” سيتوسع وفقًا لحجم التصعيد الإيراني، والمؤشرات الأولية تدل على أن إيران ستبقى ترد على المصالح الأمريكية في سوريا، وربما تنتقل إلى العراق، ما قد يسهم في عملية تشتيت للجهود المبذولة في “مكافحة الإرهاب”، إذ ما زالت الولايات المتحدة متمسكة بتصنيف “الحرس الثوري” منظمة إرهابية، لتأمين الشرعية الكاملة في استهداف تحركاتها مرورًا بمياه الخليج العربي وصولًا إلى المواني السورية، بحسب النعيمي.
إيران ودير الزور
تعتبر الميليشيات الإيرانية مجموعات مقاتلة يشكّل المقاتلون المحليون أغلبية عناصرها، لكنها تتبع بشكل مباشر لـ”الحرس الثوري الإيراني”، المُشكّل في إيران عقب “الثورة الإسلامية الإيرانية”، وتتركز نواة هذه الميليشيات في سوريا بمحافظة دير الزور.
يقود هذه الميليشيات بشكل عام ضابط إيراني الجنسية يُلقب بـ”الحاج مهدي”، ويقودها في مدينة الميادين وريفها قيادي آخر يُلقب بـ“الحاج حسين”، وفي البوكمال وما حولها “الحاج عسكر”.
في حين تعود القيادة المركزية لهذه الميليشيات إلى السفارة الإيرانية في دمشق، حيث يقيم “الحاج يونس”، وهو المسؤول عن جميع أعمال إيران الاستخباراتية والعسكرية في سوريا.
وتضم محافظة دير الزور أهم القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، كالتي أنشأها القائد السابق لـ”فيلق “القدس الإيراني” تحت اسم قاعدة “الإمام علي” أو قاعدة “عين الزمان”.
الباحث مصطفى النعيمي قال، إن إيران جهزت هذه القواعد بمستودعات داخل جبال وأنفاق، إضافة إلى استخدامها في عمليات تدريب مقاتلي الميليشيات، وتقديم الدعم اللوجستي.
في حين لا ترغب طهران، وتحديدًا زعيم “فيلق القدس”، إسماعيل قاآني، بتوجيه الميليشيا لتوسيع نطاق الهجمات، وتريد حصرها بالجغرافيا السورية فقط، وهو ما سيركز الاستهدافات الأمريكية لهذه المجموعات.
لكن على الطرف الآخر، يرى النعيمي أن سياسة “التصعيد التدريجي” المُتبعة من قبل أمريكا، ستسفر عن المزيد من الاستهدافات لتلك الميليشيات وتحركاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن محافظة دير الزور ضمن نطاق مناطق النفوذ الروسية.
ونظرًا إلى التنسيق الموجود بين الأمريكيين والروس في سوريا فيما يتعلق بـ”تجنب الصدام بين الطرفين”، ستلجأ إيران إلى تعزيز وحدات دفاعاتها الجوية، سواء من قطعات النظام العسكرية أو حتى عبر استجلاب منظومات “خرداد” من إيران، مع العلم أن إيران سبق وحاولت نصب إحدى هذه المنظومات، لكنها استُهدفت بغارات إسرائيلية حينها في ثلاث مناطق بدير الزور وكذلك حلب، إضافة إلى حماة، بحسب النعيمي.
سجال تصريحات
في 26 من آب الحالي، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في رسالة إلى رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إن الضربات الجوية التي وجهتها واشنطن لأهداف مرتبطة بإيران في سوريا هذا الأسبوع، جاءت لـ”حماية الأفراد الأمريكيين والدفاع عنهم، وعرقلة سلسلة هجمات على الولايات المتحدة وشركائها”.
وأكدت القيادة المركزية الأمريكية، في اليوم نفسه، مقتل أربعة مسلحين موالين لإيران جراء الرد الأمريكي على استهداف موقعين أمريكيين شمال شرقي سوريا.
بينما نفى من جانبه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر کنعاني، أن تكون أمريكا استهدفت مواقع على صلة بإيران في سوريا.
وبحسب ما نقله الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الإيرانية، فإن المناطق التي طالها قصف أمريكي شرقي سوريا غير مرتبطة بإيران، و”تستهدف البنیة التحتیة فی سوریا”.
وأضاف کنعاني أن استمرار وجود القوات الأمريكية في أجزاء من أراضي سوریا، “مخالف للقوانين الدولية وانتهاك للسيادة الوطنية فيها”.
بينما لم يعلّق النظام السوري عبر وسائل إعلامه الرسمية على الاستهداف الأخير حتى لحظة تحرير هذا الخبر، باستثناء ما أوردته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) عن هجوم بالقذائف الصاروخية، استهدف قواعد أمريكية شرقي سوريا.
نظرة إلى السياق
في 25 من آب الحالي، شهدت محافظة دير الزور قصفًا متبادلًا بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وميليشيات موالية لـ”الحرس الثوري الإيراني“.
سبقه بعدة أيام استهداف طائرات مسيّرة مجهولة قاعدة التحالف الدولي في منطقة التنف بريف حمص الشرقي، دون معلومات عن أضرار خلّفها الاستهداف، باستثناء بعض الأضرار المادية التي طالت مساكن عناصر “مغاوير الثورة”.
وفي اليوم نفسه، أعلن التحالف الدولي عن استهداف تعرضت له قاعدة عسكرية تتبع له في حقل “العمر” شرقي محافظة دير الزور، شمال شرقي سوريا.
وفي 5 من آب الحالي، قالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، إن “المقاتلات الروسية قضت على مجموعة من المسلحين الإرهابيين شرقي سوريا، تدربت على أيدي عناصر تابعين لقوات العمليات الخاصة الأمريكية”، بحسب ما نقلته قناة “روسيا اليوم“.
بينما ردت القوات الأمريكية على الاستهدافات بأوقات مختلفة، في حين استهدف الطيران الأمريكي مقار إيرانية في دير الزور دون سابق إنذار مطلع العام الحالي عدة مرات.
وفي 14 من حزيران الماضي، استهدفت طائرات مجهولة (يُرجح أنها تابعة للتحالف) مقرًا تابعًا لإحدى الميليشيات المدعومة من إيران في مدينة البوكمال، شرقي محافظة دير الزور، تبعه استنفار لقوات النظام في المنطقة.
قبل ذلك، في 21 من نيسان الماضي، استهدف طيران مجهول بعدة غارات جوية مواقع عسكرية تابعة لميليشيات موالية لـ”الحرس الثوري الإيراني” في مدينة البوكمال، شرقي محافظة دير الزور.
وقال موقع “نهر ميديا” المحلي حينها، إن طيرانًا مسيّرًا (درون) استمر في التحليق بأجواء المنطقة التي تعرضت للاستهداف، دون معرفة الجهة المسؤولة عنه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :