التصريحات التركية حول التقارب مع النظام السوري لا تزال ضبابية، ولم تتطرق لمصير مناطق النفوذ التركي شمالي سوريا، أو مصير فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا فيها، رغم تكرار تلك التصريحات على لسان وزير الخارجية ومسؤولين من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم عدة مرات، منذ مطلع آب الحالي.
تواتر التصريحات أثار تساؤلات حول ما إذا كانت تعكس تحولًا في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري، أم أنها خطاب موجه للشارع التركي في سياق الانتخابات الرئاسية المقبلة.
عنب بلدي قابلت رئيس مجلس تركمان سوريا السابق، المهندس سمير حافظ، وطرحت عليه التساؤلات المتعلقة باحتمالات تغير الموقف التركي، وأسباب وأبعاد تلك التصريحات.
موقف جديد “جذوره قديمة”
أحدث التصريحات التي سجلتها الدبلوماسية التركية على صعيد التقارب السياسي مع النظام السوري، جاء على لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إذ نفى وجود شروط مسبقة من قبل بلاده للحوار مع النظام السوري.
وقال جاويش أوغلو، في 23 من آب الحالي، إن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، غير مدعو إلى قمة دول منظمة “شنغهاي” المقرر عقدها في أيلول المقبل، نافيًا وجود تخطيط بين الحكومتين للقاء في “شنغهاي”، بحسب ما نقلته صحيفة “Yeni Şafak“ التركية.
وأضاف أن الحوار مع حكومة دمشق يجب أن يكون هدفًا بالنسبة لبلاده، مشيرًا إلى أن “وحدة الأراضي السورية، وحماية الحدود التركية، والعودة الآمنة للاجئين السوريين”، هي ما تسعى إليه بلاده.
المهندس سمير حافظ قال لعنب بلدي، إن الموقف التركي من التقارب مع النظام السوري لا يمكن اعتباره جديدًا، فهذا التوجه كان يبدو واضحًا منذ أكثر من عام، بشكل غير مباشر.
إلا أن هذا الحديث بدأ بالخروج على لسان سياسيين أتراك في الآونة الأخيرة، في وقت يجري التحضير فيه للانتخابات الرئاسية التركية.
لكن لا يمكن ربط الحدثين، بحسب حافظ، إذ اعتبر أن العلاقات بين الحكومة التركية والنظام السوري كانت ترتفع تدريجيًا خلال الآونة الأخيرة بوتيرة منخفضة.
اقرأ أيضًا: تصريحات المقداد حول تركيا.. عين على “السيادة” وأخرى على المكاسب
وفي 11 من آب الحالي، كشف وزير الخارجية التركي عن محادثة “قصيرة” أجراها مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” الذي عُقد في تشرين الأول 2021، بالعاصمة الصربية بلغراد.
تبع ذلك، في 19 من آب الحالي، حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أن هدف بلاده في سوريا ليس النصر على رئيس النظام السوري، وإنما “محاربة الإرهاب”.
ما الأسباب؟
تستهدف القوات العسكرية التركية مواقع لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، وهو ما تحاول تركيا اليوم إعادة الترويج له على أنه هدفها الوحيد من وجود قواتها في سوريا.
الحديث التركي عن التعاون مع النظام ضد “قسد”، تكرر خلال الآونة الأخيرة، رغم وجود تحالف عسكري على الصعيد الميداني بين “قسد” وقوات النظام ضد تركيا في الشمال السوري، إذ بات فهم هذه المسألة، وتوصيف العلاقة بين الأطراف الثلاثة، أمرًا بالغ الصعوبة.
سمير حافظ، اعتبر أن أسباب التقارب بين تركيا والنظام السوري اقتصادية وسياسية، أكثر من كونها تهدف لمكاسب عسكرية على حساب “قسد”.
وباتت اليوم روسيا أقل تأثيرًا في الملف السوري، بعد غرقها في المستنقع الأوكراني الذي تظهر على أنها “تورطت به”، بحسب حافظ، كما أن دور إيران تراجع تحت الضغط الدولي، ولأمريكا سياستها الخاصة في المنطقة، وما دفع تركيا لهذا التقارب هو نية إحداث تغيير في الملف السوري.
ما يفسر حاجة النظام، بدوره، لهذا التقارب، تردي الاقتصاد السوري اليوم، إذ يحقق له ذلك انفراجة على الصعيد الاقتصادي الذي يعاني تحت عقوبات قانون “قيصر”، بحسب حافظ.
وعلى الصعيد المحلي، اعتبر المهندس سمير حافظ أنه ليس من الصعب على تركيا استيعاب نحو أربعة ملايين لاجئ سوري يقيمون على أراضيها، لكنهم باتوا ورقة سياسية أمام الانتخابات المقبلة.
وفي الوقت نفسه، ليس من السهل على “العدالة والتنمية” خسارة انتخاباته بسبب ضغط اللاجئين السوريين.
ونظرًا إلى الأسباب السابقة، اعتبر حافظ أن سقف مطالب النظام التي كانت مرتفعة سابقًا انخفض اليوم، بالمقابل ارتفع سقف المطالب التركية في هذا الملف.
التقارب والانتخابات
يبدو ملحوظًا تصاعد الحديث عن اللاجئين السوريين مع اقتراب أي انتخابات تركية، سواء على صعيد الانتخابات الرئاسية أو حتى انتخابات البلديات، خلال السنوات الماضية.
وتعتبر قضية اللاجئين السوريين بالنسبة للمعارضة التركية الورقة الوحيدة التي تحاول استغلالها في الانتخابات المقبلة، لذلك فهي تقدم وعودًا بشكل متكرر للشارع التركي بترحيل السوريين حال وصولهم إلى السلطة.
هذا الحديث ارتفعت وتيرته مع التمهيد للحملات الانتخابية، لكن سياسة “العدالة والتنمية” اتجهت، مع بداية آب الحالي، إلى استمالة الشارع التركي بورقة اللاجئين نفسها، وهو ما دفع للسؤال عما إذا كان الموقف التركي هو تحولًا سياسيًا جديدًا، أم أنه مجرد تصريحات تصب في مجرى الحملات الانتخابية.
المهندس سمير حافظ قال لعنب بلدي، إن التفكير بهذه التصريحات على أنها في سياق الحملة الانتخابية فقط، هو تقليل من شأنها على الصعيدين السياسي والإقليمي، فهي تأتي على صعيد “حل لمشكلة اللجوء السوري الذي عانى حربًا أهلية طويلة خلّفت نزوحًا خارجيًا وداخليًا”.
وصار هذا الملف اليوم متعبًا بالنسبة للحكومة التركية وبالنسبة للسوريين أنفسهم، ممن باتوا لاجئين في دول عديدة وليس فقط في تركيا، حسب حافظ، معتبرًا أن الانتخابات التركية قد تكون ذات تأثير أساسي، وربما سرّعت في هذا التحول بالموقف، لكن في المحصلة ليست السبب الرئيس فيه.
عواقب التقارب
سمير حافظ اعتبر أن التقارب المتسارع بين تركيا والنظام السوري يواجه بدوره عوائق “كبيرة”، أبرزها من وصفهم بـ”أمراء الحرب”، وهم من قياديي فصائل “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه تركيا في الشمال السوري.
واعتاد هؤلاء “الأمراء” السيطرة والنفوذ والقوة، بحسب حافظ، فكيف من الممكن اليوم إقناعهم بالتنازل عن مناصبهم لمصلحة حل سياسي.
كما أن النظام اليوم يعاني المشكلة نفسها في مؤسساته الداخلية، فأصبح “زعماء الشبيحة” بدورهم “أمراء حرب” في مناطق نفوذ النظام السوري، ويشكّلون عائقًا أمام حلول النظام، بحسب سمير حافظ.
وعلى سبيل المثال، يؤوي النظام السوري، اليوم، معراج أورال، تركي الجنسية، والمطلوب لأنقرة بتهم عديدة، وهو بدوره أحد “أمراء الحرب” الذين يعاني النظام وجودهم إلى جانبه.
واعتبر أن وجود “أمراء الحرب” لدى الطرفين بحاجة إلى حل للوصول إلى اتفاق، لكن قبل كل شيء، تحتاج المفاوضات إلى “نية للتصالح لدى الطرفين”.
تصعيد لم يهدأ
في 16 من آب الحالي، وفي أوج الحديث عن تقارب تركي- سوري، قصف سلاح الجو التركي موقعًا عسكريًا لقوات النظام في مدينة عين العرب (كوباني) بثلاث غارات جوية، ما خلّف عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى.
وقالت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” (المسيطرة على المنطقة)، عبر “فيس بوك“، إن طائرة حربية تركية قصفت تلة جارقلي غربي مدينة كوباني، قُتل على إثرها 16 عنصرًا من قوات النظام السوري.
ونشرت الوكالة تسجيلًا لجنود من قوات النظام في أحد مستشفيات المنطقة.
تبع ذلك مقتل 15 مدنيًا، بينهم خمسة أطفال، وجرح أكثر من 30 شخصًا، بينهم 11 طفلًا على الأقل، بقصف استهدف مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، مصدره مناطق نفوذ “قسد” وقوات النظام السوري، بحسب “الدفاع المدني السوري“.
وبينما نفت “قسد” وقوف قواتها خلف الاستهداف على لسان مدير مركزها الإعلامي، فرهاد شامي، بحسب وكالة “هاوار” المقربة من “قسد”، اتهمت حسابات معارضة، مقربة من “الجيش الوطني”، قوات النظام بالوقوف خلف القصف، مشيرة إلى أنه انطلق من قاعدة مشتركة بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية في “رادار شعالة”، ضمن مناطق نفوذ “قسد”.
القصف جاء بعد ساعات من حديث وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عن خطة تركيا لإعادة اللاجئين السوريين إلى “المنطقة الآمنة”، خلال لقاء تلفزيوني على قناة “NTV” التركية.
وأشار الوزير إلى أنه بعد إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن خطوات تؤمّن عودة مليون شخص إلى مناطق جرابلس، واعزاز، والباب، وتل أبيض ورأس العين، بدأت جهات لم يُسمِّها بقصف تلك المناطق بقذائف الهاون.
–