ارتفعت خلال الأيام القليلة الماضية حدة الحديث في الوسط التركي عن إعادة اللاجئين السوريين، لكن ما يحصل على الجانب الآخر من الحدود لا يزال عاملًا يدفع بالسوريين إلى تركيا عبر طرق التهريب.
فرغم التضييق المتوقع داخل تركيا وصعوبة الطريق، إذ يعتبر الموت احتمالًا واردًا خلال الرحلة غير القانونية باتجاه الأراضي التركية، تشهد الحدود محاولات عدة للعبور.
تيم المحمود (23 عامًا)، روى لعنب بلدي قصته مع رحلة طويلة من الشمال السوري إلى الجنوب التركي حيث يستقر الآن، رحلة تجاوزت تكلفتها ألفي دولار أمريكي، وحملت ما حملته من المخاطر في سبيل الوصول.
تيم قال لعنب بلدي، إن الطريق تخللته صعوبات كثيرة، إذ ألقي القبض عليه من قبل حرس الحدود التركي أكثر من مرة، تعرض خلالها للضرب المبرح بشكل متكرر، ثم رُمي به داخل الأراضي السورية.
ما يؤلم أكثر من الضرب، بحسب تيم، أن إعادته إلى سوريا كانت تجري قبل وصوله إلى وجهته ببضع مئات من الأمتار.
طريق الدولار
لا يتورع المهربون عن استخدام أي وسيلة في سبيل الحصول على الأموال، خصوصًا أن آلاف السوريين يبحثون عن بدائل للعيش خارج حدود البلاد، إذ يجد المهربون فيهم “كنزًا لا يجب إضاعته”، وفق ما قاله يوسف البرهوم (33 عامًا) لعنب بلدي.
يوسف لم يجد عملًا في ظل غياب الفرص شمال غربي سوريا، ويعيش على ما يمكن أن يحصل عليه من معونات شهرية مع أسرته المكوّنة من زوجته وثلاثة أبناء، رغم أنه لا يمتنع عن العمل بأي مجال ولو كان شاقًا وبأجر متدنٍّ، على حد قوله.
تكلفة العبور إلى تركيا عن طريق التهريب تتراوح بين 800 و2000 دولار أمريكي، إضافة إلى 100 دولار يدفعها الراغبون بعبور الحدود لـ”هيئة تحرير الشام”، كونها صاحبة النفوذ في الجانب السوري، بحسب يوسف.
وأضاف أنه دفع للمهربين 800 دولار دون أن يتمكن من دخول الأراضي التركية رغم تكرار المحاولة وتعرضه لإطلاق النار المباشر عليه من قبل حرس الحدود، ليعود أدراجه باتجاه المخيمات في بلدة قاح حيث يقيم مع عائلته منذ أكثر من أربع سنوات.
آلاف الدولارات تُدفع لمهربين جمعوا ثروات طائلة على مدى السنوات الماضية، بعضهم يتعامل مع فصائل مسلحة بمختلف المناطق السورية وعلى اختلاف مناطق السيطرة لكي تسهل عليه الانتقال إلى وجهته.
أحد المهربين عرف عن نفسه باسم “لامع ملحم”، يبلغ من العمر 40 عامًا، قال لعنب بلدي، إن تكلفة التهريب من إدلب إلى اسطنبول تبلغ 4000 دولار لما يقول إنه “سفر بإذن” (باتفاقية بين المهرب وحرس الحدود).
بينما تبع تكلفة التهريب العادي 3000 دولار، أما ما يُعرف بـ”الخط العسكري” (خط لعبور فصائل المعارضة بتنسيق مع الحكومة التركية) فتبلغ تكلفته حوالي 4200 دولار، بحسب “لامع”.
وأكد أن منطقة حارم تُعتبر أفضل مكان للتهريب لقربها من مدينة الريحانية التركية، بينما تعتبر مناطق شمالي حلب أكثر صعوبة، بسبب طبيعة المنطقة الجبلية وانتشار الأحراش بكثرة فيها.
وشرح “لامع” أن عمليات التهريب تُنظم عبر سماسرة، يتاجرون بالناس ويستغلون قلة خبرتهم ومعلوماتهم عن طرق التهريب.
ويقدم السمسار معلومات غير حقيقية عن الطريق للزبون مقابل مبالغ كبيرة، ليجد المسافر نفسه لاحقًا ضحية غش واحتيال من قبل المهربين، حين يقع في أيدي حرس الحدود التركي، ويُعاد إلى الأراضي السورية.
الفقر سبب
مطلع العام الحالي، قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، إن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة هذا العام، بزيادة 9% على عام 2021، وزيادة بنسبة 32% على عام 2020، بحسب الموقع الرسمي لـ”الأمم المتحدة“.
وأضافت، “لا يمكن أن تكون هذه استراتيجيتنا”، موضحة أن سوريا الآن تحتل المرتبة الأولى بين الدول العشر الأكثر انعدامًا للأمن الغذائي على مستوى العالم، حيث يعاني 12 مليون شخص من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء.
وتواصل أسعار الغذاء الارتفاع، وسط تدهور للوضع الاقتصادي في البلاد، ما زاد معاناة الناس من الجوع، إذ تضاعفت تكلفة إطعام أسرة مكوّنة من خمسة أفراد بالمواد الأساسية خلال العام الماضي.
سوريون ممن قابلتهم عنب بلدي، ممن توجهوا إلى تركيا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، قالوا إن الوضع الاقتصادي في الداخل السوري كان الدافع الأول للانتقال، رغم ما يعانيه السوريون في تركيا من انتهاكات.
تيم المحمود بحث طويلًا عن عمل في مدينة إدلب دون جدوى، بحسب ما قاله لعنب بلدي، بينما كان عمله في “المياومة” غير كافٍ لتأمين الحد الأدنى من المعيشة الكريمة.
وأضاف أن “الفقر الخانق وقلة الفرص سيد الموقف”، فكان الحل البديل لوضعه المعيشي ووضع عائلته هو السفر بحثًا عن فرصة أخرى.
الحدود مغلقة وموجة ترحيل
على الجانب الآخر من الحدود، تتزايد التحركات التركية للتخفيف من “عبء” اللاجئين السوريين، إذ تقول الحكومة إن خطتها إعادة مليون لاجئ على الأقل إلى ما تصفها بـ”المناطق الآمنة” في الشمال السوري.
وفي 24 من نيسان الماضي، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إن بلاده استكملت بناء جدار بطول 837 كيلومترًا على الحدود مع سوريا.
وأضاف خلال جولة تفقدية على حدود بلاده مع إيران، في ولاية وان، أن تركيا استكملت حتى الآن بناء جدار بطول 1028 كيلومترًا على الحدود مع كل من سوريا وإيران.
وأوضح أن بلاده تهدف للانتهاء من بناء الجدار الحدودي على طول الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية، بحلول عام 2023، مع تزويده بتدابير أمنية إضافية مثل كاميرات وأبراج المراقبة.
وتشهد الحدود السورية- التركية نشاطًا لعمليات التهريب، ما جعل الحكومة التركية تبدأ ببناء الجدار الأسمنتي على طول الحدود مع سوريا منذ أواخر عام 2015، بهدف منع عمليات التهريب والدخول غير القانوني إلى البلاد.
وتستخدم تركيا في مراقبة الحدود كاميرات وأنظمة استشعار حرارية وأنظمة إضاءة، جرى تركيبها على طول 153 كيلومترًا من الحدود التركية المشتركة مع كل من إيران وسوريا في ولايات آغري وإيغدير شرقي البلاد، وهاتاي وشانلي أورفا في الجنوب.
ومُنع نحو 451 ألف مهاجر غير نظامي من دخول تركيا عام 2021، كما بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذين مُنعوا من دخول تركيا في العام الحالي نحو 127 ألف شخص، بحسب بيان نقلته صحيفة “Hurriyet” عن إدارة الهجرة التركية في نيسان الماضي.
شارك في إعداد هذه المادة مراسلة عنب بلدي في إدلب هدى الكليب
–