بـ”حجاج عسكريين” يرتبطون بالسفارة الإيرانية في دمشق، ويقودون ميليشيات مسلحة، تدير طهران تغلغلها العسكري في شمال شرقي سوريا، وهو ما يقابَل برفض على الأرض.
الحضور الأخير.. في الحسكة
استفاقت مدينة الحسكة صباح اليوم، الاثنين 22 من آب، على منشورات وصور أُلصقت على الجدران مناهضة لـ”حزب الله” اللبناني، الرديف لقوات النظام السوري، ومعارضة للوجود الإيراني في الحسكة.
وأفاد مراسل عنب بلدي في الحسكة، أن المنشورات وُزعت على الجدران في أحياء المطار والمحطة، وشوارع “الماركات”، و”الجامع الكبير”، وبالقرب من فرع حزب “البعث” وسط مدينة الحسكة.
وظهر في المنشورات أن نشاطات وانتهاكات الميليشيات الإيرانية “تشكّل تهديدًا” للنسيج الاجتماعي والعشائري في الحسكة، كما وصفت وجود هذه الميليشيات بـ”مساعي إيران لإحداث تغييرات اجتماعية من أجل إضعاف عشائر الحسكة وسهولة السيطرة عليها”.
منشورات أخرى نوهت إلى استغلال إيران للوضع الاقتصادي لتجنيد شباب الحسكة لمصلحتها، ولـ”خدمة المشروع الإيراني فيها”، مشيرة إلى ضرورة تكاتف عشائر الحسكة لمواجهة هذه الأنشطة، و”التمسك بقيم ثورة السوريين الداعية لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية”.
توزيع هذه المنشورات تزامن مع ارتفاع وتيرة نشاط تلك الميليشيات في الحسكة، إذ افتتحت عدة مقرات عسكرية لها، كما تستمر بالعمل على تجنيد واستقطاب مقاتلي “الدفاع الوطني” في الحسكة للعمل لمصلحتها.
المنشورات سبق أن أُلصقت أيضًا على جدران المربع الأمني في الحسكة، نهاية حزيران الماضي، وحملت صورًا للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، مرفقة بعبارة مناهضة للحزب.
“حجاج عسكريون”
تعتبر الميليشيات الإيرانية مجموعات مقاتلة يشكّل المقاتلون المحليون أغلبية عناصرها، لكنها تتبع بشكل مباشر لـ”الحرس الثوري الإيراني”، المُشكّل في إيران عقب “الثورة الإسلامية الإيرانية”، وتتركز نواة هذه الميليشيات في سوريا بمحافظة دير الزور.
وبحسب معلومات اطلعت عليها عنب بلدي لهيكلية هذه الميليشيات، فإن قائدها المباشر إيراني الجنسية يُلقب بـ”الحاج مهدي”، ويقودها في مدينة الميادين وريفها قيادي آخر يُلقب بـ“الحاج حسين”، وفي البوكمال وما حولها “الحاج عسكر”.
“الحاج مهدي” يتخذ من مطار “القامشلي” مقرًا له، يدير من خلاله أعمال هذه الميليشيا في المنطقة بشكل عام، كما يشرف على عمليات تعيين قادة الميليشيات المحليين.
في حين تعود القيادة المركزية لهذه الميليشيات إلى السفارة الإيرانية في دمشق، حيث يقيم “الحاج يونس”، وهو المسؤول عن جميع أعمال إيران الاستخباراتية والعسكرية في سوريا.
وخلال الأشهر الماضية، تمكّنت الميليشيات الإيرانية في الحسكة من استقطاب أعداد كبيرة من أبناء عشائر الحسكة تحت اسم “قوات المهام الخاصة”، مقابل راتب شهري يبلغ 100 دولار أمريكي للعنصر.
الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، قال لعنب بلدي، إن القيادة العسكرية الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري” تُدار حتمًا من السفارة الإيرانية في دمشق.
وتستخدم إيران مباني الممثليات والقنصليات في سوريا كـ”ضابط الارتباط” في تقديم الدعم اللوجستي، بما في ذلك التنسيق لاستقدام المقاتلين وإمداد عملياتها في سوريا بالمال والدعم اللازم.
وأشار إلى أن هذا السلوك بحد ذاته يعتبر “انتهاكًا خطيرًا”، وتجاوزًا للقانون الدولي، وخرقًا واضحًا للقوانين الدولية الناظمة لسمة الدبلوماسية الدولية وما تتمتع به من صلاحيات.
إيران و”الحرب بين الحروب”
تعتبر هيكلية الميليشيات الإيرانية في سوريا معقدة نوعًا ما خصوصًا في المنطقة الشرقية المحاذية للحدود العراقية، إذ تشكّل هذه المنطقة طريقًا مفتوحًا أمام إيران باتجاه لبنان حيث ميليشيا “حزب الله” اللبناني أهم الأذرع الإيرانية بالمنطقة في وجه إسرائيل.
ومن بين العديد من القياديين ممن يحملون رتبة “حاج”، يتخذ “الحاج مهدي” من مواقع عسكرية تابعة للنظام أو روسيا مقار له تجنبًا لرصده من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، إذ يقيم اليوم في مطار “القامشلي” العسكري.
سبق ذلك تنقله بين فنادق مملوكة لرجال أعمال إيرانيين في المربعين الأمنيين بالحسكة والقامشلي لنحو عام.
الباحث مصطفى النعيمي علّق على هيكلية هذه الميليشيات الموالية لإيران، إذ اعتبر أن “المشروع التوسعي الإيراني” يتطلّب وجود قادة بتخصصات استخباراتية وعسكرية، نظرًا إلى أن إيران لديها خبرات متقدمة في القدرة على العمل ضمن ما أسماه “بيئة الحرب بين الحروب”.
وهي استغلال أي حرب أو مناوشات أو توترات في منطقة معيّنة كمظلة لتنفيذ هجمات أو تحركات استراتيجية معيّنة ضد الخصوم، عبر نقاط اشتباك متقدمة تثبتها بشكل سري متخذة من حرب ما أو حدث ما مظلة لها.
وبناء على ما سبق، تفاجئ إيران عدوها بوجود قاعدة عسكرية لها على مقربة منه كانت ثبتتها مسبقًا خلال حدث أو توتر معيّن.
النعيمي اعتبر أن هذه الاستراتيجية هي السبب في وجود هؤلاء القادة الإيرانيين المتخصصين على الأصعدة التكتيكية والميدانية والعسكرية في المنطقة الشرقية من سوريا.
وأضاف أن “الحاج مهدي” يتخذ من النقاط العسكرية التي يشغلها النظام مقرًا له، وفق رؤيته، لتجنب الملاحقة والاستهداف من قوات التحالف الدولي.
وبالمقابل، في ظل عدم جدية التحالف الدولي والولايات المتحدة بمحاربة إيران، يعتبر فائض القوة الإيرانية مستمرًا باستغلال القواعد العسكرية للنظام السوري في عمليات التموضع مختبئة تحت أعلام النظام وروسيا.
وتشهد منطقة شمال شرقي سوريا في الأشهر الأخيرة تغلغلًا لقوات النظام السوري، المدعومة من إيران وروسيا، بتسهيل من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من أمريكا، وذلك على وقع تلويح تركيا بعملية عسكرية تستهدف “قسد” المسيطرة على المنطقة.
تغوّل في الجارة دير الزور
نشرت شبكة “نهر ميديا” المحلية تحقيقًا مفصلًا عن الميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور، شرحت خلاله هيكلية هذه المجموعات التي تنتشر في المنطقة الشرقية من سوريا.
وبلغ عدد هذه الميليشيات 22، منها تسع محلية، إضافة إلى 13 أخرى عابرة للحدود، بينما تتبع جميعها لـ“الحرس الثوري الإيراني”.
وأشار التحقيق إلى أن “الحرس الثوري” أنتج في دير الزور نهج إنشاء الميليشيات الصغيرة والمتوسطة، بتنوع مهامها واختصاصها، ووحدة أيديولوجيتها القائمة على الأساس الطائفي، الذي يعد الرابط المشترك بين الميليشيات المحلية والأجنبية.
وحاول التحقيق إحصاء هذه الميليشيات بأسمائها المعروفة وصور مقارها، منها ميليشيا “حرس القرى” وقائدها العام يُلقب بـ“الحاج حسين”، بينما يقودها عسكريًا “الحاج سلمان” و”الحاج آباد” إيرانيا الجنسية.
ويبلغ عدد عناصرها نحو 1500 مقاتل ينتشرون في المنطقة الممتدة من بلدة البوليل وحتى مدينة صبيخان بريف دير الزور الشرقي، وأغلبيتهم من العناصر المحليين (سوريو الجنسية).
كما يعتبر فوج “أبو الفضل العباس” من أبرز فصائل إيران في دير الزور، يقودها عدنان عباس السعود الملقب بـ”أبو العباس”، وينحدر من مدينة الميادين، بينما يقيم في منطقة السيدة زينب بدمشق، وهو مهندس معلوماتية غادر مدينة الميادين عقب خروجها عن سيطرة النظام عام 2012، واستقر في دمشق، وعاد مع قوات النظام السوري بعد عودتها إلى المنطقة أواخر عام 2017.
“فوج السيدة زينب” أيضًا يُدار من منطقة السيدة زينب في دمشق، حيث قائدها الملقب بـ”أبو زينب”، وينحدر من منطقة السيدة زينب في دمشق.
أما القائد العسكري والعام في منطقة الميادين فهو “مؤيد الضويحي”، الذي صار يُلقب لاحقًا بـ”الحاج جواد”، بعد حصوله على الجنسية الإيرانية، وينحدر من مدينة الميادين.
إيران تزاحم روسيا
من خلال هذه الميليشيات، تمكّنت إيران من مزاحمة القوات الروسية في دير الزور، وفرض سطوتها ويدها على مساحات شاسعة من الضفة الجنوبية لدير الزور، التي تخضع بشكل ظاهر لسيطرة قوات النظام، أما فعليًا فهي تُدار من قبل إيران بنسبة أكبر، تليها روسيا.
هذه المزاحمة تراجعت تدريجيًا مع انخراط روسيا في “غزو” أوكرانيا في شباط الماضي، إذ تحولت إلى نوع من التعاون بين الطرفين، نظرًا إلى ما تمر به روسيا من صعوبات في تأمين العنصر البشري في حربها على حدودها الجنوبية.
مصطفى النعيمي اعتبر أن “تخادم الضرورة” بين روسيا وإيران ماضٍ حتى آخر رمق، خاصة أن الغطاء الجوي المقدم من روسيا لا قيمة له ما لم تتوفر تحته قوات برية، لذلك تتكامل جهودهما بتحقيق الهدف الاستراتيجي لكلا الطرفين.
وعلى الرغم مما سبق، تصطدم العلاقة الإيرانية- الروسية بعلاقة روسيا بإسرائيل، وخصوصًا مخرجات اجتماع مديري الأمن القومي لإسرائيل وأمريكا وروسيا في أواخر 2018، إذ سمحت بضرب إسرائيل أهدافًا إيرانية في سوريا.
وأضاف أن “مصالح التخادم” في المنطقة الجنوبية والوسطى والساحلية مستمر بين روسيا وإسرائيل، لكن ربما في المرحلة الحالية قد يكون هنالك تعاون بين روسيا وإيران في المنطقة الشرقية، وسينتهي بمجرد وجود قرار أمريكي واضح لاستهداف فائض القوة الإيرانية البرية في سوريا.
وفي دراسة أعدها مركز “جسور للدراسات”، أحصت القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة في سوريا، التي بلغت 597 موقعًا حتى مطلع العام الحالي، من بينها 333 موقعًا إيرانيًا.
–