إعلامية وقانونية.. انتهاكات بالجملة في قضية جوى اسطنبولي
أثارت قضية مقتل الطفلة جوى اسطنبولي من حي “المهاجرين” في مدينة حمص، غضبًا في الشارع السوري وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، جراء “بشاعة المصاب” الذي لحق بالطفلة البالغة من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، وبسبب الانتهاكات القانونية والإعلامية التي رافقت الحادثة.
وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت إلقاءها القبض على المتهم بقتل الطفلة جوى في حمص، وقدمته بطريقة تؤكد استغلال القضية للترويج للسلطات.
وقالت الوزارة، في 20 من آب الحالي، عبر صفحتها في “فيس بوك“، إنها ألقت القبض على المتهم قبل أربعة أيام (في 16 من الشهر نفسه)، لتكشف أنه كان أحد الجيران في حي الزهراء (الحي الذي كانت تقطن فيه الطفلة).
واعترف المتهم في تسجيل مصوّر نشرته الوزارة عبر معرفاتها الرسمية، أنه استدرج الطفلة إلى منزله واعتدى عليها ثم قتلها ووضعها بأكياس قمامة ليرميها في حاوية القمامة.
ولاقى نشر اعترافات المتهم العديد من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، لذكر تفاصيل رآها كثيرون مؤذية لأهل الضحية.
بينما اعتبر آخرون أن الاعترافات التي قالها المتهم ملقَّنة، إذ تتعارض مع تقرير الطبيب الشرعي، الذي لم يذكر حدوث اغتصاب جنسي، موثقًا أنها قُتلت بأداة حادة على رأسها.
بدورها، قدمت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون اعتذارًا عن نشر المقطع الذي تظهر فيه اعترافات المتهم، دون أن تقوم وزارة الداخلية بحذف المقطع من معرفاتها الإلكترونية حتى لحظة كتابة التقرير.
استخراج جثة الطفلة من القبر
الانتقادات التي طالت التقرير الشرعي دفعت رئيس مركز الطبابة الشرعية في حمص، الطبيب جورج صليبي، لتقديم استقالته على خلفية “الأخطاء” التي وردت في تقرير الطبابة الشرعية في حادثة مقتل الطفلة جوى، بحسب ما نقلته وكالة “أثر برس“.
وعن الاختلاف بين تقرير اللجنة الأولية للطب الشرعي وبين اعترافات المتهم بقتل الطفلة، قال مدير الهيئة العامة للطب الشرعي، الدكتور زاهر حجو، لموقع “أثر برس”، “عندما تم إخطارنا بالحادث وتقديم اللجنة الطبية تقريرًا لنا كهيئة عامة للطب الشرعي، كان تصريحنا بعدم تأكيد أو نفي وجود اعتداء جنسي بناء على تقرير اللجنة الأولية التي لم تستطع تأكيد ذلك، والسبب عدم قيامها بالتشريح. لو تم التشريح لكان الوضع قد اختلف”.
وأضاف، “أنا ورئيس فرع الأمن الجنائي في حمص نتواصل من أول يوم رأينا فيه الصور، وتأكدت من وجود اعتداء جنسي، كانت هنالك علامات واضحة على حدوث اعتداء جنسي، بالإضافة إلى أن سبب الوفاة لم يكن دقيقًا أبدًا، لأن الكسر على الجمجمة هو كسر متمادٍ، وعندما تأكدنا وفحصنا اليوم العلامات الموجودة حول الكسر تبيّن أنها غير حياتية مماتية”.
وتابع بأنه لم يكن بالإمكان التصريح بأي معلومات احترامًا لسرية التحقيق، رغم التوصل إلى استنتاجات وقناعات بأكثر من 90% تتوافق مع اعترافات المتهم.
وأكد حجو أنه بعد استخراج جثة الطفلة من القبر، توصلت الطبابة إلى استنتاجات حول سبب وزمن الوفاة، وعن وجود اعتداء جنسي، وإلى قناعة مطلقة “بتتالي الأحداث وتوافقها مع اعترافات مع المتهم”.
نسب الفضل للأمن
المحامي السوري عارف الشعال قال عبر حسابه في “فيس بوك“، إنه على الرغم من كل التحفظات على نشر الاعترافات المتلفزة لقاتل الطفلة المغدورة بهذا الشكل، ولكني أتفهم هذا النشر من باب الحفاظ على هيبة أجهزة مكافحة الجريمة واستعادة ثقة الناس بها، مع الإشارة أنه لا يوجد أي مانع قانوني من هذا النشر في هذه المرحلة من التحقيق، حيث لم يضع القضاء يده على القضية بعد ليحظر أو يسمح بالنشر”.
ومن المعلوم أن القضاء يضع يده بعد تحريك دعوى الحق العام بحق المشتبه به من النائب العام.
ولكن ما أثار حفيظة الشعال، هو تسليط الضوء على دور ضباط جهاز الأمن الجنائي التابع لوزارة الداخلية في استقصاء الجريمة، وكلاهما من أجهزة السلطة التنفيذية، بطريقة تغرس في وعي المتلقي والجمهور أن استقصاء الجرائم من وظيفة جهاز الأمن، وهذا غير صحيح، لأن استقصاء الجرائم من وظيفة الضابطة العدلية التي يرأسها النائب العام وهو قاضٍ، والجهاز الأمني “من الباب للمحراب” معاون لها في هذا الموضوع (المواد 6 و7 و8 أصول جزائية).
ولفت إلى أن مهمة القضاء استقصاء الجرائم وليس أجهزة السلطة التنفيذية، والفكرة من ذلك أن القضاء سلطة محايدة ذات عقل بارد، لا تتأثر بالرأي العام، وهي أكثر جهة تضمن حقوق المواطنين في التحقيق، خلافًا لأجهزة السلطة التنفيذية الأمنية ذات العقل الحامي، التي تتأثر بالرأي العام وتشعر بالحرج منه، ما يدفعها لارتكاب التجاوزات والانتهاكات في أثناء التحقيق للحصول على اعترافات سريعة.
وبعد كل البلبلة والهجوم الذي لحق بأجهزة الأمن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية نشر اعترافات المتهم، وتضاربها، زار وزير الداخلية، محمد خالد رحمون، عائلة الطفلة، وقدم التعازي باسم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يجري فيها استغلال معاناة الناس، إذ سبق أن أعادت أجهزة النظام السوري لنفسها الفضل في قضية إطلاق سراح الطفل فواز قطيفان في درعا، الذي استعادته عائلته من عصابة خاطفة بعد دفع الفدية المطلوبة.
واختطف مجهولون الطفل فوازًا في أثناء عودته من مدرسته في بلدة إبطع شمال غربي درعا.
وأرسلت العصابة إلى ذويه تسجيلًا مصوّرًا، في 4 من شباط الماضي، يظهر فيه وهو ينادي ويستنجد خاطفيه للتوقف عن ضربه.
وأعيد فواز إلى أهله بعد دفعهم الفدية التي طُلبت منهم، والتي وصلت إلى 500 مليون ليرة سورية (نحو 150 ألف دولار).
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :