إدلب- هدى الكليب
بثيابه الرثة المتسخة، ينطلق الطفل طارق (تسع سنوات) بصحبة عدد من أطفال المخيم الذي يقطنه على أطراف بلدة أطمة الحدودية، قاصدين مكب النفايات القريب، حيث يقومون بنبش النفايات بحثًا عما يمكن بيعه من مواد، أو تخزينه لاستخدامه للتدفئة في الشتاء.
يجمع طارق، بحسب ما قاله لعنب بلدي، البلاستيك وأنواعًا متعددة من المعادن والملابس والأحذية المهترئة، وغيرها مما يمكن أن يستفيد منه إما ببيعه وإما باستعماله كحل بديل عن الوقود في الشتاء.
لم يتلقَّ طارق أي تعليم حتى الآن، وكل ما يعرفه عن حياته وطفولته التائهة، أنه يجب عليه مساعدة والدته بجلب النفايات وبيعها، وصرف ما يجمعه من مال في تأمين الاحتياجات الأساسية لأهله، خصوصًا بعد وفاة والده الذي قضى بمرض عضال أواخر 2021، بحسب ما أضافه لعنب بلدي.
بات من المألوف رؤية أطفال حول الحاويات في المدن ومكبات النفايات على أطراف شتى المناطق بإدلب وشمال غربي سوريا، خصوصًا بعد تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية في المنطقة، إذ تبلغ نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر 84%، وفقًا للأسعار الأساسية وموارد الدخل، وتبلغ نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 36% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها عدد أفراد العائلة العاملين، وأسعار الصرف المتغيرة، بحسب إحصائية أعدها فريق “منسقو استجابة سوريا”.
” بدنا نشتغل لنقدر نجيب أكل”
بشعرها الأشعث، وحذائها المهترئ، تخرج الطفلة فرح (11 عامًا) مع إشراقة الصبح برفقة إخوتها الأربعة، لجمع ما يمكنها من داخل حاويات القمامة الموزعة في المدينة، وتبيع ما تجمعه مع إخوتها للتجار الموزعين في مخيمهم الواقع شمال مدينة معرة مصرين.
تغدو فرح وإخوتها صباحًا إلى مكبات النفايات بأكياسهم الفارغة، وبعد يومهم الشاق يعودون حاملين على ظهورهم تلك الأكياس وقد امتلأت بما تيسر، وما يفيد في سدّ الحاجة لأسرهم.
قالت فرح لعنب بلدي، “بدنا نشتغل لنقدر نجيب أكل”، في إشارة إلى غياب دور والدها المعيل، بعد إصابة بليغة في عموده الفقري، إثر قصف سابق للنظام السوري على أطراف مدينتهم سراقب، ليصبح عاجزًا مدى الحياة، ضمن أسرة تضم الزوجة وخمسة أطفال.
عرضة للأمراض.. خطر أكبر على الأطفال
قرب بلدة قاح الواقعة على الحدود السورية- التركية، الطفل ياسر (12 عامًا) يجول هو الآخر وسط أكوام من النفايات بحثًا عن قطع الكرتون ومواد بلاستيكية يمكنه بيعها، للمساهمة في تأمين قوت عائلته التي تعيش أوضاعًا إنسانية صعبة في مخيمات النزوح.
قال ياسر لعنب بلدي، إنه بات يشكو من سعال مستمر جراء استغراقه وقتًا طويلًا في البحث بين النفايات، إذ يستنشق الروائح الكريهة والغبار، فيما تنتشر الحشرات بكثرة عند المكبات.
لا ينوي ياسر التوقف عن عمله هذا، رغم كل الصعوبات التي تواجهه، فهو العمل الوحيد المتاح لمساعدة والده المريض بالضغط والسكر والكلى، وثلاثة إخوة أصغر منه.
نبش القمامة لا يقتصر على الأطفال، وإن كانوا الأكثر تأثرًا من الجانب الصحي والنفسي، بل يعتبر مهنة للعديد من الشبان أيضًا في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وسط تجاهل وعجز السلطات المحلية عن احتوائها ليستمر النازحون بمواجهة المأساة التي حلت بهم جراء الحرب.
الطبيب الاختصاصي بالأمراض الجلدية لؤي العلوش، المقيم في إدلب، قال لعنب بلدي، إن القمامة بما تحويه من بقايا الطعام والأطعمة التالفة، والحيوانات النافقة، وفوط الأطفال المتسخة، وفضلات الحيوانات، والأثاث التالف، والركام الناجم عن انهيار أو هدم المباني، إضافة إلى الفضلات الطبية، مثل المحاقن، والإبر، والمباضع والشفرات المستعملة، والمواد الكيماوية المستعملة في الطب مثل المواد المطهّرة وغيرها، تعرّض الشخص العامل في جمع النفايات لأمراض متعددة.
وأهم تلك الأمراض هي الكزاز والكوليرا والأمراض الجلدية الفيروسية والتحسسية، كما تعرّض الجهاز التنفسي لأمراض كالربو والتهاب الحلق والبلعوم وذات الرئة والتهاب الجيوب الأنفية، وفق الطبيب العلوش.
وأوضح الطبيب أن داء المقوسات واليرقان والسحايا والتهاب الكبد والأمعاء، من أكثر الأمراض التي يسببها هذا النوع من العمل، وخاصة بالنسبة للأطفال، نظرًا إلى ضعف أجسادهم ومناعتهم.
ويوصي العلوش بالابتعاد عن هذه المهنة، والاستعاضة عنها بمهن أخرى أقل ضررًا، وتفعيل دور الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لمساعدة هؤلاء، وإنشاء مشاريع تنموية تساعدهم على مواجهة ظروف الحياة الصعبة ومخاطر المرض والأوبئة.