درعا- حليم محمد
بين ضوضاء الدق على الأسطوانات والصفير وإطلاق الرصاص، يقضي عدد من المزارعين بريف درعا الغربي ساعات من ليلهم لحماية محاصيلهم خوفًا من دخول الخنازير البرية إليها.
وتستمر معاناة مزارعي المناطق المحيطة بوادي اليرموك، غربي المحافظة، وتعرّض محاصيلهم لأضرار ناتجة عن دخول الخنازير البرية إلى أراضيهم، وتخريب الأشجار، وأكل الثمار، إذ تختار الخنازير البرية تضاريس الوادي لتختبئ بين أعواد “الزل” نهارًا، وتخرج لتخريب المحاصيل ليلًا.
ويفصل وادي اليرموك بين مناطق زراعية واسعة تشمل قرى حوض اليرموك شمالًا، والأشعري، والعجمي، وزيزون، وتل شهاب جنوبًا، وهي مناطق تعتمد الزراعة مصدرها الأهم للدخل، وتتنوع فيها المحاصيل حسب الفصول.
الحراسة صيفًا وتأجيل الزراعة شتاء
بيده عصا ومصباح، يمضي محمد (35 عامًا) ليلة كاملة وهو يتفقد محصوله، خوفًا من قدوم قطيع الخنازير.
وقال محمد لعنب بلدي، “لا أحرس حقلي خوفًا من اللصوص، إنما من الخنزير الذي يأكل الثمار، ويدمر الأشجار، وأواظب على الحراسة كل ليلة حتى بيع المحصول. قد يأكل قطيع الخنازير طنًا من الرمان في ليلة واحدة، ما يؤثر على حجم الإنتاج في أثناء جني المحصول”.
وأضاف المزارع، الذي يملك عشرة دونمات يزرعها بالرمان، أن قطعانًا كبيرة تخرج من الأودية، يقدّر عددها بمئة خنزير في كل قطيع، تنتشر في السهول المحيطة بالوادي لعمق أكثر من خمسة كيلومترات.
وقال المزارع نبيل (40 عامًا)، إن أضرار دخول الخنازير البرية إلى المناطق الزراعية لا تقتصر على الأشجار المثمرة، إنما ضرره أكبر على المزروعات الخضرية كالذرة والخس والبازلاء والفول، وبقية المحاصيل الأخرى كالقمح والشعير والحمص.
وأضاف نبيل لعنب بلدي، أن حراسة حقول هذه الخضراوات تبدأ منذ زراعتها، إذ يبحث الخنزير في البداية بعد الزراعة عن البذور والديدان، وبعد نضوجها يأكل الخضار ويدمر الشتلات.
وكون الحراسة الليلية مرهقة أكثر للمزارعين، فقد قرر المزارع نبيل إلغاء فكرة زراعة الخضار الشتوية، وهو نشاط مهم لمزارعي المناطق المحيطة بوادي اليرموك، وبات عدد من مزارعي المنطقة يفكرون بذات الطريقة، حسب نبيل.
حراسة مأجورة أو سور “مكلف”
يلجأ مزارعو درعا لحلول، بعضها مؤقت، كالحراسة الليلية، وبعضها ينهي المشكلة بشكل كامل، لكنه خيار مكلف، كبناء سور يحيط بالأرض الزراعية.
رائد (40 عامًا)، مزارع يمتلك 15 دونمًا مزروعة بمحصول الرمان، وعشرة دونمات مزروعة بمحصول الزيتون، قال لعنب بلدي، إنه اضطر لتعيين “ناطور” بأجرة يومية، أو شهرية قد تصل إلى حدود 300 ألف ليرة سورية، لفترة مؤقتة تستمر حتى جني المحاصيل، خوفًا من دخول الخنازير البرية إلى أراضيه.
وأضاف رائد أن هذه المبالغ التي يدفعها تزيد من تكلفة الإنتاج، ولكنها تضمن له حماية المحصول من الدمار والتخريب.
كما قد يستعين بعض مزارعي المنطقة بتربية الكلاب في محيط المحاصيل لأنها تنبح في حال دخول الخنازير للحقل.
ومن الحلول الأخرى بناء سور جداري حول الأراضي الزراعية، لكنه خيار مكلف، بحسب المزارع رائد، إذ يكلف تسوير عشرة دونمات ما يقارب ثمانية ملايين ليرة سورية (حوالي ألفي دولار أمريكي).
الحكومة لا تتحرك.. الحلول فردية
عدد من المزارعين ممن التقتهم عنب بلدي، أكدوا أن الحكومة لا تبذل جهودًا واضحة للحد من انتشار الخنازير، تاركة العبء على الفلاحين.
رئيس دائرة الحراج في مديرية الزراعة بدرعا، جميل العبد الله، قال في أيار الماضي، إن محافظة درعا تتميز بالتنوع الحيوي، وفيها تنوع حيواني ونباتي، منها ما هو محلي ومنها ما هو متكيف مع الظروف السائدة، وأهم الأنواع الحيوانية الجراد، والخنازير، والبوم، والضباع، والغزلان، والذئاب.
مهندس زراعي في ريف درعا الغربي (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن الخنزير من الثديات، ومن الحيوانات ذات الظلف المزدوج، يتكاثر بأعداد كبيرة ويتخذ من المناطق الرطبة مكانًا له، موضحًا أن أكثر أماكن انتشاره في المحافظة تكون في وادي اليرموك.
وبحسب المهندس، يلجأ الخنزير البري للمحاصيل الزراعية بحثًا عن الطعام بعد قلة المرعى في قعر الوادي، ويسبب أضرارًا بمجمل المحاصيل المحيطة بوادي اليرموك، موضحًا أن أثره أكبر على الخضار لأنها أقل مقاومة من الأشجار، ويأكل الثمار عند اقتراب نضوجها.
واعتبر المهندس أن الحلول الأكثر نفعًا لتجنب مهاجمة الخنازير الأراضي الزراعية هي تسوير الأرض بشكل جيد، أو الحراسة الليلية، موضحًا أن الخنازير حيوانات تهرب عند رؤيتها للإنسان، أو إحساسها بوجوده، وهي إحدى الطرق التي يتبعها المزارعون كإصدار الضوضاء أو استخدام بندقيات الصيد.
بينما لا تعتبر الخنازير البرية حيوانات مهددة للإنسان إلا عند محاصرتها، وهي الحالة التي يشعر فيها الخنزير بحاجته للدفاع عن نفسه، بحسب المهندس.