جنى العيسى | حسن إبراهيم
دون سابق إنذار، في وقت متأخر من مساء 5 من آب الحالي، اقتحم عناصر فرع “الشرطة العسكرية” منزل عضو “اتحاد الإعلاميين السوريين” والناشط الإعلامي لؤي اليونس، في مدينة جنديرس بمنطقة عفرين شمالي حلب، واعتقلوه إلى جانب امرأة وطفليها من منزل مجاور، دون توجيه أي تهمة خلال عملية المداهمة.
حادثة اعتقال الناشط لم تكن بعيدة زمنيًا عن حادثة اعتداء تعرّض لها الناشط الإعلامي ومراسل قناة “الجزيرة” مالك أبو عبيدة، ومجموعة من الناشطين والصحفيين معه، من قبل عناصر “الشرطة المدنية” خلال تغطية احتجاجات القطاع الطبي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في 1 من آب الحالي.
وبعد أكثر من 11 عامًا على المناداة بحرية التعبير عمومًا، وحرية الصحافة على وجه الخصوص، لا تزال قائمة الإعلاميين الذي تعرضوا لانتهاكات من قبل الجهات المختلفة في سوريا تعج بالأسماء والحوادث، وسط سيطرة وقيود تفرضها السلطات عليهم.
ففي شمال غربي سوريا، أن تكون إعلاميًا “غير موالٍ لسلطات الأمر الواقع” فهذا متاح، لكن لا يحق لك أن تختار القضايا الإعلامية التي ستكشف عنها أو تسلّط الضوء عليها، أو حتى تختار حدثًا يهتم به عدد كبير من السوريين ترغب بتغطيته، وإن فعلت أيًا من ذلك، فـ”الشرطة العسكرية” و”الجيش الوطني” و”هيئة تحرير الشام” جاهزة لـ”محاسبتك” بالطريقة التي يمليها عليها مزاجها، أو بحسب حجم ما تراه “تهجمًا عليها و انتقادًا لها” في مادتك الصحفية.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع صحفيين وناشطين، أسباب عدم وقف الانتهاكات الممارَسة بحق الإعلاميين في مناطق شمال غربي سوريا، حيث تسيطر الجهات المعارضة للنظام السوري، وذلك في ظل وجود عدد من الروابط الصحفية والاتحادات المهنية التي ينتسب إليها الإعلاميون.
كما تحاول تسليط الضوء، عبر الحديث مع خبراء ومسؤولي روابط صحفية عاملة في المنطقة، على الحلول الممكنة لحماية الإعلاميين والدفاع عن حقوقهم المهنية.
من منع ممارسة العمل الصحفي حتى الاعتقال
الانتهاكات.. لا ضوابط لها
بحسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” العالمي لحرية الصحافة، احتلت سوريا المرتبة 171 من أصل 180 بلدًا في ذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022.
وتعددت أشكال الانتهاكات بحق الإعلاميين في شمال غربي سوريا، ولم تقتصر على الاعتقال أو التعدي على الناشطين، إذ وصلت إلى حد منع صحفيين من تغطية أحداث معيّنة، إما لموقف هذه السلطات من الوسيلة الإعلامية التي يعمل الصحفي لمصلحتها وإما لأسباب غير واضحة، غاب التعليق عليها من قبل الجهات الرسمية.
ففي 18 من تموز الماضي، أثارت حادثة منع مراسل قناة “أورينت” السورية محمد هارون من إجراء تقرير مصوّر عن العيادات السنّية التي افتُتحت مؤخرًا بجامعة “حلب في المناطق المحررة” جدلًا واسعًا، ولا سيما أن المنع جاء من رئيس المكتب الإعلامي في الجامعة، رغم حصول المراسل على موافقة شفهية من رئيس الجامعة.
كما منع عناصر من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا مراسل عنب بلدي، في 13 من حزيران الماضي، من إجراء تغطية صحفية لعملية تبادل أسرى بين “الجيش الوطني” وقوات النظام السوري، في معبر “أبو الزندين” الفاصل بين مناطق النظام والمعارضة بمدينة الباب، رغم دخول عدة شبكات محلية إلى المعبر، دون توضيح أي أسباب لهذا المنع.
بينما أفرجت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، في 31 من آذار الماضي، عن العامل في المجال الإعلامي أحمد زكريا الضلع، بعد أربعة أشهر من اعتقاله عقب استطلاع لرأي الناس أجراه حول الواقع المعيشي في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي.
تسيطر “هيئة تحرير الشام” على منطقة إدلب، بينما تسيطر فصائل “الجيش الوطني” على ريف حلب، في حين تتعرض المنطقة لانتهاكات وقصف متكرر من قوات النظام السوري المدعوم من روسيا، أو من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من أمريكا.
إعلاميون: ندافع عن أنفسنا بأنفسنا
يرصد “المركز السوري للحريات الصحفية” التابع لـ”رابطة الصحفيين السوريين”، بشكل شهري، الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في المجال الإعلامي على جميع الجغرافيا السورية.
وبحسب إعلاميين عاملين في مناطق سيطرة المعارضة، قابلتهم عنب بلدي، اعتاد الإعلامي الذي يتعرض لانتهاك أو مضايقة أو ممارسة خاطئة في المنطقة، اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي أولًا، معتبرين أنها المنبر الأول والأهم الذي يشكّل ضغطًا قد يدافع عنهم.
وليد عثمان، صحفي يعمل لمصلحة عدد من وسائل الإعلام السورية (فريلانس) وعضو “اتحاد الإعلاميين السوريين” العامل في ريف حلب، قال لعنب بلدي، إن من يدافع عن الإعلاميين هم الإعلاميون أنفسهم فقط.
ويرى وليد عثمان أنه لا يمكن الاعتماد في مناطق شمال غربي سوريا على جهة معيّنة لحماية الإعلاميين والصحفيين، وذلك بسبب غياب الجهات الحقوقية والإعلامية المعنيّة بحمايتهم من جهة، وبسبب عدم التزام سلطات الأمر الواقع بالتوصيات والدعوات لحماية الإعلاميين وتسهيل عملهم من جهة أخرى.
وأضاف أن معظم الإعلاميين يعملون على حماية أنفسهم من خلال تشكيل روابط واتحادات وتجمعات إعلامية، أشبه ما تكون بمشاريع الطوارئ التي تقام في أماكن النزاع، بهدف توحيد جهود الإعلاميين في المنطقة، ومحاولة خلق تيارات ضغط على السلطات المحلية
الفصائل في حال جرى أي انتهاك في المنطقة سواء بحق الإعلاميين أو غيرهم.
من جانبها، الصحفية في صحيفة “حبر” السورية أميمة زيدان، المقيمة بريف حلب، قالت لعنب بلدي، إن امتلاكها بطاقة إعلامية من “اتحاد الإعلاميين” بمنطقة عفرين وريفها، لا يمنعها من تعرضها لمواقف أو مشكلات، الأمر الذي ولّد شعورًا لديها بأن البطاقة الإعلامية “لا داعي لها”.
وأوضحت زيدان أن الإعلامي يعد من أكثر فئات وشرائح المجتمع غير القادرة على حماية نفسها أو الدفاع عن حقوقها، مشيرة إلى أنها تفضّل عدم حمل الهوية الإعلامية خلال مرورها على حواجز أمنية أو عسكرية في الشمال السوري، خشية التدقيق عليها بشكل أكبر.
الصحفي ومراسل قناة “أورينت” في إدلب هاشم العبد الله، أكّد أيضًا، في حديث إلى عنب بلدي، أن من يدافع عن الإعلاميين هم أنفسهم من خلال حملات المناصرة لبعضهم، بالإضافة إلى عدد من الاتحادات والأجسام التي تسعى للدفاع عنهم.
الإدانة أو المظاهرات.. السبيل الوحيد للضغط
منذ عام 2011، شُكّلت في شمال غربي سوريا العديد من الروابط والاتحادات الإعلامية، بعض منها لم يستمر بالعمل طويلًا، بينما حافظت أخرى على استمرار عملها الذي يقتصر في كثير من الأحيان على التوثيق أو المناصرة أو بيانات الإدانة، دون التشبيك مع جهات حقوقية أو قضائية لحفظ حقوق الإعلاميين، وسط عدة معوقات لا تزال تواجههم.
وفي 6 من آب الحالي، أصدرت “رابطة نشطاء الثورة في حمص” بيانًا حول حادثة اعتقال الناشط الإعلامي لؤي اليونس، طالبت بإطلاق سراحه، وضرورة التحري أكثر من قبل “الشرطة العسكرية” قبل ترويع المدنيين، وحمّلتها مسؤولية سلامة وصحة المعتقل أو أي أذى يصيبه جسديًا أو معنويًا.
كما أصدر “اتحاد الإعلاميين السوريين” بيانًا، في اليوم نفسه، أدان فيه حادثة الاعتقال، مشيرًا إلى أن النتيجة الحتمية لتكرار مثل هذه الأمور هي تفاقم الوضع بشكل أكبر عبر خروج الإعلاميين والناشطين الثوريين بوقفات واعتصامات ضد هذه التصرفات التي “تسيء لثورة الحرية والكرامة”.
وبعد مظاهرات أمام مقر “الشرطة العسكرية” من قبل عشرات الإعلاميين والناشطين، وبيانات إدانة عديدة انتقدت طريقة الاعتقال “التعسفية”، وحمّلت “الشرطة” مسؤولية أي تبعات لعملية الاعتقال، أفرجت “الشرطة” عن الناشط لؤي اليونس، في 8 من آب الحالي، بعد أن كانت أطلقت سراح امرأة وطفليها اعتقلوا بنفس الحادثة، في 6 من الشهر نفسه.
وبعد ساعات من حادثة الاعتداء على مراسل قناة “الجزيرة” مالك أبو عبيدة، التقى بعض الإعلاميين في المنطقة، من ضمنهم الناشط الذي تعرّض للضرب، مع قيادة شرطة مدينة الباب، وتعهدت الأخيرة بمحاسبة العناصر المتسببين بالاعتداء، وعدم تكرار مثل هذه الحوادث.
في حين أطلقت “تحرير الشام” سراح الشاب أحمد زكريا الضلع، بعد أربعة أشهر من وقفات احتجاجية شبه يومية من سكان قرية دير حسان، نددوا بما وصفوه بـ”سياسة تكميم الأفواه” وطرق الاعتقال “التعسفية والمقيتة”.
ما جدوى الروابط الإعلامية؟
تعتبر “رابطة الصحفيين السوريين”، و”اتحاد الإعلاميين السوريين”، و”اتحاد إعلاميي حلب وريفها”، من أبرز الروابط التي لا تزال تعمل حتى اليوم في مجال توثيق الانتهاكات الصحفية، ومحاولة دعم جهود وحفظ حقوق الإعلاميين في شمال غربي سوريا.
التوثيق.. “اللبنة الأولى” لمستقبل الإعلام “المنشود”
الباحث في “المركز السوري للحريات الصحفية” التابع لـ”رابطة الصحفيين السوريين” محمد الصطوف، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن للرابطة، منذ نشأتها في عام 2012، دورًا مهمًا وبارزًا في رصد وتوثيق جميع الانتهاكات التي تُرتكب ضد الصحفيين والناشطين الإعلاميين والمؤسسات والمراكز الإعلامية، في عموم المحافظات السورية.
وأضاف الصطوف أن “المركز السوري للحريات الصحفية” يتابع تلك الانتهاكات ويدققها بعد التحقق منها وفق معايير خاصة بتوثيق الانتهاكات، ويصدر تقريرًا شهريًا هدفه توثيقها.
بدورها، تنظم “رابطة الصحفيين السوريين” حملات دعم ومناصرة للإعلاميين والمؤسسات، في محاولة لإيصال صوتهم ومعاناتهم للمجتمع الدولي والهيئات المحلية.
وأشار الصطوف إلى أن كل تلك الأدوات تعتبر بشكل أو بآخر وسيلة من وسائل الضغط على القوى المسيطرة على الأرض وعلى الجهات المرتكبة للانتهاكات، ما يؤدي إلى حالة قد تكون إيجابية لو بحدودها الدنيا، لناحية تحسين الحريات الإعلامية، بحسب تعبيره.
ويرى الصطوف أن توثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين يشكّل اللبنة الأولى للمستقبل، إذ يمكن أن تساعد هذه التوثيقات في ملفات المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات مستقبلًا.
من جهته، قال رئيس “اتحاد الإعلاميين السوريين”، جلال التلاوي، إن “الاتحاد” معترف به بشكل رسمي من قبل المجالس المحلية، والشرطة “المدنية” و”العسكرية”، وقيادات “الجيش الوطني”، ولديه قنوات اتصال عديدة في منطقة ريف حلب، وذلك يدعم موقفه كممثل عن الإعلاميين المنضمين له.
وأضاف التلاوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن “الاتحاد” يمكنه التواصل مع أي من المؤسسات الحكومية أو العسكرية في حال تعرض أي إعلامي للاعتقال أو الاعتداء، ويستطيع المطالبة بحقوق الإعلاميين سواء في حال تعرضهم للاعتقال التعسفي، أو الاعتداء، وفي حال وجود دعوى معيّنة بحقهم، يحق لـ”الاتحاد” المطالبة بعرضها عليه لمتابعة الأمر، بحسب قوله.
سلطات الأمر الواقع تضيّق على التجمعات الإعلامية
ليس من مصلحة السلطات المحلية أن تسهم بحماية الإعلاميين، بحسب الصحفية السورية أميمة زيدان، التي عزت السبب إلى كثير من التجاوزات التي تقوم بها السلطات ولا تريد الكشف عنها أو متابعتها من قبل الصحفيين أو الإعلاميين، الذين تعتبرهم “غير مرغوب بهم” في المنطقة.
الصحفي ومراسل قناة “أورينت” في إدلب هاشم العبد الله، أكد أيضًا مسؤولية سلطات الأمر الواقع عن غياب دور الجهات الإعلامية التي تُعنى بتعزيز الحريات الصحفية، موضحًا أنه في ظل المعطيات الحالية، وفي منطقة لا تتوفر فيها حرية الرأي والتعبير، تعتبر البيئة غير ملائمة للعمل الصحفي، حيث تفرض سلطات الأمر الواقع شروطًا على الإعلاميين وتقيّد عن عمد حريتهم الصحفية.
من جهته، ذكر الصحفي وليد عثمان، عضو “اتحاد الإعلاميين السوريين”، أن التجمعات الإعلامية في المنطقة تعيش في حالة أخذ ورد متكرر مع السلطات المحلية، بسبب رفض السلطات شرعنة وجود التجمعات، بحجة تكرار وجودها بأسماء مختلفة على مدى الأعوام الـ11 الماضية، وبحجة ضم هذه التجمعات أو الاتحادات لأشخاص غير مؤهلين لممارسة العمل الإعلامي.
الباحث في “المركز السوري للحريات الصحفية” محمد الصطوف، أوضح أنه في ظل الظروف الراهنة وفي عموم سوريا ككل، من الضغوطات التي تمارسها القوى المسيطرة على الأرض، كل بحيزه الجغرافي، لا يمكن لأي مؤسسة نقابية أن يكون لها دور كامل ومتكامل في ضمان حق الإعلاميين الذين يتعرضون لانتهاكات.
وأضاف الصطوف أن ضمان تحقيق ذلك يرتبط بعدة عوامل تسبقه، كانتقال حقيقي للسلطة، ووجود جهاز قضائي حقيقي، وغيرهما من العوامل التي لا بد من توفرها حتى تقوم بعد ذلك الرابطة أو النقابات بدورها بشكل فعال وكامل.
ولأن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في كشف الفساد وتقصير القوى المسيطرة، فإن ذلك يضع الإعلاميين هدفًا لدى السلطات لتقييد نشاطهم، والعمل على ألا تأخذ الحريات الصحفية دورها بشكل حقيقي.
بينما اعتبر رئيس “اتحاد الإعلاميين السوريين”، جلال التلاوي، أن من أبرز ما يعوق عمل “الاتحاد” بالشكل الذي يرجوه، هو غياب الجهة الرسمية الأولى التي يجب التواصل معها عند حدوث أي انتهاك بحق الإعلاميين، وتعدد الجهات الموجودة في المنطقة كالمجالس المحلية، وقيادات الشرطة العسكرية والمدنية، أو قيادات “الجيش الوطني” وغيرها.
وأوضح التلاوي أن “الاتحاد” وفي حال لم تتحقق مطالبه في قضية مناصرة إعلامي ما، يلجأ حينها للدعوة إلى المظاهرات، لمحاولة الضغط على السلطات لتنفيذ مطالبه، الأمر الذي اعتبره “مجديًا” بحسب تجارب سابقة جرت في المنطقة.
أبرز تجمعات الإعلاميين في شمال غربي سوريا
“اتحاد الإعلاميين السوريين”
شُكّل عام 2018 في ريف حلب الشمالي، ويعرّف عن نفسه بأنه “مؤسسة مستقلة تضم إعلاميين سوريين وفق ميثاق شرف متفق عليه، وأهداف معلَنة لتنظيم الجهود وتنمية المهارات وحماية الحقوق”.
“رابطة الصحفيين السوريين”
منظمة مستقلة لا تتبع لأي جهة حكومية أو حزبية، وتمثل أعضاءها أينما وُجدوا داخل سوريا أو خارجها، وتسعى إلى أن تكون مظلة جامعة مستقلة للصحفيين السوريين دون تمييز.
تضم نحو 500 إعلامي، في الداخل السوري وحول العالم، وتعمل على تقديم الدورات التدريبية الأكاديمية والاختصاصية، والتشبيك مع المنظمات الصحفية العربية والدولية والمنظمات الأخرى المهتمة بدعم الصحفيين، ونقل حقيقة ما يجري في سوريا، وتقدم خدمات الدعم اللوجستي للناشطين والصحفيين في الداخل السوري “في حال توفر الدعم لذلك”.
لا حلول قريبة..
الحماية الدستورية تكفل الحقوق
شُكّلت خلال السنوات الماضية في شمال غربي سوريا العديد من الهيئات والروابط النقابية، إذ كان الهدف منها أن تقوم هذه المؤسسات ذات الطابع النقابي بتوحيد جهودها، وتشكّل قوة ضاغطة لحماية الإعلاميين والدفاع عن حقوقهم، بحسب ما أوضحه الباحث محمد الصطوف.
إلا أن هذه الخطوة اصطدمت بأكثر من عقبة، كان من أبرزها عدم وجود قوى حقيقية تستطيع كبح جماح القوى العسكرية المسيطرة على الأرض، التي تعتبر مسؤولة عن ارتكاب معظم الانتهاكات في شمال غربي سوريا، وفقًا للباحث.
وأكد الباحث أنه على الرغم من وجود جهاز قضائي في شمال غربي سوريا، وزعمه تطبيق القوانين، سواء في إدلب حيث تسيطر “هيئة تحرير الشام”، أو في ريف حلب حيث يسيطر “الجيش الوطني”، فإن دوره غير متكامل لأسباب باتت معروفة.
وأضاف الصطوف أن الجهاز القضائي في هذه المناطق لا يقوم بواجبه على الوجه الكامل، تجاه محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الإعلاميين، ما يدفع الفعاليات الثورية لممارسة الضغط على القوى المسيطرة على الأرض، وتشكيل قوة ضاغطة للدفاع عن حقوق الإعلاميين، بحسب تعبيره.
من جهته، أوضح الصحفي السوري وعضو “رابطة الصحفيين السوريين” أحمد مراد، أن الصحفيين لطالما كانوا الحلقة الأضعف في عموم الجغرافيا السورية، التي تحكمها سلطات متعددة تتشابه بتوجهها لإحكام سيطرتها على جميع الأصوات المعارضة لها، لإحكام قبضتها العسكرية.
وأضاف مراد، في حديث إلى عنب بلدي، أن هدف العمل الصحفي ليس فقط تغطية الأحداث، بل يتمثل أيضًا بكشف الحقائق والوقائع والمستور، الهدف الذي يعتبر عدوًا للسلطات الاستبدادية، مؤكدًا أن جميع الأراضي السورية على اختلاف الجهة المسيطرة إلى الآن لا يحكمها سوى الاستبداد.
وأشار الصحفي أحمد مراد إلى أن ما ينقص العمل الإعلامي في شمال غربي سوريا حاليًا (وفي عموم سوريا ككل، كون حال الإعلاميين في مختلف المناطق ليس بأفضل) هو الإطار القانوني، بمعنى حماية دستورية لحق حرية التعبير عن الرأي، التي تعتبر الأساس الذي تنطلق منه قوانين حماية الصحفيين، وقوانين الحق في حرية التعبير، وهو الشيء الذي لم يتحقق حتى الآن.
واعتبر مراد أن الروابط الصحفية المشكّلة حاليًا، هي جميعها مؤسسات تشكّل غطاء للصحفيين لضمان حقوقهم، لكنها لا تملك الأدوات على الأرض بشكل كافٍ، ما يجعل دورها مقتصرًا على المناصرة فقط.
وبالتالي، فإن هناك ضرورة لوجود الإطار القانوني والدستوري ووجود مواد دستورية تضمن عدم محاسبة الصحفيين وحمايتهم، وضمان حرية إنشاء المؤسسات الإعلامية.