عنب بلدي- ديانا رحيمة
ارتفعت خلال الأشهر السبعة الماضية وتيرة حركة السفن السورية والروسية، لنقل بضائع يُشتبه بأنها مسروقة من أوكرانيا، لتعبر عبر سوريا ومن خلالها إلى دول أخرى.
وعلى الرغم من تحذيرات كل من الأمم المتحدة والاستخبارات الأمريكية، والعديد من الدول الأخرى، من أن هناك أدلة موثوقة على أن القوات الروسية تسرق المحاصيل الأوكرانية، استقبلت حكومة النظام السوري عددًا من السفن القادمة من أوكرانيا.
حبوب ونفط وسلاح
في حزيران الماضي، شوهدت شاحنات روسية تفرغ صوامع الحبوب الأوكرانية وتنقل محتوياتها إلى المواني التي تسيطر عليها روسيا في شبه جزيرة القرم، بحسب ما ذكرته مصادر لشبكة “CNN” الأمريكية.
ومنذ شباط وحتى حزيران الماضيين، استولت القوات الروسية على حوالي 600 ألف طن من الحبوب الأوكرانية، وفقًا لـ”اتحاد المنتجين الزراعيين الأوكرانيين”.
وقالت السفارة الأوكرانية في لبنان لوكالة “رويترز” في وقت سابق، إن من بين الكمية حوالي 100 ألف طن من القمح، تزيد قيمتها على 40 مليون دولار أمريكي، شُحنت إلى سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتنفي روسيا من جانبها، مرارًا، المزاعم بأن قواتها تسرق الحبوب الأوكرانية، وقالت نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامشينكو، إن روسيا ” لا تشحن الحبوب من أوكرانيا”.
وتابعت عنب بلدي خلال الفترة الماضية، ابتداء من أيار الماضي، ما يتسرب ويُنشر من أخبار تحركات السفن التي مرت وهي تحمل قمحًا وخردة وأسلحة.
وكان “مرصد مضيق البوسفور” رصد، في أيار الماضي، عبر حسابه في “تويتر“، وصول عدة سفن ترفع العلم الروسي وتحمل الحبوب، قادمة من ميناء “سيفاستوبول” الواقع في شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل روسيا.
وكانت إحدى سفن الشحن، هي “ماتروس بوزينيتش”، التي مرت عبر “سيفاستوبول” في 28 من نيسان الماضي، ورُصدت في 2 من أيار الماضي على مضيق البوسفور، تحمل القمح.
ويؤكد تكوين السفينة ورحلاتها السابقة والبيانات الواردة من ميناء “سيفاستوبول” طبيعة الشحنة، وكان اتجاهها الأولي إلى ميناء “الإسكندرية” في مصر، ولكنها غيّرت وجهتها إلى بيروت ثم انتهت لتصل إلى ميناء “اللاذقية”.
وفي حزيران الماضي، قالت السفارة الأوكرانية في بيروت، إن روسيا أرسلت لحليفتها سوريا ما يقدّر بنحو 100 ألف طن من القمح، “سُرقت” من أوكرانيا منذ “غزوها” البلاد، واصفة الشحنات بأنها “نشاط إجرامي”.
وفي بيان تلقته وكالة “رويترز“، أفادت السفارة بأن الشحنات نقلت بواسطة السفينة “ماتروس بوزينيتش” التي ترفع العلم الروسي، والتي رست في ميناء “اللاذقية” البحري الرئيس في سوريا أواخر أيار الماضي.
وفي 8 من آب الحالي، وصلت ناقلتان روسيتان تحملان النفط إلى الشواطئ السورية، بحسب ما كشفت عنه صور ملتقطة للأقمار الصناعية.
ووفق ما نشره الناشط “Samir”، المهتم بتدقيق الخرائط العسكرية في سوريا، عبر حسابه في “تويتر“، فإن الناقلتين الروسيتين “YAZ” و”SIG” وصلتا على التوالي إلى ميناءي “بانياس” و”طرطوس”.
من جهته، أكد حساب “مراقب البوسفور”، في 29 من تموز الماضي، عبور ناقلتي النفط الروسيتين من مضيق البوسفور في مدينة اسطنبول متجهتين إلى سوريا، وقادمتين من ميناء “فيودوسيا” الواقع في شبه جزيرة القرم المسيطر عليها من قبل روسيا.
وفي 4 من آب الحالي، أعلنت وزارة النقل في حكومة النظام السوري وصول السفينة السورية “لاوديسيا” إلى ميناء “طرطوس”، والبدء بتفريغ حمولتها.
وفي بيان للوزارة، ذكرت أنه على مدى الأيام الماضية تواصلت الوزارة و”المؤسسة السورية للنقل البحري” (الجهة الحكومية المالكة للسفينة)، بالتعاون مع وزارة الخارجية (في حكومة النظام)، مع وزارة النقل والأشغال اللبنانية والمسؤولين في ميناء “طرابلس”، لمتابعة قضية السفينة التي كانت محجوزة في الميناء.
وأوضح البيان أن سبب توجه السفينة إلى لبنان، إيصال توريدات غذائية من الطحين إلى إحدى الشركات التجارية في لبنان، لتتابع بعدها رحلتها وإفراغ حمولتها في سوريا.
وأشارت الوزارة إلى أن صدور قرار القاضي اللبناني بالإفراج عن السفينة، جاء بعد “تدقيقه الأوراق والثبوتيات المتعلقة بالسفينة”، وهو ما دحض “ادعاءات” السفير الأوكراني في لبنان بأن الحبوب المحمولة كانت مسروقة.
وفي 9 من آب الحالي، قال موقع “بلومبيرغ”، إن سفينة تجارية روسية خاضعة لعقوبات أمريكية انطلقت من سوريا، وعبرت مضيق البوسفور باتجاه روسيا حاملة معدات عسكرية.
وجاء في تقرير الموقع، نقلًا عن مصادر استخباراتية أوروبية تعقبت السفينة الروسية “سبارتا 2″، أنها توجهت من ميناء “طرطوس” إلى ميناء “نوفوروسيسك” على البحر الأسود، وهي تحمل مركبات عسكرية للمشاركة في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وشوهدت السفينة في سوريا وهي تُحمّل مركبات عسكرية، كما رُصدت وهي تعبر مضيق البوسفور، وجرى التعرف إليها لاحقًا في ميناء “نوفوروسيسك” حاملة 11 مركبة.
وفي 18 من آب الحالي، وصلت سفينة “SV Konstantin” التي كانت انطلقت من شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا في البحر الأسود، في 6 من حزيران الماضي، وفقًا لبيانات موقع تتبع السفن “MarineTraffic“..
هل من ضوابط؟
سألت عنب بلدي، في إحاطة خاصة عبر الهاتف مع مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية والتجارية، رامين طلوي، عن إمكانية إيجاد طريقة لمراقبة النقل البحري، ومنع تهريب البضائع الأوكرانية عن طريق البحر.
وأجاب طلوي، رأينا تقارير عن مصادرة روسيا الإمدادات الأوكرانية، بما في ذلك سجلات نظام التعرف الآلي البحري الذي يشير إلى أن سفن الشحن التجارية الروسية تغادر بالقرب من أوكرانيا وهي مليئة بالحبوب، ووصف تلك التقارير بأنها “ذات مصداقية”.
وتابع أنه بدلًا من أن تسرقها القوات الروسية، يجب أن تكون هذه الحبوب في موانٍ بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتغذية السكان الذين يحتاجون إلى المواد الغذائية والحبوب والسلع الزراعية الأخرى الموجودة على تلك السفن.
ولم يتطرق طلوي إلى وجود أو البحث عن آلية لمراقبة النقل البحري.
سوريا على القائمة البيضاء
المحامي والخبير في القوانين البحرية عدنان حاج عمر، قال لعنب بلدي، إن السفن السورية التي تُستخدم حاليًا هي سفن مملوكة للشركة العامة للنقل البحري، وهي شركة تتبع للقطاع العام.
وتمتلك الشركة ثلاث سفن (سوريا، لاوديسا، فينيقيا)، وخط سيرها ضمن البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.
أما بالنسبة لموضوع القمح المسروق، فيجب الاطلاع على بوليصة الشحن، لمعرفة الجهة الشاحنة، التي يُحتمل أن تكون هي نفسها سرقت البضاعة وباعتها لجهة أخرى، ويمكن ألا تكون، لذلك لا يمكن تحديد ما إذا كانت البضاعة المشحونة على السفن السورية مسروقة أم لا من غير الاطلاع على وثائق الشحنات الرسمية، بحسب حاج عمر.
وأوضح المحامي أن السفن المملوكة للحكومة السورية تحمل علمها، وكل سفينة تُصنف بحسب رقمها، كما أن لكل علم تصنيفًا أيضًا، بحسب إدراجه من قبل المنظمة البحرية الدولية.
وقال حاج عمر، إن إطفاء رادارات السفن في أثناء تنقلها لمعرفة مكان وجودها، هو أمر مخالف لقوانين المنظمة.
وبحسب حاج عمر، فإن المنظمة البحرية الدولية تضع سوريا على “white list”(القائمة البيضاء)، أي أن المنظمة البحرية كإحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة تعترف بسوريا وتضعها على تلك القائمة.
تضم القائمة البيضاء الدول الأعضاء التي أكدت لجنة السلامة البحرية التابعة للمنظمة البحرية الدولية (MSC) أنها تتبع الأحكام ذات الصلة من الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب والاعتماد والمراقبة للبحارة، بحسب موقعها الرسمي.
ويعني الوضع في القائمة البيضاء، أن الشهادات الصادرة عن، أو نيابة عن البلدان المدرجة في القائمة، متوافقة مع المعايير المطلوبة، والتي تعني أن الحد الأدنى من متطلبات الكفاءة المحددة لجميع البحارة قد تم استيفائها من قبل البلدان المدرجة في القائمة. |
وتواصلت عنب بلدي، عبر مراسلة إلكترونية مع المنظمة الدولية البحرية، لمعرفة ظروف استمرار وجود سوريا على القائمة البيضاء، لكنها لم تحصل على أي رد.
كما لم تقم المنظمة البحرية الدولية لمدة سنتين بالمراقبة الدورية لدولة العلم (سوريا)، “بمعنى إرسال خبراء إلى الدولة المعنية لإثبات أن الدولة تعمل بما يوافق معايير المنظمة”، بحسب حاج عمر.
وفي حال إثبات إطفاء رادار السفن فهذا بحد ذاته يعتبر مخالفة قانونية لاتفاقيات ومعاهدات المنظمة البحرية، ويستوجب من المنظمة البحرية إزالة سوريا أو أي دولة ترتكب مخالفات مماثلة من القائمة البيضاء.
وبالحديث عما إذا كان بإمكان تركيا القيام بأي تحرك وإيقاف السفن المارة عبر البوسفور، والتي تطفئ أجهزة الملاحة، فإنها يحق لها فقط أن توقف السفن التي تهدد السلم والأمن، وسفن الدول التي هي في حالة حرب معها. في الحالة السورية، يجب أن نعلم ما التوصيف التركي للعلاقات مع سوريا، ولو أن كل المعطيات على الأرض السورية تشير إلى أن سوريا وتركيا هما في حالة حرب، بحسب حاج عمر.
ولكن المحامي الخبير، يعتبر أن المسؤولية الكبرى تقع على المنظمة البحرية في ضمان تطبيق القوانين البحرية من قبل الدول الأعضاء في المنظمة.
وأضاف أن المعيار الذي تلتزم به الدول هو العلم، فبريطانيا على سبيل المثال لا تُدخل السفن التي تحمل علم النظام السوري.
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي أدرج، عام 2015، عددًا من الكيانات السورية المشاركة في التجارة البحرية، الأمر الذي يحظر على الأشخاص الأمريكيين القيام بالتجارة مع هذه الكيانات، وهي المديرية العامة للمواني السورية، وشركة ميناء اللاذقية العامة، والشركة العامة لميناء طرطوس، والهيئة العامة السورية للنقل البحري، والشركة السورية العامة للوكالات الملاحية (شيبكو)، وغرفة التجارة السورية.
مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، هو وكالة استخبارات مالية وتنفيذ قانون في وزارة الخزانة بالولايات المتحدة، يدير ويفرض عقوبات اقتصادية وتجارية لدعم الولايات المتحدة لأجل أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية.
كما حدد المكتب ثمانية كيانات أخرى (غير أمريكية) وسبع سفن، على أنها تساعد الحكومة السورية ماديًا من خلال تسليمها شحنات غاز البترول المسال وزيت الغاز، وتسلمها عبر ميناء “بانياس”، الذي وصفه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بأنه “ميناء تسيطر عليه الحكومة”.