غزليات سورية- تركية في الشاي.. من سرنديب إلى شيراز

  • 2022/08/21
  • 10:15 ص
أنواع مختلفة للشاي السيلاني على أرفف بقالة محمود النويلاتي في حي الفاتح بمدينة اسطنبول (عنب بلدي)

أنواع مختلفة للشاي السيلاني على أرفف بقالة محمود النويلاتي في حي الفاتح بمدينة اسطنبول (عنب بلدي)

عنب بلدي- ضياء عاصي

“أمزج بين الصنفين، كي لا أكسر قلب أحدهم”، بهذه الكلمات برر المواطن التركي سروه إرين (Servet Erin)، شراءه الشاي السوري (السيلاني) من أحد محال البقالة في حي الفاتح بمدينة اسطنبول التركية.

سروه (38 عامًا)، الذي ينحدر من ولاية باتمان ذات الأغلبية الكردية، جنوب شرقي تركيا، يشتري الشاي السوري (السيلاني) من محال البقالة السورية في أغلب الأحيان، رغم مضاهاته للشاي التركي بالسعر.

ولا تعتبر سوريا منتجًا لنبات الشاي، رغم أنه الحاضر الأهم في جميع الأوقات، وفي المناسبات، فهو تارة مشروب المتعة، وأخرى يرافق السوريين على موائد الإفطار والعشاء، وما بينهما.

وإلى جانب وجود الشاي “السيلاني” في بعض المتاجر التركية، يقصد سروه المحال السورية “ليكسب هم الآخرون رزقهم”، مؤكدًا أن لا فرق عنده بين سوري وتركي، فالكل إخوة، حسب قوله.

تبدأ رحلتنا في عوالم الشاي من زقاق قديم في حي الفاتح بمدينة اسطنبول، حيث يجذب محمود النويلاتي (35 عامًا) المارّة، ويثير فضولهم بأنواع الشاي المصطفة على الرفوف خلف واجهة محله، كأطلس جمع ملامح الجغرافيا في تقسيماته.

المواطن التركي سروه إرين يحمل علبتين من الشاي السيلاني في أثناء خروجه من أحد محلات البقالة السورية (عنب بلدي)

سرنديب.. أرض “المعاذيب”

“المعاذيب”، جذرها عَذَبَ، أي من ترك الأكل لشدة العطش، بحسب المعجم “الوسيط“، إذ يجعل الحديث عن سرنديب، وهي جزيرة سيلان في كتابات العرب قديمًا، المرء عطشًا، لا يُذهب ظمأه إلا كأس من الشاي “السيلاني”، الذي يعتبره أهل الجزيرة بمنزلة الذهب الأسود.

استقلت سيلان عن الحكم البريطاني عام 1948، بعد قرابة 150 عامًا من الاستعمار، وسُجلت باسم سريلانكا رسميًا عام 1972، وهي جزيرة في المحيط الهندي جنوب الهند، ويفصلها عن شبه القارّة الهندية مضيق بالك، وفقًا للموسوعة البريطانية “بريتانيكا” (Britannica).

ولا يزال اسم “سيلان” يُستخدم أحيانًا لأغراض تجارية، فترى أنواع الشاي المتزاحمة على رفوف محمود النويلاتي، ومنها اليمني، والعراقي، والمغربي، والسوري، ورغم اختلاف طرق التحضير، يجمعها المنشأ “السيلاني”.

بدأت قصة الشاي في سريلانكا منذ أكثر من مئتي عام، عندما أحضر البريطانيون الشاي من الصين عام 1824، إلى المستعمرة “سيلان”، حيث زُرع في الحدائق الملكية لأغراض غير تجارية.

عام 1867، زرع تاجر البن الاسكتلندي جيمس تيلور، الذي تعلم أساسيات الزراعة في الهند، 19 فدانًا (7.5 هكتار) من الشاي في الجزيرة، لتبدأ معه زراعة الشاي للتجارة.

واتسعت المساحة المزروعة التي بدأها جيمس، لتبلغ حاليًا 220 ألف هكتار، ملبية بذلك 19% من الطلب العالمي، وفقًا لمنظمة “أبيكس” ( (Apexلترويج الصادرات السريلانكية.

 طيبات آدم.. ريح الجنة

يزعم أهالي الجزيرة أن آدم (عليه السلام) هبط بأرضهم، جالبًا معه بعضًا من بركات السماء وشيئًا من نعيم الجنة، يقصدون به الشاي، إذ توجد في جبل سرنديب آثار قدم يعتقدون أنها تعود لآدم.

عرّج الفقيه الأندلسي محمد القرطبي في كتابه “تفسير القرطبي” عام 1272 على ذلك، فقال، “أُهبط آدم في سرنديب بالهند ومعه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها فامتلأ ما هناك طيبًا”.

وفي هذا الصدد، ذكر الرحالة المغربي الشهير محمد ابن بطوطة، في كتابه “تحفة النُّظار في غرائب الأمصار” عام 1356، زيارته إلى جبل سرنديب “لمشاهدة آثار آدم لإشباع غريزة حب الاستطلاع”.

ونقل ابن بطوطة ما دار بينه وبين سلطان جزيرة سيلان من حوار، قائلًا، “ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة، قدم آدم عليه السلام، فقال السلطان، هذا هين، نبعث معك من يوصلك”

وتغنى ابن بطوطة بسحر الطبيعة في أثناء صعوده إلى جبل سرنديب، الذي يُعرف باسم “جبل آدم”، جنوب غربي الجزيرة، على ارتفاع ألفين و243 مترًا فوق سطح البحر.

وقال واصفًا المكان، “كنا نرى السحاب أسفل منا قد حال بيننا وبين رؤية أسفله، وفيه كثير من الأشجار التي لا يسقط لها ورق، والأزاهير الملونة والورد الأحمر، وفي الجبل طريقان إلى قدم سيدنا آدم”

ويُعرف طريق الصعود باسم “بابا” وطريق النزول بـ”ماما”، يقصدون بهما آدم وحواء بحسب ابن بطوطة، وأضاف، “فأما طريق ماما فطريق سهل، عليه يرجع الزوار ومن مضى عليه فهو عندهم كمن لم يزر، وأما طريق بابا فصعب وعر المرتقى”.

وأوضح ابن بطوطة أن في قمة الجبل يوجد أثر لقدم آدم مغموسة في الحجر، “وهي في صخرة سوداء مرتفعة بموضع فسيح، وطولها 11 شبرًا”.

على النقيض من ذلك، تناول ابن خلدون في كتابه “المقدمة” عام 1377، مسألة الأثر قائلًا، “وأما غير المساجد الثلاثة المعروفة (الحرام والنبوي والأقصى)، فلا نعلمه في الأرض، إلا ما يقال من شأن مسجد آدم بسرنديب، لكنه لم يثبت فيه شيء يعوّل عليه”.

أنواع مختلفة للشاي السيلاني على أحد الأرفف (عنب بلدي)

في هيام الشاي

اعتادت بتول محمد (27 عامًا)، التي تنحدر من الجولان المحتل، شرب الشاي التركي، ويرجع ذلك لإقامتها لأكثر من أربع سنوات في السكن الجامعي بمدينة سامسون شمالي تركيا.

ومع عدم وجود المقاهي العربية في مدينتها، كانت ترتاد المقاهي التركية بصحبة رفاقها الأتراك، وبقيت هذه العادة معها رغم مجيئها إلى اسطنبول، التي تمتاز بوفرة المقاهي العربية.

تعد بتول الشاي من الأساسيات في حياتها، وتستمتع بشرب الشاي التركي أكثر من السوري (السيلاني)، حتى إنها اعتادت شربه دون سكر، كشرب الأتراك للشاي، وفق ما قالته لعنب بلدي.

وأوضحت بتول أنها كانت لا تستطيع شرب الشاي السوري دون سكر، إذ كانت تضع قرابة الخمسة مكعبات من السكر في الكأس الصغيرة الحجم، إلا أنها تخلت عن ذلك تدريجيًا مع الشاي التركي.

وترجح كفة المقاهي التركية عند بتول، عندما تتجول في أحياء تعج بالمقاهي العربية والتركية، في تناغم يحيّر روادها وقاصديها.

ولا تتردد بتول في الذهاب إلى المقاهي العربية، برفقة أحد يرغب بشرب الشاي “السيلاني”، إذ لا تشعر بأن واحدًا يلغي الآخر، بحسب قولها.

يشعر الناظر في عيني بتول، خلال حديثها، بأنها وصلت إلى مرتبة الهيام في حب الشاي التركي، وكأنها تستعيد نفسها فيه، فترى في الشاي انعكاسها، وتأخذنا بهيامها فيه لإحدى أشهر غزليات الشاعر الفارسي الإيراني حافظ الشيرازي، في القرن الـ13، بقوله “ألا يا أيها الساقي أدر كأسًا وناولها.. فمن توقعه نفس في شراك العشق يعذلها”.

سحر الرشفة الأولى

والآن، كما يقول حافظ في ديوانه، “فدع شيراز واتبعني إلى بلد به الحسنى”، ووجهتنا طرابزون شمال شرقي تركيا على ساحل البحر الأسود.

تحدثت مروة شين ترك، من مدينة طرابزون، لعنب بلدي، عن تجربتها بشرب الشاي “السيلاني”، الذي تعرفت إليه من خلال زوجها السوري الجنسية.

أحبت مروة الشاي الذي أعده زوجها وأُعجبت بطعمه من المرة الأولى، وأخذت تصف شكله ولونه وخصائصه قائلة “براعمه كبيرة، ويختمر فورًا، ولست بحاجة لوضع كمية كبيرة بعكس الشاي التركي، وطعمه ليس مُرًا”، بحسب قولها.

ولشدة إعجابها بالشاي، أرادت مروة لجميع من في بلادها أن يتذوقه، كما أعدت الشاي لأهلها وأعجبهم، وأعربت عن أملها في أن يباع الشاي “السيلاني” في جميع الأسواق التركية.

تحتل تركيا المرتبة السادسة عالميًا بإنتاج الشاي، إذ تنتج منطقة شرق البحر الأسود ما معدله مليون و200 ألف طن من أوراق الشاي، وتأتي مدينة طرابزون في المرتبة الثانية بعد مدينة ريزا، بمعدل إنتاج 166 ألف طن، وفقًا لصحيفة “ملييت” ((Milliyet التركية.

منزل محاط بمزارع الشاي بمنطقة تشايلي في مدينة طرابزون شمالي شرقي تركيا (عنب بلدي/ ضياء عاصي)

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع