أصدرت وزارة العدل في حكومة النظام السوري تعميمًا يقضي بضرورة إجراء عدة مراحل في سياق دعاوى تثبيت الوفاة، وذلك في تعميم صدر عن الوزارة، في 10 من آب الحالي، وتداولته صفحات إخبارية محلية اليوم، الاثنين 15 من آب.
وبحسب التعميم، يُطلب من القضاة “ذوي الاختصاص” في أثناء نظرهم بدعاوى تثبيت الوفاة ضرورة التأكد من توفر الأدلة والمعطيات والإثباتات التالية:
- إدخال النيابة العامة بدعاوى تثبيت الوفاة.
- الطلب من فرع الأمن الجنائي المختص مخاطبة باقي الفروع الأمنية للتأكد من وجود معلومات حول الشخص المراد تثبيت وفاته أو الحصول على موافقة أمنية بذلك.
- تنظيم ضبط شرطة أصولي بواقعة الوفاة، والتثبت من هذه الواقعة.
- مخاطبة إدارة الهجرة والجوازات لبيان وجود حركة للشخص المطلوب تثبيت وفاته.
- الحصول على بيان أصولي من مختار المحلة يشهد فيه على صحة الوفاة وتأكيدها.
وبررت الوزارة إصدار هذا التعميم، بعد أن تبين لها من خلال تقارير التفتيش القضائي، أن بعض الدعاوى الشرعية المتعلقة بتثبيت الوفاة تنطوي على وجود بعض النقص في الإجراءات القانونية لدرجة “انحدار تلك المخالفات إلى وقائع جرمية، نص المشرّع الجزائي على منعها واعتبارها خرقًا للتشريع الجزائي، فضلًا عن ذلك فإن قانون العقوبات قد رتب بمواجهتها جزاء عقابيًا”.
واعتبرت الوزارة، أن الأحكام الصادرة بتلك الدعاوى تلحق ضررًا مدنيًا بأصحاب الشأن (أفراد وجهات عامة) بسبب النقص في الإجراءات الإثباتية التي تشوبها من الوجهة الأصولية.
“الاستسهال” وراء الإجراء
محامٍ مطلع في دمشق (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن الاستسهال “غير الحميد” الحاصل في المحاكم الشرعية بدعاوى تثبيت الوفاة، وما ينجم عنه من استغلال وخطورة، وراء هذا التعميم، الذي صدر بحسب ما يعتقده بتوجيه من الأفرع الأمنية، أو بملاحظة الوزارة لكثرة دعاوى تثبيت الوفاة.
وأوضح المحامي أن دعوى تثبيت الوفاة تُرفع بعد غياب الشخص لأكثر من أربع سنوات، ويستند القضاة في حكمهم إلى شهادة شخصين، ما اعتبره نوعًا من التساهل، حتى لو كان في سياق “تيسير أمور الناس”.
وتكمن خطورة تثبيت الوفاة عن طريق الشهود فقط في إساءة استخدامها، إذ من الممكن توفية شخص لا يزال على قيد الحياة، سواء عن غير قصد أصحاب الدعوى من ذوي الشخص المفقود (كالمعتقلين والمغيبين قسرًا)، أو عن قصد كحالات حصلت في مناطق سيطرة النظام خلال السنوات الماضية (كأن يوفى شخص مسافر بهدف الاستفادة من أملاكه أو تصرف الورثة بها)، وهي حوادث حصلت فعلًا، بحسب ما قاله المحامي.
وأوضح المحامي أن التعميم يصب في مصلحة المفقود، إذ يؤكد قضية وفاته أو ينفيها، بينما يزيد التعقيد على ذويه أو الورثة المفترضين.
وبعيدًا عن الضوابط والمحددات التي فرضتها وزارة العدل في هذا التعميم، ودورها في تقليل الآثار الخطيرة التي قد تنجم عن الحكم في هذا النوع من الدعاوى، اعتبر المحامي أن التعميم “غير دستوري، ونوع من الهيمنة على القضاء”، إذ لا يحق لوزير العدل إصداره كونه صادرًا عن أحد أشخاص السلطة التنفيذية، ويتضمن توجيهات للسلطة القضائية، موضحًا أن من المفترض أن يكون القانون هو المحدد لهذه المسألة.
الفروع الأمنية ستتحكم بمسار الدعوى
من جهته، اعتبر المحامي السوري أحمد صوان، في حديث إلى عنب بلدي، أن سبب هذا التعميم يعود لمحاولة النظام ضبط آلية إصدار قرارات وأحكام تثبيت الوفاة، وإعطاء سلطة وفرصة للجهات الأمنية لمراقبة هذه الأحكام، لتدقيقها ومقارنتها بلوائح معلومات الأشخاص المحتجزين أو الأحياء أو المتوفين.
وأكد صوان أن التعميم سيتسبب بإرباك شديد لذوي الشخص المطلوب تثبيت وفاته، معتبرًا أن الفروع الأمنية لن تستجيب لطلب القاضي بالسرعة المطلوبة، مضيفًا أن من المعروف أن من عادة تلك الفروع عدم الرد على أي مراسلة، أو مماطلتها والرد بحسب مزاجيتها، وذلك بسبب غياب الرقابة عليها، ما سيعوق إصدار أحكام تثبيت الوفاة.
كما سيتسبب تأخير إصدار أحكام تثبيت الوفاة، بسبب تقيد القاضي بإدخال النيابة العامة ومراسلة فرع الأمن الجنائي والفروع الأمنية وانتظاره صدور الموافقة الأمنية وجواب إدارة الهجرة والجوازات حول بيان حركة المطلوب تثبيت وفاته، بأضرار “كبيرة” على ذوي المتوفى في عدة حالات تعتبر من أبرزها توزيع الميراث، أو زواج أرملة المتوفى مرة ثانية، بحسب المحامي أحمد صوان.
–