حلم السفر إلى قطر.. أين انتهت تجارب “السوريين الأتراك”؟
دفع الوضع الاقتصادي المتردي لشريحة من السوريين، الحاصلين على الجنسية التركية، إلى التفكير بالسفر إلى قطر كمواطنين أتراك، بحثًا عن فرص للعمل فيها، وهو ما ارتفعت وتيرته خلال العام الأخير، بحسب ما رصدته عنب بلدي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع ازدياد أعداد السوريين المجنسين في تركيا، ارتفعت نسبة المنشورات في مجموعات خدمات السوريين عبر موقع “فيس بوك”، لمن يبحثون عن عمل في قطر، أو منشورات تتضمن نصائح لأشخاص قرروا السفر إليها.
في حين رصدت عنب بلدي العديد من الحالات، لشباب ذهبوا إلى قطر بحثًا عن عمل، لكنهم سرعان ما عادوا أدراجهم نظرًا إلى الظروف التي وصفوها بـ”الصعبة” التي عانوا منها هناك، فيما يتعلق بالأمور القانونية وفرص العمل.
فرص قليلة.. و”المونديال” زاد الصعوبات
حمو يبلغ من العمر 40 عامًا، وهو من الحاصلين على الجنسية التركية، غادر الأراضي التركية متجهًا إلى قطر مطلع العام الحالي، بعد أن أقنعه بعض أقاربه، من المقيمين هناك، بوجود فرص للعمل للمواطنين الأتراك.
ولا يحتاج السفر إلى قطر، بالنسبة للأتراك، إلى أي نوع من أنواع التأشيرة (الفيزا)، لكن الزيارة محدودة بثلاثة أشهر، إذ يجب على الزائر الحصول على عقد عمل، وتحصيل إقامة عن طريق “كفيل” للاستقرار فيها.
وكان لحمو كفيل من أقاربه، ما مكّنه من الإقامة في قطر بشكل قانوني، لكن فرصة الحصول على عمل فيها كانت شبه معدومة، إذ اكتشف أن أغلب الوظائف التي يمكن الحصول عليها في ذلك البلد، تتطلّب شخصًا يتحدث اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، خصوصًا مع التضييق منذ مطلع العام الحالي، تزامنًا مع اقتراب إطلاق “مونديال قطر” نهاية العام الحالي، إذ قيّدت بسببه الحكومة القطرية حركة السفر وقبول إقامات العمال فيها.
ومع مرور بضعة أشهر على إقامة حمو، عاد أدراجه إلى تركيا، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في قطر، وعدم قدرته على العمل فيها لقلة الفرص.
وتمنع قطر دخول المواطنين السوريين والإقامة فيها منذ نحو عشر سنوات، يُستثنى من ذلك المقيمون قبل صدور القرار، إذ يمكنهم دعوة أقاربهم من الدرجة الأولى للإقامة في هذا البلد.
ينحدر نعيم (42 عامًا) من محافظة حماه، وهو من الحاصلين على الجنسية التركية منذ عام 2018، إذ كان ينتظر انتهاء مراحل التجنيس، ليتمكن من السفر إلى دول الخليج، لبناء حياة عملية جديدة، بعيدًا عن صفة اللاجئ التي يحملها في تركيا.
ويقيم نعيم في تركيا منذ عدة سنوات، حاول خلالها تأسيس العديد من المشاريع، انتهت جميعها بالفشل، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ومع انتهاء مراحل التجنيس، وحصول نعيم على جواز السفر التركي، كانت أولى خططه البحث عن عمل في قطر، إذ اعتبرها في النهاية بلدًا عربيًا، قد يتمكّن فيه من بناء مستقبله من جديد، متجنّبًا الصعوبات التي واجهها في تركيا، كعوامل اللغة وغيرها.
ومع تكرار نعيم السؤال حول تكاليف المعيشة مقارنة بالدخل في قطر، بدأت أحلامه بالسفر “تتضاءل”، ومع زيادة عدد الأسئلة حول الوضع القانوني، وفرص حصوله على عمل، باتت فكرة السفر إلى ذلك البلد تبتعد أكثر.
نعيم قال لعنب بلدي، إن خطة السفر انتهت “بالاصطدام بتجارب من سبقوه من السوريين”، ما دفعه إلى محاولة الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا بصفته مواطنًا تركيًا، لكن أصوله السورية عاقت هذه الخطة أيضًا.
قوانين جديدة لـ”تخفيف العمالة”
من المُنتظر أن تُقام بطولة كأس العالم 2022 في قطر بين 21 من تشرين الثاني و18 من كانون الأول المقبلين، إذ يندفع اليوم هواة ومشجعو كرة القدم لشراء بطاقات المشجعين للحصول على تأشيرة دخول، ما دفع الحكومة القطرية إلى تشديد الإجراءات على دخول الأجانب.
وزادت قطر من شروط وإجراءات الحصول على “فيزا مشجع” للسوريين، كما أبلغت، قبل عدة أشهر، الشركات الأجنبية العاملة على أراضيها، بتخفيض نسبة عمالها دون 70%، بسبب الأعداد الكبيرة من المشجعين القادمين إليها.
محمد (40 عامًا)، وهو شاب سوري الجنسية ينحدر من محافظة حلب، يقيم في قطر منذ عام 2011، ويعمل في شركة لصيانة مكيفات الهواء، قال لعنب بلدي، عبر ميزة اتصال الفيديو، إن تخفيض نسبة العمال والأجانب في البلاد أمر محتوم قبل نهاية العام.
روى محمد لعنب بلدي تجربته بالحصول على فيزا لوالدته عن طريق “فيزا مشجع” التي تمنحها قطر لمشجعي كرة القدم لحضور بطولة كأس العالم المقبلة، إلا أنه تفاجأ بأنه ليس الوحيد الذي فكر بهذه الطريقة.
وبادر مواطنون عرب، ومنهم سوريون، للحصول على “فيزا مشجع”، تمهيدًا للتقدم بطلب إقامة حال وصولهم إلى الأراضي القطرية، مع العلم أن الحصول على الإقامة بهذا الشكل سيقابَل بالرفض بشكل حتمي، بحسب ما عاينه محمد خلال تجربته التي لم تكتمل بحصول والدته على “فيزا” إلى قطر.
وأشار إلى أن اهتمام الحكومة القطرية ينصبّ اليوم على إقامة بطولة كأس العالم، ما زاد من صعوبة الحصول على عمل بالنسبة للأجانب، ومن بينهم السوريون الحاصلون على جنسية أخرى.
وباتت مشكلة العمال السوريين في قطر جزءًا من قضية العمالة الأجنبية التي تعاني منها دول الخليج بشكل عام، إذ يحتج العمال الأجانب بشكل دوري بالقرب من وزارة العمل في العاصمة القطرية الدوحة لكثرة المشكلات المتعلقة بأوضاعهم، والتي لا تُقابل بحلول.
“انتهاكات” العمالة في قطر
يشكّل الرعايا الأجانب أغلبية السكان في قطر، بنسبة تزيد على 80% من عدد السكان، حسب تقديرات نشرتها منظمة العمل الدولية (ILO).
ويمثّل المهاجرون في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 10% من جميع المهاجرين على مستوى العالم، في حين تستضيف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التوالي ثالث وخامس أكبر عدد من المهاجرين في العالم.
منظمة العفو الدولية قالت في تقرير، إن جوهر الانتهاكات التي يواجهها العمال الأجانب في قطر، يتعلق بنظام “الكفالة” الذي يربط العمال الأجانب قانونيًا بأرباب عملهم.
وتشير المنظمة إلى العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بالإساءة إلى العمال الأجانب، التي لم يجرِ تناولها بشكل مباشر من خلال التغييرات القانونية الأخيرة التي نصت على إلغاء نظام “الكفالة”، وهي المستويات العالية من ديون العمال “الناجمة عن ممارسات التوظيف غير القانونية وغير الأخلاقية”.
والتأخير في دفع الأجور وعدم دفعها أحيانًا، والعوائق التي تحول دون تحقيق العدالة عند انتهاك الحقوق، وحظر إنشاء النقابات العمالية، والتقاعس عن إنفاذ قوانين العمل، وعدم معاقبة أرباب العمل الذين يسيئون إلى عمالهم، بحسب المنظمة.
وسبق أن أعلنت وزارتا الداخلية والتنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في دولة قطر، إلغاء نظام “الكفالة” للأجانب نهاية عام 2016، لتتيح للمقيم أن يبقى في البلاد بمجرد أن يملك عقد عمل يضمن حرية الخروج والعودة إلى البلاد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :