الانتهاكات في مناطق سيطرة “الوطني”.. شارع غاضب ومحاسبة ضعيفة
عنب بلدي- حسن إبراهيم
تتكرر الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية التابعة لفصائل معارضة، أو جهات ومؤسسات عسكرية تنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
وجود أجهزة قضائية و”شرطة عسكرية” و”شرطة مدنية”، والعديد من لجان الصلح، الموكل إليها محاسبة الانتهاكات بشكل عام، وملاحقة المطلوبين، والعمل على معالجة شكاوى المواطنين، لم يحد من استمرار الانتهاكات.
وعقب تظاهرات لأسباب إنسانية وخدمية مؤخرًا، سجلت المنطقة حالات اعتداء من قبل الأجهزة الأمنية بحق مدنيين وإعلاميين، لاقت تفاعلًا واسعًا ومطالبات بالمحاسبة، ترافقت مع بيانات نددت بما حصل من اعتداءات، وانتقادات بأن هذه الممارسات “تحاكي” ممارسات أجهزة أمن النظام السوري.
وتنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرقي سوريا، عدة أجهزة أمنية وعسكرية تتبع له بأسماء عديدة ورايات مختلفة، تعلن بشكل دوري عن عمليات، سواء أمنية أو عسكرية، وتقيم بعض الحواجز على الطرق الرئيسة أو في مداخل الأسواق.
طالب وإعلامي تحت الضرب
في 7 من آب الحالي، تهجّم أحد عناصر “الشرطة المدنية” في مدينة اعزاز، بريف حلب الشمالي، على طالب خلال مظاهرة خرجت رفضًا لقرارات مديرية التربية، واحتجاجًا على نتائج الثانوية العامة.
وعرض تسجيل مصوّر نشرته شبكات محلية اعتداء العنصر على أحد الطلاب، بعد منع الطالب من الكتابة على حائط مديرية التربية، ليحول بينهما عدد من الطلاب حاولوا تخليص الطالب.
لاقت الحادثة تفاعلًا واسعًا، أصدرت على إثرها مديرية أمن اعزاز بيانًا وضّحت فيه ملابسات الحادثة، دون أي تعليق حول محاسبة العنصر الذي ضرب الشاب، بعد مطالبات عديدة بمحاسبته.
وتداولت الشبكات المحلية وسم “لا تكتب ع الحيط”، وهي العبارة التي قالها العنصر للطالب قبل الاعتداء عليه، ودفعه باليد، وترافق ذلك بموجة استنكار وغضب من قبل مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما فعله عنصر الشرطة بحق الطالب، واصفين عمله بـ”التشبيحي”، مطالبين بوضع حد لهذه التجاوزات ومحاسبة مرتكبيها.
سبق حادثة الاعتداء على الطالب، تعرّض الناشط الإعلامي “مالك أبو عبيدة” ومراسل قناة “الجزيرة”، ومجموعة من الناشطين والصحفيين معه، لاعتداء من قبل عناصر من الشرطة، خلال تغطية احتجاجات القطاع الطبي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في 1 من آب الحالي.
ونشر الناشط عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك” تسجيلًا مصوّرًا وصورًا تُظهر لحظة اعتداء عناصر من الشرطة عليه وعلى مجموعة من الناشطين والصحفيين، خلال احتجاجات نفذها عاملون بالقطاع الطبي في مدن الباب والراعي وعفرين، شمالي سوريا، للمطالبة بتحسين رواتب الأطباء والممرضين في مستشفيات المنطقة، والتنديد بسوء المعاملة من الإداريين في المستشفيات العامة.
وتبع الحادثة بساعات لقاء بين بعض الإعلاميين في المنطقة وقيادة شرطة مدينة الباب، تعهدت الأخيرة بمحاسبة العناصر المتسببين بالاعتداء، وعدم تكرار مثل هذه الحوادث.
مرتكب الانتهاك هو “الخصم والحكم”
الانتهاكات التي يرتكبها قياديون وعناصر في مناطق نفوذ “الجيش الوطني” ليست جديدة، وبعد كل حادثة تبدأ موجة من الانتقادات والاتهام للقضاء بـ”العجز والغياب”، ومطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وفي 18 من أيار الماضي، أفرجت “الشرطة العسكرية” عن الشاب محمد حسان المصطفى، المتهم بانتمائه لصفوف النظام السوري، وارتكابه انتهاكات ضد المدنيين، مقابل دفع غرامة 1500 دولار أمريكي، بوساطة القيادي في “فرقة السلطان مراد” حميدو الجحيشي، المنضوية تحت راية “الجيش الوطني”.
ووقّع القرار رئيس فرع “الشرطة العسكرية”، العقيد عبد اللطيف الأحمد، لكن “الشرطة العسكرية” عاودت اعتقاله مجددًا بعد ساعات، إثر موجة غضب كبيرة من قبل الأهالي انعكست على وسائل التواصل الاجتماعي.
ظهرت بعد الحادثة العديد من الأصوات الرافضة لعملية الإفراج عن المتهم، واصفة الحادثة بأنها “خيانة لدم الشهداء”، وكل من يدافع عن “الشبيحة” بأنه “شبيح” مثلهم، وتبعها إصدار عدة بيانات إدانة ومطالب بالمحاسبة من قبل جهات وشخصيات محلية.
وأحالت “هيئة ثائرون للتحرير”، المكوّنة من عدة فصائل والمنضوية تحت راية “الجيش الوطني”، القيادي الضالع بالإفراج عن متهم بـ”التشبيح” إلى القضاء العسكري لاستكمال التحقيقات والإجراءات القضائية بحقه أصولًا، لتفرج عنه بعد أسبوع دون أي توضيحات.
مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، قال لعنب بلدي، إن ضلوع الأفراد أو الجهات سواء في “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، أو الفصائل أو الأجهزة الأخرى التابعة لها في هذه الانتهاكات، وقف عائقًا أمام المحاسبة، فـ”مرتكب الانتهاك هو الخصم والحكم، ولا أحد يحاكم نفسه”، حسب تعبيره، مشيرًا إلى غياب نظام قضائي إداري واضح وقوي، وسط تعدد الفصائل والمجموعات التي يمتلك كل منها طريقة تحكيم مختلفة.
المحاسبة غير موجودة في مناطق تسود فيها الفوضى، فكل فصيل يمثّل كيانًا ودولة على الأرض، بحسب الأحمد، وعزز ذلك وجود نظام قضائي مشلول ومتورط في إصدار “أحكام غير عادلة”.
الناطق الرسمي باسم “لجنة رد المظالم والحقوق”، التي تُسمى أيضًا “اللجنة المشتركة لرد الحقوق في مدينة عفرين وريفها”، وسام القسوم، قال لعنب بلدي، إن قيادة الفصائل والفيالق التابعة لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، يناط بها متابعة سلوك الأفراد الذين قد تصدر منهم أي إساءة أو تجاوز، ومحاسبتهم عبر المؤسسات المختصة.
وفي حوادث سابقة، تواصل عدد من قادة الفصائل مع القضاء المختص لتنفيذ المذكرات القضائية أو الأحكام الصادرة بحق منتسبي “الجيش الوطني”، بحسب القسوم، الذي شدد على ضرورة العمل على منع التجاوزات التي قد تحصل عبر نشر الوعي بين أفراد “الجيش الوطني”، وتقوية المؤسسات القضائية ودعمها، ومحاسبة من يصدر منهم أي إساءة بشكل حازم.
وبرز اسم “لجنة رد المظالم والحقوق” كجهة تهدف لإعادة الحقوق التي سلبتها عدة فصائل عسكرية، وإيجاد حلول مناسبة للمشكلات، وهذه اللجنة أُنشئت في أيلول 2020.
لا أفق أمام المحاسبة.. التوثيق ضرورة
برزت قضية قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) “المعزول” محمد الجاسم (أبو عمشة)، في أواخر عام 2021، والذي لم يُحاكم قضائيًا في ريف حلب بعد إدانته، وظهر بمنصب قيادي في فصيل آخر.
في 10 من كانون الأول 2021، شُكّلت لجنة ثلاثية “حيادية” للتحقيق في انتهاكات “العمشات”.
بعد شهرين من التحقيق، أجرت خلالهما 45 جلسة، وما يزيد على 12 ساعة من الجلسات يوميًا، واستجوبت 85 شخصًا من مدّعين ومدعى عليهم وشهود، أثبتت اللجنة انتهاكات الفصيل وقائده، واتخذت قرارات طلبت تنفيذها، لكن “أبو عمشة” لم يخضع للمحاسبة من قبل أي جهة قضائية. |
لا يرى مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أي أفق لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، معتبرًا أن الأمر لا يقتصر على مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، وأن المحاسبة الحقيقية لأي مرتكب انتهاكات تتجلى في حال وجود محكمة دولية أو مختلطة أو وطنية، مستقلة قادرة على محاكمتهم.
توجد فوضى في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” لا تتطابق مع فلسفة الدول، قال الأحمد، وذكر أن وجود لجان شرعية أو وطنية أو هيئات يتم تشكيلها عند كل حادثة، دليل على ضعف القضاء وعجزه، فهو مقتصر على حل مشكلات تتعلق بمشاجرة أو غيرها.
واستبعد مدير المنظمة الحقوقية أن تكون الأجهزة القضائية العاملة في المنطقة قادرة على المحاسبة على انتهاكات كبيرة مثل “جرائم الحرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، مشددًا على أهمية توثيق الانتهاكات، آملًا بتحقيق المحاسبة وإرجاع الحقوق إلى أصحابها حين تكون الظروف متاحة.
ووثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل أربعة مدنيين بينهم طفلان وسيدة على يد الفصائل المنضوية تحت راية “الجيش الوطني السوري” خلال تموز الماضي، ووثقت 28 حالة اعتقال واحتجاز بينها أربع سيدات، أُفرج عن ست حالات اعتقال وتحوّل 22 من المعتقلين إلى مختفين قسرًا.
وفي 5 من آب الحالي، وثّقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” اعتقال ما لا يقل عن 311 شخصًا، بينهم 12 امرأة وطفلًا في منطقة عفرين شمالي حلب، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
وأُطلق سراح 282 شخصًا من مجموع عدد المعتقلين، وتوفي شخصان على الأقل، بحسب المنظمة التي أشارت إلى أن عدد المعتقلين يشمل فقط الأشخاص الذين تمّ تحويلهم إلى أماكن احتجاز تابعة لأجهزة أمنية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :