“إبادة الكتب”.. تدمير الثقافة في صراعات القرن الـ20
يرتكب الإنسان الفظائع، أو يحرّض آخرين على ارتكابها، ليس بسبب خلل في شخصيته فقط، بل لأنه يؤمن بأفكار تحرّض على اقتراف الفظائع وتسويغها.
لذلك، تقع الكتب والمكتبات في الحروب ضحية لهمجية الأطراف المتنازعة، كما الضحايا من البشر، حينها تُنهب الكتب، وتُقصف المكتبات، وتُحرق بطريقة منهجية.
في كتابها “إبادة الكتب”، ترصد الباحثة ربيكا نوث حملات تدمير الكتب القائمة على عمليات موجهة نحو هدف مرسوم وخطط مرسومة بعناية، في إطار الصراعات التي اندلعت بين رؤى متعارضة في القرن الـ20.
في هذه الحالة، تكون الكتب بصدد همجية متعمدة ومدروسة، تستهدف ثقافة جماعة ما، وينطلق رد فعل العالم أجمع من إحساس بأن الثقافة الإنسانية بأسرها قد تعرضت للاعتداء.
مصطلح “إبادة الكتب” يشير دون أي شك إلى تدمير الكتاب، وفي هذه الحالة يكون هناك اقتران بين الكتاب والتدمير، مثل قتل أو إهلاك الإنسان، ويبرز أصل المصطلح الرابط بينه وبين الإبادة الجماعية والإبادة الإثنية.
اختارت الكاتبة هذا المصطلح للإشارة تحديدًا إلى التدمير الواسع النطاق للكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية في القرن الـ20.
وتشمل فصول الكتاب (368 صفحة) من الرابع حتى الثامن منها، عرض حالات مختارة لبيان وجاهة الإطار العملي لإبادة الكتب، وشرح آليات تدمير الكتاب، كما هي الحال على يد النازيين، والصرب في البوسنة، والغزو العراقي في الكويت، والماويين في أثناء الثورة الثقافية الصينية، والشيوعيين الصينيين في التبت.
وبُني اختيار هذه الحالات على إمكانية الحصول على المصادر، والمسائل المتعلقة بالتمثيل الجغرافي والسياسي، وقابلية دراسة الحالة لتعزيز فهم دوافع مرتكبي الإبادة، وبيان التحولات المختلفة لهذه الظاهرة.
وتعد حالة ألمانيا النازية، حسب الكتاب، النموذج المثالي لهذه الظاهرة، ويتم من خلالها استكشاف تدمير الكتب والمكتبات في القرن الـ20، وكانت كل العناصر الأيديولوجية التي بوصفها تسهم في التدمير الثقافي حاضرة لدى النازيين، فالقومية والإمبريالية والعسكرية العدوانية والعنصرية والشمولية وجدت لنفسها مواضع راسخة داخل المجتمع الألماني في ظل هتلر.
قتل النازيون حوالي 21 مليون إنسان خلال حرب كانت في الأصل صراع أفكار، وبالإضافة إلى ذلك، سعى النازيون إلى الاستيلاء على التراث الثقافي لأعدائهم أو محوه في أثناء موجات العنف.
ويسرد الكتاب كيف يكون إحراق الكتب وسيلة لإفنائها، وعندها لا يتم انتهاك الكتاب فقط، بل كاتبه والحضارة التي يمثّلها، وليست الكتب جمادات لا حياة فيها، بل هي وعاء لقوة حياة كامنة، أُريد لها أن تكون فاعلة مثل الروح التي كتبتها.
وبالإضافة إلى ما تتسم به الكتب من حيوية لصيقة بجوهرها، فهي تنفخ في المجتمعات الروح، أما المكتبات فتنسج القصص التي تمنح حياة الأفراد شكلًا ومعنى، فتساعد الأفراد والثقافات على تحديد وجهاتهم ومعرفة ذواتهم، ليتواصل بعضهم ببعض، وترتبط نفس بنفس، وزمن بزمن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :