نبيل محمد
يوحي الاجتماع الموسّع الذي عقده رئيس وزراء النظام السوري ومجموعة من الوزراء والمسؤولين مع القائمين على الدراما السورية، بوجود قضايا خلافية كبيرة، بحاجة إلى حلول جذرية للخروج بمنتج فني مرضٍ للجميع. فيما تظهر القضية الأساسية هي الوقوف في وجه الإنتاج الخارجي، الذي يبدو أن هنالك إجماعًا من قبل طرفي الورشة المسمّاة “الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية” على أنه يسيء لقيم المجتمع السوري، ولا يعكس أزماته الحالية.
توحي وسائل الإعلام السورية التي غطت الورشة، بأجواء صدامية، وجرأة استثنائية ظهر بها الفنانون والعاملون في الشأن الدرامي والسينمائي، جرأة ظهرت في مداخلات من اعتادوا تسويق جرأتهم عبر وسائل الإعلام ذاتها خلال السنوات السابقة، مقابل مرونة وتقبّل من قبل الجهات الحكومية الرسمية التي سوف تستوعب هذه الجرأة، بل وستطالب بوجودها وصولًا لحل المشكلات العالقة.
من ثوابت العلاقة بين القطاع الرسمي وصنّاع الدراما السورية في الداخل السوري، هذا الود الذي يندرج تحت عنوان وحدة القضية والهدف. أما الخلاف فهو جزء من تفاصيل إجرائية يُفسح فيها المجال للفنانين لرفع أصواتهم، بعد الاطمئنان على أنهم قد رددوا الشعار قبل تسلّم الميكروفونات ورفع الأصوات في القاعة ونيل تصفيق الجمهور. يظهر منذ بداية الورشة أن ما هو محسوم ليس مكانًا للنقاش، مع أن المحسوم من المفترض أن يكون هو أساس المشكلة بالنسبة لفنان يريد أن يصنع الاختلاف بفنه. قال رئيس الحكومة، حسين عرنوس، في افتتاح الورشة، “للدراما دور حيوي وجوهري في إدارة الحرب الوجودية المفروضة على بلدنا الحبيب، كيف لا وقد أشار السيد الرئيس، الدكتور بشار الأسد، في غير مناسبة إلى أهمية التصدي للعدوان الفكري الذي يستهدف الهوية الوطنية والعربية”. بناء على ذلك، يبدو الخلاف ليس على هوية الدراما، فهي محسومة أنها جزء من جبهة الصمود ضد أنواع العدوان، إنما على التفاصيل التي تؤهل الفنان للقيام بدوره الوظيفي للدفاع عن بلده.
يطالب الفنان عباس النوري في الورشة باستصدار مرسوم يتعلق بسير العمل الفني، قائلًا إن هذا من اختصاص الحكومة، ومصرًا على أن سر العمل الفني ليس بالدعم المالي إنما بالقانون الذي يسمح بالحركة والإنتاج. هو الفنان ذاته الذي رفع سقف جرأته في وقت سابق ليجد أن كبرى أزمات البلاد هي سلطة المخابرات، فنال ما ناله حينها. المخابرات التي انتقدها هي الابن الشرعي للنظام الذي يطالبه اليوم بتشريع العمل الفني بشكل مختلف. أما فراس إبراهيم فيضع يده فوق يد رئيس الحكومة على ألا يكون ما قيل مجرد خطابات، فقد مل الفنان الحزين من الخطابات، ويريد تطبيقًا لها دون الدخول في تفاصيل ما يريد تطبيقه، فلعل دخوله في التفاصيل سيربكه خاصة إن كان ليس على دراية تامة بما يريده تمامًا.
أفضل ما خرجت به الورشة بلا شك هي مداخلات المنتج الشهير محمد قبنض، تلك الشخصية الكاريكاتيرية الثرية، التي تعبر بما لا شك فيه عن واقع الدراما السورية الحالية. تريد أن تعرف ما وضع الإنتاج الدرامي داخل سوريا؟ حسنًا، يمكن متابعة أحد لقاءات قبنض.
أصر قبنض على قضايا مخالفة نسبيًا لما يقوله رئيس الحكومة ونقيب الفنانين وبعض صنّاع الدراما الذين يدعون للمصالحة مع الفنانين السوريين المقيمين في الخارج، قائلًا، “الفنان اللي راح فينا نصنع متلو، لأننا صنّاع. نصنع ممثلين ومنتجين وقراء، ما دامت الولّادة تعمل”. ما جاء على لسان فاسد جاهل كقبنض هي خلاصة ما يمكن أن يواجه به النظام السوري الفنانين في الخارج، بل ودعاة المصالحة معهم. والحقيقة العميقة عادة ما لا تتسرّب على لسان أمثال قبنض.
واحدة من أكبر مشكلات الدراما بالنسبة لأغلبية صنّاعها الذين عبروا بمداخلاتهم وتصريحاتهم للوسائل الإعلامية، أنها لا تواكب تضحيات “الجيش السوري”، ولا تعبر عن الهوية المحلية. ماذا يمكن أن تفعل الدراما لتواكب ما يحدث؟ تقصف المدن بالكاميرات المتفجّرة مثلًا!