لماذا يتجاهل النظام السوري تقارب حركة “حماس”؟
تعددت إعلانات حركة “حماس” الفلسطينية بشان نيّتها إعادة العلاقات مع النظام السوري، دون أن يثير ذلك أي رد فعل رسمي من النظام السوري، في حين استمر الإعلام المحلي والشخصيات الموالية للنظام بتصدير الرواية المعهودة المهاجمة للحركة.
وعنونت جريدة “الوطن” المقربة من النظام السوري، في عددها الصادر في 8 من آب الحالي، بـ”حماس غدرت بالمقاومة وردت على العدوان بالبيانات”، وذلك في معرض روايتها لأحداث الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، مُتهمة الحركة بخيانة الفلسطينيين، وبتبعيتها لجماعة “الإخوان المسلمين”.
كما نشر رئيس غرفة صناعة سوريا، فارس الشهابي، خلال تعليقه على أحداث غزة، اتهامات مُبطنة للحركة بانتمائها لحلف يضم اسرائيل، وعن دورها بافتعال صراع داخلي بين الفصائل الفلسطينية.
وبحسب تقرير لصحيفة “القدس” الفلسطينية، نُشر أواخر تموز الماضي، فإن النظام السوري لا يتجاوب حتى الآن مع محاولات “الوسطاء” تقريب وجهات النظر بينه وبين حركة “حماس”، في ظل قرار الحركة الذي اتُّخذ منذ عدة أشهر بإعادة العلاقات مع النظام.
ووفق مصادر الصحيفة، فإن جهود “الوسطاء” لم تحقق أي نتيجة، في ظل حالة من “الفتور” لدى “القيادة في دمشق” تجاه الحركة.
وتوقعت أن عودة العلاقات بين “حماس” والنظام السوري ستحتاج إلى مزيد من الوقت قد يصل إلى سنوات.
لا مصلحة للنظام بالتطبيع
انطلقت إعلانات “حماس” بقرار إعادة العلاقات مع النظام السوري، بعدما أعادت بعض الدول العربية افتتاح سفاراتها في دمشق، وفتحت أخرى قنوات تواصل سياسية واقتصادية، كالجزائر التي تدعو لعودته إلى “الجامعة العربية”، وتصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد، الأخيرة التي توحي بتقبل الأخير لتوطيد العلاقات مع النظام.
الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ماجد عزام، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري لم يعد بحاجة لحركة “حماس”، وغير مستفيد من عودة العلاقات معها، وإنها تقدم فعلًا كل ما يحتاج إليه منها بتبنيها رواية “محور المقاومة”.
وتدين حركة “حماس” بشكل متكرر الضربات الإسرائيلية على مناطق النظام السوري، وتصفها بـ”العدوان الغاشم”.
كما أرسلت وفدًا، في عام 2020، برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، إلى إيران للتعزية بوفاة قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، المسؤول عن العمليات العسكرية المساندة لقوات النظام السوري، و”الحشد الشعبي” في العراق.
وتربط بين حركة “حماس” و”حزب الله” اللبناني علاقة وثيقة، ما جعل الأخير يطالب الحركة بإعادة علاقاتها مع النظام، كما أعلن أمين عام الحزب، حسن نصر الله، في 25 من تموز الماضي، أنه “مهتم شخصيًا بتسوية العلاقة بين (حماس) وسوريا”.
ويشارك “حزب الله” في القتال إلى جانب النظام السوري منذ عام 2012، وخاضت قواته معارك في مختلف المناطق، وقُتل المئات من عناصره، واعتبر الأمين العام أن الحزب دخل إلى سوريا لسببين، الأول إيمانه بأن ما يجري هناك “مؤامرة كونية تستهدف محور المقاومة”، والثاني بطلب وموافقة “القيادة السورية”.
ولا تخفي “حماس” تلقيها الدعم من إيران وعلاقتها القديمة معها، وهي تعتبر الحليف الأساسي للنظام السوري وشاركت معه عبر “فيلق القدس” وغيره من الميليشيات في العمليات العسكرية ضد الحراك الثوري في سوريا.
بانتظار الأمر الإيراني
أشار الدكتور ماجد عزام إلى أن المفاوضات مع “حماس” لتطبيع العلاقات مع النظام لم تكن جديدة، بل بدأت منذ تولي يحيي السنوار، في عام 2017، رئاسة المكتب السياسي للحركة.
وأوضح الباحث الفلسطيني أن التهدئة بالمفاوضات كانت “مقصودة” إلى حين الحصول على كل ما يمكن من “تلميع” لصورة “محور المقاومة” وأعضائه، إلى حين أن طالبت إيران الحركة بإجماع علني للتطبيع كنوع من “الابتزاز”.
وجاء أول إعلان عن قرار “حماس” بإعادة علاقاتها مع النظام، في 21 من حزيران الماضي، عبر وكالة “رويترز”، التي نقلت عن مصدر من داخل الحركة لم تسمِّه، أن الجانبين عقدا عدة اجتماعات “رفيعة المستوى” للوصول إلى هذا القرار، بينما لم يرد أي تأكيد أو نفي من جانب النظام السوري حول إعادة العلاقات مع “حماس”.
وفي 28 من الشهر نفسه، قال عضو المكتب السياسي في الحركة، خليل الحيّة، “جرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى الحركة من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سوريا”.
وأضاف، “وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون، ومعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق”.
وبحسب عزام، فإن النظام السوري سيعلن عن إعادة العلاقات مع “حماس” عندما يأتي “القرار من إيران” بتسوية العلاقات، حيث سيكون النظام “مجبرًا” حينها على الموافقة.
ونوّه عزام إلى أن وجود مستشارة رئيس النظام السوري، بثينة شعبان، في اجتماعها مع عدد من الفصائل الفلسطينية منذ بداية الأسبوع الماضي، كان رسالة إلى أن النظام ما زال غير متوافق مع “حماس”، مستبعدًا وجودها ضمن “محور المقاومة”.
واجتمعت شعبان، في 7 من آب الحالي، بمقر المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق، مع “مؤسسة القدس الدولية في سوريا” و”تحالف قوى المقاومة الفلسطينية” و”اللجنة الشعبية العربية السورية لمناهضة المشروع الصهيوني”.
وخلال الاجتماع قالت شعبان، “وقف البعض ضد سوريا، ونسأل اليوم بكل موضوعية هل الذين وقفوا ضد سوريا ومولوا هذه الحرب أقوى اليوم على الساحة الإقليمية والدولية أم هم أضعف، لا شك هم أضعف اليوم، لأن من يُضعف سوريا يُضعف ذاته ومن يُضعف فلسطين يُضعف ذاته”.
قرار بـ”فلترة الحركة”
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي تعميمًا لـ”مديرية العمليات الأرضية” التابعة لـ”مؤسسة الطيران السورية” على المديرين ووكلاء الخطوط الجوية، بمنع دخول الفلسطينيين إلى سوريا دون موافقة “الفرع 235″ المعروف بـ”فرع فلسطين” بالعاصمة دمشق، ويُستثنى من هذا القرار الفلسطينيون حملة الوثيقة السورية.
ولم تنشر “الطيران السورية” عبر معرفاتها الرسمية هذا التعميم، الصادر في 17 من تموز الماضي، لكن “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” أكدت لعنب بلدي صحة صدوره داخليًا.
وأوضح الباحث السياسي ماجد عزام، أن النظام لم يتوقف عن القرارات المناوئة للفلسطينيين، وأفاد بأن من المحتمل صدور القرار المرتبط بقرار “حماس” نيتها إعادة العلاقات مع النظام، لتحديد من بإمكانه من أعضاء الحركة الدخول إلى مناطق النظام.
واعتبر عزام أن الوضع الحالي لمناطق النظام “غير آمن” لعناصر “حماس”، حيث يمكن اعتقالهم من قبل النظام أو حتى استهدافهم بالقصف الإسرائيلي.
وفي 2019، فشلت إسرائيل في محاولتها لاغتيال القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي”، أكرم العجوري، عن طريق قصف منزله بدمشق، في حين قُتل جراء القصف أحد أبنائه.
إعلان الحركة نيتها إعادة العلاقات مع النظام يأتي بعد عشرة أعوام من القطيعة، وإغلاق مكتب الحركة في دمشق، إثر معارضة “حماس” للنظام مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وذلك على لسان رئيس مكتبها السياسي حينها، خالد مشعل.
وفي أيار 2021، أشاد أحد قياديي الحركة، أسامة حمدان، بموقف الأسد، لدعمه ومساندته لـ”المقاومة الفلسطينية”، وقال حمدان في مقابلة له على قناة “الميادين“، إن “موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريبًا ولا مفاجئًا، ومن يحيينا بتحية نرد بخير منها، ومن الطبيعي أن تعود العلاقات مع دمشق إلى وضعها السابق”.
ومرت العلاقات السياسية بين حركة “حماس” والنظام السوري بتقلبات منذ تأسيسها، بدأت بمرحلة التردد بفتح أبواب دمشق أمامها في عهد الرئيس السابق، حافظ الأسد، في تسعينيات القرن الماضي، قبل تطور العلاقة بشكل تدريجي لتصل إلى مرحلة الازدهار ثم القطيعة في عهد بشار الأسد.
وقدم النظام السوري دعمًا بمختلف المجالات للحركة، أمّن استقرارها سياسيًا وتطورها عسكريًا، ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، حاولت الحركة المحافظة على علاقة متوازنة مع النظام، لكنها لم تتمكن من ضبط مواقفها، وكثيرًا ما تخبطت في تصريحاتها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :