رحلة بنجامين ريتش إلى سوريا
نبيل محمد
على قناته الشهيرة في “يوتيوب”، نقل الرحّالة الإنجليزي العالمي الشهير بنجامين ريتش وقائع رحلته إلى سوريا مؤخّرًا، لينال الفيديو تفاعلًا كبيرًا كعادة الرحّالة الشهير الذي زار مناطق متفرقة من العالم، وركّز على تلك المناطق التي تعجّ بالصراعات، أو التي يتضمّن تاريخها حروبًا أنتجت مجتمعات ما زالت تعاني آثار تلك الحروب.
ليس مستغربًا أن يكون دليل ريتش السياحي داخل سوريا قادرًا على تمرير مختلف الرسائل السياسية المنظّمة، وإقناع الرحّالة بالرواية الرسمية لتفاصيل الصراع والحياة في سوريا اليوم. الدليل السياحي رامي كان مجهّزًا بابتسامة عريضة مستمرة، ولغة إنجليزية جيدة، وسيمفونية من الجمل الجاهزة المعدّة في المكاتب والأفرع.
جهود رامي وريتش والصديق المرافق له في الرحلة سيمون، في إظهار الوجه السياحي لسوريا، ستفشل عند أصغر مواجهة مع شرطي أو عنصر أمن سوري، سواء بإظهار تلك المواجهة كاملة أو حتى بإخفائها. ما إن ينتقل الرحّالة من الحدود اللبنانية التي استمرّ بتصوير الفيديو في أثناء المرور فيها إلى الحدود السورية، حتى تتوقّف الكاميرا عن التصوير، ويرتعد الرحّالة بالقرب من نقطة التفتيش مما قد يحدث.
المواجهة الواضحة الثانية كانت مع شرطي سير يطلب وقف التصوير. أما المشهد الأهم الذي سيقدّم تلك الرسالة التي حاول الرحّالة ودليله إخفاءها مرارًا، فهو مشهد اقتحام عناصر الأمن للسيارة، حيث فتحوا الباب وطلبوا جوازات سفر الركاب الذين كانوا يتحدّثون بلغة إنجليزية إلى عناصر الحواجز. حينها بالتأكيد تم إيقاف التصوير، وبالتأكيد أيضًا تم تغييب الحوار أو الحدث الذي حصل مع الركاب بعد إقفال الكاميرا.
لا يمكن لابتسامات ريتش ونكاته السمجة مع صديقه سيمون أن تُظهر المكان بغير حلّته الواقعية، ولا يمكن للمطاعم التي قصدها الرحّالة، ولا للغة السيد المسيح التي ما زال يتقنها سكّان معلولا، أن تغيّب تلك الصور المكرّسة لبشار الأسد أو لقادة سوريين وإيرانيين. كانت الجدران والشوارع ووجوه الناس تروي ما يحاول ريتش تجميله مجبرًا ربما، فسلطة المرافق رامي تبدو وكأنها تحاول أن تركّب المشهد بأدوات سورية بدائية تافهة، طالما حاولت تغيير المشهد الواقعي بشكل غير قادر على الإقناع.
لم تتح الحقيقة الراسخة الواضحة لريتش ولا لرامي أن تخفي آثار الدمار بالتأكيد، إنما تعاونا معًا على صياغة رواية تبدو حيادية على لسان ريتش، حين يقول، “لا أعرف مَن الجيد ومَن السيئ في هذا الصراع”، ومكرّسة للدفاع عن النظام على لسان المرافق، الذي يشير بيده مرّة إلى مكان “فجّر الإرهابيون فيه أنفسهم ليقتلوا عناصر الجيش”، وتارة أخرى إلى “الكنائس والجوامع التي استهدفها المسلحون في معلولا”، ثم إلى حدود المناطق التي “يحكمها الجهاديون الذين يختلفون بالأسماء ويتشابهون بالأفكار” في إدلب.
يسخر ريتش في محطات عدة من السكان المحليين، فعندما يعرّف أحد سكان معلولا عن اسمه بأنه مايكل، ينتقده بالقول إنه “لا يشبه أي مايكل عرفه في حياته”، ويترجم حديث سكان لا يتقنون الإنجليزية بطريقة ساخرة ومستغرَبة لرحّالة من المفترض أن مهنته هي التجوّل بين شعوب مختلفة، ونقل تفاصيل حياتها لجمهور كبير. شوهد الفيديو من قبل حوالي ثلاثة ملايين متابع، علّ ريتش قدّم فيه زيفًا لا يمكن لقناة رسميّة أو لشخصية سياسية أن تقدّمه دفعة واحدة لهذا العدد من المتابعين، الذين لا شك بأن أغلبيتهم العظمى من دول غربية.
طالما وصفت “الميديا” الغربية رحلات ريتش بأنها ذات أثر إيجابي، وأنها تنقل حقيقة وقائع حياة السكان حيث يذهب الرحّالة، من الهند إلى أوكرانيا وبوليفيا ودول أمريكا اللاتينية ودول شرق أوروبا، لكن في سوريا (على الأقل) لم يكن ريتش سوى شكل من أشكال اليسار الغربي الذي يحاول تقديم سوريا بطريقة مختلفة، ويطلب من الغرب الانفتاح مجددًا عليها، مستشهدًا بحجم سيخ “الشاورما” في دمشق، وتجمّع الناس حوله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :