أثار تقديم بعض من قياديي وشرعيي “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في عدة مناطق شمالي سوريا، التعزية بمقتل زعيم تنظيم “قاعدة الجهاد الإسلامي”، أيمن الظواهري، بغارة أمريكية في العاصمة الأفغانية، كابل، الجدل، وفتح باب التساؤل حول تأثيره على سياسة “الهيئة”.
تسعى “تحرير الشام” لإزالة اسمها من لوائح “الإرهاب”، ولم تعلّق رسميًا على مقتل الظواهري، الذي قوبل بترحيب دولي واسع، تخلله بعض الاستنكار والإدانة.
تعزية بالظواهري
حضرت بيانات التعزية من قبل قياديين وشرعيين نعوه بمنشورات عبر قنواتهم الرسمية في “تلجرام”، الثلاثاء 2 من آب، بعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مساء الاثنين 1 من آب، مقتل الظواهري خلال غارة أمريكية بطائرة دون طيار في كابل، معتبرًا أنها حققت العدالة لعائلات ضحايا هجمات “11 من أيلول” عام 2001 على الولايات المتحدة، وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، مضيفًا “هذا الزعيم الإرهابي لم يعد موجودًا”.
عضو مجلس الإفتاء الأعلى، ورئيس المجلس الشرعي في “تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي)، كتب، “رحم الله الشيخ أيمن الظواهري وتقبله، ورفع درجته في المهديين، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا”.
ووصف عطون الظواهري بأنه رجل “صاول وقاتل وقاوم وجاهد” في سبيل دينه نصف قرن أو يزيد، وأنه “سُجن وعُذب وأوذي وهاجر وهُجّر وصبر”.
القيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، كتب أيضًا أبيات شعر بعد الكشف عن مقتل الظواهري قال فيها، “لا يجزعون إذا المنية قد دهت، وقضاء رب الموت حاك نسيجه، فالقتل في عرف العدو خسارة، وبعرفنا فشهادة محجوجة”.
ووصف القيادي التونسي في “تحرير الشام”، عبد الرحمن الإدريسي، أيمن الظواهري، بأنه “جبل من جبال الصّمود والتضحية الذين سيذكرهم التاريخ جيلًا بعد جيل”.
أمريكا غائبة عن البيانات
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن البيانات أو كلمات التعزية التي قيلت من قبل القادة في “تحرير الشام”، لم تتضمن لا تصريحًا ولا تلميحًا أي إشارة إلى الجهة الفاعلة، مشيرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا مؤشر، بحسب الدكتور الحاج، على وجود خطوط حمراء بالنسبة لـ”تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، أصبحت راسخة ومأخوذة بعين الاعتبار، رغم أن قضية مثل قضية مقتل أو اغتيال زعيم تنظيم “القاعدة”، يعتبر بالنسبة لـ”الجهاديين السلفيين” حدثًا كبيرًا جدًا، ومن الصعب جدًا تجاوزه أو إهماله.
ولا شك أن “الجهاديين السلفيين” سيلحظون أن القادة الذين قدّموا بيانات التعزية، لم يشيروا على الإطلاق إلى الجهة الفاعلة، بحسب الدكتور الحاج.
“الجولاني” صامت.. “الهيئة” تحت المجهر
غاب التعليق الرسمي من قبل” تحرير الشام” وقائدها العام “أبو محمد الجولاني” عن مقتل الظواهري، كما كان معهودًا بتفاعلها مع قضايا تخص “الجهاديين”، أو أحداث تتعلق بشخصيات “جهادية” تتمتع برمزية معيّنة بالنسبة للتنظيمات “الجهادية السلفية” وخصوصًا “القاعدة”.
ويرى الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية، أن عدم تعليق “الجولاني” مؤشر آخر على أنه التزام منه بالخط الجديد الذي رسمه لنفسه في منطقة شمال غربي سوريا، وأيضًا في علاقته بالتنظيمات “الجهادية”.
وأضاف الدكتور الحاج أن “الجولاني” وقياديي وشرعيي “تحرير الشام” يمتلكون تقديرًا بأن كل الجهات تراقب أداءهم وتصرفاتهم وكلامهم، لذلك كانت كلماتهم متحفظة.
وتشير هذه البيانات إلى التحول في سياسة “تحرير الشام”، وعلاقاتها السياسية الجديدة، أكثر من كونها إشارة إلى بقاء روابطها مع التنظيمات “الجهادية”، وبشكل خاص مع “القاعدة”، بحسب الباحث الحاج.
لا تأثير سلبي على “تحرير الشام”
ويرى الدكتور الحاج أن “الجولاني” إذا ما أثبت مصداقية على الأرض، سيتحول بشكل فعلي إلى شخص مرغوب فيه، وأيضًا مسألة إزالته من قوائم “الإرهاب” ستكون وشيكة.
مؤشرات وجود علاقة منهجية مع “الجهاديين” من خلال بيانات التعزية لن تكون ذات تأثير كبير، بحسب الباحث الحاج، لأن البيانات متحفظة، ولم تُشر إلى “العدو الكلاسيكي” بالنسبة لـ”السلفية الجهادية”، وهو الولايات الأمريكية.
كما أن الخدمات التي يقدمها “الجولاني” وموقفه الواضح من “القاعدة” ودوره في التخلص من الشبكة الجهادية العالمية في سوريا أو المقاتلين الأجانب حاضرة.
وقاتلت “تحرير الشام” التنظيمات والأفراد الذين يتبعون أو ينتمون لتنظيم “القاعدة”، كما ضيّقت على المقاتلين الأجانب، ورغم نفيها وجود سياسة ممنهجة تجاه المهاجرين، معتبرة أنهم “لا يزالون في صف الثورة ومع مشروعها ومع قيادتها”، فإنها مُتهمة بالتضييق عليهم، وعملت على بسط سيطرتها من خلال حل بعض الفصائل وإزاحتها، ومصادرة أسلحتها، وإجبارها على التماشي مع سياستها.
كما شنّت “الهيئة”، في 25 من تشرين الأول 2021، حملة عسكرية على مقرات لفصائل “جهادية” أجنبية في ريف اللاذقية، يعتبر أكبرها فصيل “جنود الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني”، الذي طالبته “الهيئة” سابقًا بمغادرة الأراضي السورية مع مقاتليه الأجانب.
تغيير سلوك
وغيّرت “تحرير الشام” في سلوكها منذ إعلان “جبهة النصرة” انفصالها عن تنظيم “القاعدة” أو أي “كيان خارجي آخر” في تسجيل مصوّر بُث في تموز 2016، وغيّرت “النصرة” اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، وفقًا لزعيمها “أبو محمد الجولاني”، لتتحول لاحقًا إلى اسم “هيئة تحرير الشام”.
كما لاحقت “الهيئة” عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، وشنّت حملة اعتقالات حينها، وإعدامات ميدانية، إذ ألقت القبض على القيادي البارز في تنظيم “الدولة”، “أبو البراء الساحلي”، وأعدمته في إدلب شمالي سوريا، في تموز 2018.
ومطلع تشرين الثاني عام 2017، شُكّلت حكومة “الإنقاذ” لتسيطر على مفاصل الحياة في إدلب خدميًا وإداريًا، عبر سلسلة من المكاتب الاقتصادية والزراعية والتعليمية، وإقامة مشاريع خدمية داخل المدينة، ولتكون المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”.
ظهور حكومة “الإنقاذ”، أتاح لقائد “تحرير الشام” الظهور والحديث من منبرها عن تقديم الخدمات في جميع القطاعات، وإطلاق الوعود بتلبية احتياجات الأهالي، في تغيير جذري لحديثه في الجانب العسكري “البحت” عن رحى المعارك، وقتال النظام.
وتحولت الخطابات في مضمونها وجوهرها من خطاب ديني قتالي جهادي، إلى خطاب خدمي اجتماعي اقتصادي، وظهور متكرر وصل إلى 15 مرة منذ بداية العام الحالي حتى تموز الماضي.
اقرأ أيضًا: 15 ظهورًا لـ”الجولاني” منذ مطلع 2022
ولا تزال “تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في محافظة إدلب وجزء من أرياف حلب الغربية واللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة، مصنّفة على لوائح “الإرهاب” في مجلس الأمن، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا.
–