تصاعدت التوترات مجددًا على الحدود بين صربيا وكوسوفو عقب حديث الشرطة الكوسوفية، مطلع آب الحالي، عن تعرضها لإطلاق نار في شمالي البلاد خلال إقامتها حواجز على الطرق المؤدية إلى صربيا.
وقالت الشرطة الكوسوفية، إن الطلقات النارية لم تتسبب في حدوث أي إصابات، بينما أدت هذه الحادثة إلى إغلاق معبرين أمام حركة المرور، بحسب بيان نقله موقع “يورو نيوز“.
وجاء في البيان أن الشرطة أغلقت نقطتي عبور حدوديتين في شمالي البلاد المضطرب، بعد أن أغلق صرب محليون طرقًا وأطلقوا النار على الشرطة، احتجاجًا على صدور أمر بتغيير اللوحات المعدنية الصربية للسيارات إلى لوحات كوسوفو في غضون شهرين.
وبعد 14 عامًا من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا، ما زال نحو 50 ألف صربي يعيشون شمالي البلاد، ويستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية رافضين الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة الكوسوفية بريشتينا.
أزمة لوحات السيارات
شهدت الحدود بين صربيا وكوسوفو توترًا تخللته حشود عسكرية بين الجانبين، واحتجاجات داخل إقليم في كوسوفو سابقًا، إذ لا يعتبر التوتر الأخير الأول من نوعه.
التوتر الأخير تجسّد بنشر كوسوفو قوات أمنية في أحد أقاليم البلاد الذي يعتبر ذا أغلبية صربية، وخاصة قرب معبر “ياريني” الحدودي مع صربيا، مع فرض قيود إضافية على دخول وسائل النقل من صربيا إلى أراضي الإقليم.
دفع ذلك المواطنين الصرب، في أيلول 2021، إلى الاحتجاج على هذه الخطوات بتنظيم مظاهرات في الإقليم.
ردت القوات الأمنية الكوسوفية باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، بعد أعمال شغب تخللت المظاهرات، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء.
ودعا الرئيس الصربي، ألكسندر فوشيش، الغرب إلى الضغط على سلطات كوسوفو، مطالبًا إياها بسحب قواتها إلى المواقع المنصوص عليها بموجب اتفاقية “بروكسل”، التي أعلنت خلالها كوسوفو استقلالها عن صربيا عام 2008.
سبق ذلك بأيام تنفيذ مقاتلات حربية صربية طلعات جوية بالقرب من معبر “ياريني”، مع ورود أنباء عن نقل بلغراد مدرعات إلى حدود كوسوفو، قابلتها الأخيرة بالمثل وسط توتر بين البلدين عاد للتجدد اليوم.
وتعليقًا على ما بات يُعرف لاحقًا بـ”احتجاجات لوحات السيارات”، قال الرئيس الصربي، إن على كوسوفو إزالة وحدات الشرطة التي أرسلتها إلى شمالي كوسوفو، كشرط لتطبيق إجراءات لوحات السيارات الكوسوفية.
يلزم القانون في كوسوفو الجميع، بمن فيهم الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، بالحصول على بطاقة هوية من إصدار كوسوفو واستبدال لوحات من إصدار كوسوفو بلوحات السيارات القادمة من صربيا المجاورة.
وتحاول كوسوفو تعميم لوحات للسيارات مُنفصلة عن التي تُستخدم في صربيا، إلا أن مواطنين من الإقليم الكوسوفي المحاذي للحدود الصربية، رفضوا تطبيق هذا الإجراء من قبل حكومة البلاد.
“حرب غربية” ضد روسيا
نشرت قناة “روسيا اليوم” الممولة من الحكومة الروسية، في 2 من آب الحالي، مقالة للكاتب الروسي يفغيني أوميرنيكوف، عن محاولة أوروبا “فتح جبهة جديدة ضد روسيا”، من خلال إشعال مواجهات كوسوفو وصربيا.
واعتبر الكاتب الروسي في مقاله الذي نشره أول مرة في صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” الروسية، أن تصاعد التوتر بين كوسوفو وصربيا لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الحرب الأوكرانية- الروسية.
وأشار إلى أن اختيار توقيت إشعال هذه الأحداث في هذا الوقت بالذات، يأتي بالتزامن مع تراجع الحديث عن إمكانية انتصار كييف في حربها ضد موسكو، ما دفع الغرب لإخراج مشكلة كوسوفو التي لم تُحل بعد.
في حال أي تهديد قد تتلقاه صربيا عسكريًا، لن يساعدها أحد سوى روسيا، وهو ما اعتبره الكاتب الروسي دليلًا على أن إثارة هذه التوترات أمر يستهدف روسيا بالتحديد.
الحرب القديمة- الجديدة
تُعتبر حرب كوسوفو ضد يوغسلافيا (المكونة من صربيا والجبل الأسود) بين عامي 1998 و1999 إحدى أبرز حروب الاستقلال خلال العصر الحديث، إذ تدخلت قوات “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) عسكريًا لإنهائها.
وواجهت في هذه الحرب قوات جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، التي كانت صاحبة النفوذ في كوسوفو حينها، جماعة متمردة ألبانية كوسوفية معروفة باسم “جيش تحرير كوسوفو”، مع الدعم الجوي من “الناتو” الذي بدأ في نيسان 1999، والدعم البري من الجيش الألباني.
وأُسس “جيش تحرير كوسوفو” في 1991، وبدأ أولى هجماته في عام 1995، واستهدفت محاكم صربية في كوسوفو، بحسب ما جاء في كتاب “نقاط الاشتعال في الحرب على الإرهاب” للكاتبين جيفري ستيفنسون مورير وديريك ريفيرون، اللذين حاولا من خلال الكتاب تقديم لمحة عن “العنف السياسي الدولي”.
وفي حزيران 1996، أعلن “تحرير كوسوفو” مسؤوليته عن استهداف مراكز الشرطة في كوسوفو.
و في عام 1997، حصل “تحرير كوسوفو” على كميات كبيرة من الأسلحة من خلال عمليات تهريب السلاح من ألبانيا التي كانت تشهد حربًا أهلية آنذاك، إذ نُهبت كميات ضخمة من الأسلحة في ألبانيا من مواقع الشرطة والجيش.
كما سيطرت فصائله على كميات ضخمة من الأسلحة في البلاد من مواقع الشرطة والجيش التي هاجمتها بشكل متكرر خلال سنوات الحرب.
وفي عام 1998، استهدفت هجمات “تحرير كوسوفو” السلطات اليوغوسلافية في كوسوفو، ونتجت عنها زيادة وجود القوات شبه العسكرية والنظامية الصربية، التي بدأت لاحقًا حملة انتقامية استهدفت المتعاطفين مع المجموعة العسكرية، إضافة إلى المتعاطفين معها من السياسيين، وهو ما ورد في كتاب “التحالفات بين الجريمة والإرهاب والدولة” للكاتبين ليوبوف مينشيفا وتيد روبرت جور.
الحملة العنيفة التي بدأتها صربيا أدت إلى مقتل ما بين 1500 و2000 مدني ومقاتل تابع لـ”تحرير كوسوفو”.
وبعد فشل محاولات الحل الدبلوماسي، تدخل “الناتو” وبرر حملته في كوسوفو على أنها “حرب إنسانية”، الأمر الذي عجل بإقامة معاهدة” كومانوفو”، التي وافقت خلالها القوات اليوغوسلافية على الانسحاب من كوسوفو لترك الطريق مفتوحًا أمام الوجود الدولي فيها.
حل “جيش تحرير كوسوفو” نفسه بعد فترة وجيزة من نهاية هذه الحرب، وإعلان استقلال كوسوفو دولة منفصلة عن جمهورية يوغوسلافيا الموالية لروسيا في عام 2008.
صربيا تعتبر كوسوفو جزءًا منها
في 2 من آب الحالي، قال الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، إن “كوسوفو ليست دولة مستقلة”، وإنها “جزء من صربيا بموجب القانون الدولي”، موضحًا خلال حديثه لوسائل إعلام صربية أن “البعض يريد أن يرى الهجوم الروسي على أوكرانيا فرصة لإظهار صربيا على أنها موالية لموسكو من أجل إثارة الغرب”.
وأضاف أنه سيذهب إلى بروكسل، في 18 من آب الحالي، للقاء رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، مؤكدًا عدم إمكانية تحقيق السلام معه.
انفصلت كوسوفو، التي يمثّل الألبان أغلبية سكانها، عن صربيا عام 1999، وأعلنت استقلالها عنها عام 2008، لكن صربيا ما زالت تعتبرها جزءًا من أراضيها، وتدعم أقلية صربية في كوسوفو.
وفي 19 من نيسان 2013، وقّعت صربيا وكوسوفو “اتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين”، التي وصفها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي حينها بـ”التاريخية”.
–