انضم تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، الذي عاد إلى بلاده الأسبوع الماضي في صفقة تبادل أسرى، إلى الحزب “الليبرالي الديمقراطي” اليميني المتطرف الموالي لـ”الكرملين” اليوم.
أُطلق سراح بوت، الملقب بـ”تاجر الموت”، في 8 من كانون الأول الحالي، بعد 14 عامًا من الاحتجاز في الولايات المتحدة الأمريكية، في صفقة تبادل أسرى مقابل نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينير.
وعادت جرينر (32 عامًا)، التي قُبض عليها بتهمة حيازة المخدرات في أحد المطارات بموسكو في شباط الماضي، إلى الولايات المتحدة، في 9 من كانون الأول الحالي، بعد إطلاق سراحها.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، لشبكة “CNN“، إنها كانت “في حالة معنوية جيدة”.
رغم ادعاء جرينر بأنها عبأت زيت الحشيش في حقيبتها عن غير قصد، حُكم عليها بتسع سنوات في آب الماضي، ونُقلت إلى مستعمرة جنائية في جمهورية موردوفيا بعد أن خسرت استئنافها في تشرين الثاني.
نحو إمبراطوريته السابقة
قال زعيم الحزب “الليبرالي الديمقراطي”، ليونيد سلوتسكي، الاثنين 12 من كانون الأول، “أود أن أشكر فيكتور بوت على القرار الذي اتخذه وأرحب به في صفوف أفضل حزب سياسي في روسيا اليوم”.
رغم اسمه، عمل الحزب “الليبرالي الديمقراطي” منذ تأسيسيه في 1991 على الترويج لأيديولوجية قومية متطرفة ومعادية للأجانب، وحث روسيا على غزو دول الاتحاد السوفييتي السابق.
رحبت شخصيات روسية بارزة مقربة من “الكرملين” بدخول بوت إلى الحزب الذي كان أيضًا بمنزلة نقطة انطلاق للشخصيات البغيضة في السياسة الروسية، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
ووصف رجل الأعمال ومؤسس مجموعة “فاغنر” للمرتزقة الروس، يفغيني بريغوجين، الملقب بـ”طباخ بوتين”، تاجر السلاح فيكتور، بأنه مثال على الحزم.
وقال بريغوجين في بيان نشرته شركة “كونكورد” للإدارة والاستشارات التي يملك نصفها، “سيكون بوت بالتأكيد جيدًا على رأس أي حزب قائم وأي حركة”.
لحظة وصوله إلى موسكو الأسبوع الماضي، كان بوت في جولة إعلامية نظمها “الكرملين” أشاد فيها بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ودعم غزوه لأوكرانيا.
وفي مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” المدعومة من الدولة، الاثنين، قال بوت، “أنا فخور بأنني شخص روسي، ورئيسنا هو بوتين”، مشيرًا إلى أنه احتفظ بصورة لبوتين في زنزانته.
وتعليقًا على الحرب الروسية في أوكرانيا قال، “أعلم أننا سنفوز”، متسائلًا، “لماذا لم نفعل ذلك من قبل”.
وردد كثيرًا من تصريحات بوتين الأخيرة التي انتقدت الليبرالية، وتوقع نهاية الحضارة الغربية قائلً،ا إن “ما يحدث في الغرب هو ببساطة انتحار الحضارة وربما يحدث في جميع المجالات، بما في ذلك المخدرات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية”.
وقالت مؤسسة جمعية “حق حمل السلاح” لمناصرة حمل السلاح في روسيا، ماريا بوتينا، المسؤولة التي اعتُقلت سابقًا في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لمصلحة الحكومة الروسية، “إنه استسلام من قبل أمريكا”، وأضافت، “يظهر ذلك أن روسيا لا تتنازل بينما أظهرت أمريكا هزيمتها”.
“تاجر الموت”
كان بوت (55 عامًا)، الملقب بـ”تاجر الموت”، أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم قبل اعتقاله عام 2008 بتهم متعددة تتعلق بالاتجار بالأسلحة.
لما يقرب من عقدين من الزمن، أصبح بوت أكثر تجار الأسلحة شهرة في العالم، إذ باع الأسلحة للدول المارقة والجماعات المتمردة وأمراء الحرب في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
وكان من بين عملائه السابقين الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
ألهمت سمعته ذائعة الصيت “هوليوود” إنتاج فيلم “2005 Lord of War” (سيد الحرب)، من بطولة الممثل الأمريكي نيكولاس كيج في دور يوري أورلوفالذي، مجسدًا حياة فيكتور بوت.
ولد بوت عام 1967، في دوشانبي عاصمة طاجيكستان السوفييتية، بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وعمل ضابطًا برتبة ملازم في القوات الجوية السوفييتية.
مع تفكك الأسطول الجوي الضخم للاتحاد السوفييتي، تمكّن بوت من الحصول على سرب من حوالي 60 طائرة عسكرية سوفييتية قديمة، انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة وأسس شركة شحن مكّنته من توفير شحناته في جميع أنحاء العالم، بحسب صحيفة “The New York Times“.
في 2005، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد بوت وشركاته، تمثّلت بتجميد أصوله ومنع أي معاملات من خلال البنوك الأمريكية.
أخفت شركات بوت أعمالها لدرجة أن الحكومة الأمريكية تعاقدت عن غير قصد مع اثنتين من شركاته لتوصيل الإمدادات إلى القوات الأمريكية في العراق، بحسب قناة “CBS“.
لغوي موهوب
أجاد بوت اللغة الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والعربية والفارسية، ما ساعده على بناء إمبراطوريته الدولية للأسلحة، كما عمل مترجمًا عسكريًا في أنغولا، البلد الذي صار فيما بعد مركزًا لأعماله.
وجاء التقدم الكبير الذي حققه بوت في الأيام التي أعقبت انهيار الكتلة الشيوعية في 1989- 1991، إذ استفاد من وفرة مفاجئة من أسلحة الحقبة السوفييتية المهملة لتأجيج سلسلة من الحروب الأهلية في إفريقيا وآسيا.
وفقًا لما جاء في السيرة الذاتية بعنوان “تاجر الموت: البنادق والطائرات والرجل الذي يجعل الحرب ممكنة”، للمؤلفين دوغلاس فرح وستيفن براون، ربط بوت إمبراطوريته بتجارة الأسلحة مع أعمال لوجستية بدت غير ضارة، من قاعدة في إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة.
وصوّر بوت نفسه الذي ظهر لأول مرة على رادار وكالة المخابرات المركزية وسط تقارير عن مواطن روسي غامض يتاجر بالأسلحة في إفريقيا، على أنه رجل أعمال شرعي له عملاء محترمون ولا توجد لديه قضية للإجابة.
عصب النزاعات
في أفغانستان، باع بنادق مختلفة لجماعة “طالبان” وخصومها في تحالف الشمال الموالي للغرب، بحسب ما جاء في السيرة الذاتية.
كما ورد أن بوت زوّد بالسلاح الرئيس الليبيري السابق وأمير الحرب، تشارلز تيلور، الذي يقضي الآن حكمًا بالسجن لمدة 50 عامًا بتهمة القتل والاغتصاب والإرهاب.
كانت نهاية بوت في 2008، عندما خدعته السلطات الأمريكية لمغادرة روسيا إلى تايلند بسبب ما اعتقد أنه اجتماع بشأن صفقة تجارية لشحن ما وصفه المدعون بـ”ترسانة أسلحة تخطف الأنفاس”.
وشملت الصفقة 100 صاروخ “أرض- جو”، ومدافع رشاشة وبنادق قنص بعشرة ملايين طلقة من الذخيرة، وخمسة أطنان من المتفجرات.
بعد عملية متقنة من قبل إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية شهدت تتبع بوت عبر عدة بلدان إلى فندق فخم في بانكوك، قبضت الشرطة التايلندية على بوت أمام الكاميرا وهو يوافق على صفقة مع عملاء سريين أمريكيين متنكرين كمسؤولين في القوات المسلحة الثورية لكولومبيا.
قُدّرت ثروة بوت بنحو ستة مليارات دولار في آذار 2008، عندما اعتقل.
بعد أكثر من عامين من الجدل الدبلوماسي الذي أصرت فيه روسيا على أن بوت بريء وأن قضيته مشحونة سياسيًا، سلّمت تايلند بوت إلى الولايات المتحدة، حيث واجه مجموعة من التهم، بما في ذلك التآمر لدعم الإرهابيين، والتآمر لقتل الأمريكيين، وغسل أموال.
وحوكم بوت بتهم تتعلق بالقوات المسلحة الثورية لكولومبيا، وهو ما نفاه، وفي 2012، أدين وحُكم عليه من قبل محكمة في مانهاتن بالسجن 25 عامًا، وهو الحد الأدنى للعقوبة الممكنة.
منذ ذلك الحين، قدمت روسيا الدعم لبوت طوال إجراءاته القانونية، وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، تعهد بالقتال من أجل ضمان عودته إلى البلاد، ووصف قرار المحكمة التايلندية بأنه “غير عادل وسياسي”، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
–