تعني العدالة الدولية ضمان المساءلة عن بعض من أكثر الجرائم خطورة، في أثناء النزاعات المسلحة، وهي الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب وحالات الإخفاء القسري.
وثمة أسباب عديدة لحرمان ضحايا هذه الجرائم من العدالة، وهي تشمل انعدام الإرادة السياسية للتحقيق في الجرائم ومقاضاة المسؤولين عن ارتكابها، وضعف أنظمة العدالة الجنائية، وتهميش الضحايا في المجتمع.
ونتيجة لذلك فقد لا يخضع الجناة للمحاسبة، وربما يستمرون في شغل مناصب يمكنهم من خلالها ارتكاب الانتهاكات أو منع المساءلة، ويُترك الضحايا لمعاناتهم، وتُبذل جهود قليلة لمعرفة الحقيقة أو لاتخاذ خطوات تضمن عدم تكرار الجرائم
قائمة مرجعية جديدة
من أجل تدعيم العدالة الجنائية الدولية حول العالم، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” ما أطلقت عليه “القائمة المرجعية“، المؤلفة من خمس نقاط، دعت من خلالها الحكومات إلى التأكيد على أهمية العدالة الجنائية الدولية، عبر التعهد بالتزامات عملية بدعم المساءلة حول العالم، وتعزيز نظام العدالة الدولي.
وشملت القائمة المرجعية، التي حملت اسم “العدالة مهمة”، آليات لدعم المحاكم، وتوسيع عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وتجريم الجرائم الدولية الجسيمة ومقاضاتها محليًا، وتوفير فرص متكافئة في العدالة لجميع ضحايا الجرائم الدولية الجسيمة، وكبح حق “النقض” (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأوصت المنظمة أن يكون هناك دعم سياسي ومالي كافٍ للمحاكم الناظرة بالجرائم الدولية الجسيمة، كون هذا الأمر مهمًا جدًا لضمان فعالية المحاكم، سواء كانت المحكمة الجنائية الدولية أو أي محكمة أخرى محلية أو دولية أو مختلطة، تؤمّن منابر محورية للادعاء ضد المتهمين بأخطر الجرائم.
وبحسب المنظمة، يجب أن يكون التمويل، أو الدعم العيني، مستدامًا وطويل الأمد، وبعيدًا عن التسييس.
ولم تصدّق عشرات الدول، ومنها قوى عظمى، على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، ما يحد من مدى تأثيرها بشدة، كما هي الحال في سوريا، ومن الضروري وفق قائمة “العدالة المهمة”، الاستمرار في العمل مع الدول غير الأعضاء لإقناعها بالانضمام، وبذلك، ستتمكّن أعداد أكبر من ضحايا الجرائم الجسيمة من الوصول إلى العدالة.
ما حجم الاستفادة لسوريا
بحسب الحقوقي السوري، المعتصم كيلاني، فبموجب تلك القائمة، في حال تطبيقها عمليًا، ستتمكن أعداد أكبر من الضحايا الجرائم الجسيمة الدولية كجرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية في سوريا من الوصول إلى العدالة بشكل “أكثر مرونة”، خصوصًا فيما لو تم توسيع عضوية “المحكمة الجنائية الدولية” الذي سيعطي التأثير الأكبر لجدوى أهمية المحكمة، التي تعتبر أحد أبرز المكونات الأساسية للعدالة الجنائية حول العالم.
ولم تساعد المعلومات والبيانات المتوفرة لدى المنظمات الحقوقية السورية على إحراز تقدم في الجهود الدولية نحو تحقيق العدالة على الجرائم الدولية الماضية والحالية داخل سوريا، لأنها ليست دولة طرفًا في “المحكمة الجنائية الدولية”.
ولذلك، في حال لم تقبل حكومة النظام السوري ولاية المحكمة للنظر في الجرائم التي ارتكبتها خلال السنوات التسع الماضية طوعًا، ستضطر المدعية العامة في هذه المحكمة إلى إحالة الوضع في سوريا إليها من قبل مجلس الأمن، حتى تفتح تحقيقًا هناك.
وفي 2014، استخدمت روسيا والصين حق “الفيتو” اعتراضًا على قرار لمجلس الأمن كان من شأنه منح المدعية هذه الولاية، الأمر الذي حال دون القيام بأي خطوات على طريق ضمان المحاسبة الحقيقية لحكومة النظام، في سوريا أو خارجها، ما أسهم في وقوع مزيد من الانتهاكات.
وفي ظل تعطل مسار العدالة الدولي لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، سعت المراكز الحقوقية السورية والأوروبية نحو التحقيق في تلك الانتهاكات، والملاحقة القضائية لمرتكبيها، لإحراز قدر محدود من العدالة.
ومنذ عام 2015، كانت القارة الأوروبية ميدان النزاعات الحقوقية التي جمعت ضحايا التعذيب في سوريا مع جلاديهم تحت أقبية المحاكم، وخلال عام 2020، تطور ملف المحاكمات لمختلف الأطراف المتنازعة هناك، مع بداية أول محاكمة في العالم حول القتل تحت التعذيب، والاغتصاب داخل مراكز الاعتقال الخاضعة لسيطرة حكومة النظام.
وبحسب ما قاله الحقوقي كيلاني لعنب بلدي، فإن هذه القائمة المرجعية قادرة على كبح حق “النقض” (الفيتو) في مجلس الأمن، وذلك “اعتمادًا على العمل على تغيير النظام الخاص باستخدام حق النقض في القرارات الخاصة بمجلس الأمن، وأولًا تحجيم دور المنتهكين وهو أساس في تلك العملية، فمن غير المنطقي من يرتكب تلك الانتهاكات هو نفسه من يمنع مسار المعاقبة، أو تحويل ملف انتهاكات في دولة ما إلى محكمة الجنايات الدولية”.
لكن كيلاني أشار إلى أن المنظمات السورية المعنية بحقوق الإنسان، بكل المجالات التقاضي، والتوثيق، والمناصرة، “تعاني من نقص للتمويل”، في الفترة الحالية، وخصوصًا بعد “غزو” روسيا لأوكرانيا، وتغيير توجهات الغرب وأولوياته، إلا أن “العمل الجماعي قد يكون مصدرًا مهمًا” في مواجهة أي صعوبات حالية، والأساس هو “دعم تشكيل روابط الضحايا ودعم قضيتها” كي تستمر قضايا حقوق الإنسان في سوريا نحو مسار العدالة الجنائية.