حسام المحمود | حسن إبراهيم | محمد فنصة
يحتل اللاجئون السوريون مساحة في الخطاب السياسي والإعلامي اللبناني، يحمّلهم مسؤولية تردي الواقع الاقتصادي في لبنان، الذي تحصي منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجود نحو 850 ألف لاجئ مسجل على أراضيه، وهو رقم منخفض مقارنة بـ1.5 مليون لاجئ يتحدث عنهم الرئيس اللبناني، ميشال عون، حين يحضر خطاب الشكوى من اللاجئين.
الأزمات الاقتصادية والمعيشية في لبنان تحولت منذ سنوات إلى روتين حياة بالنسبة للمقيمين، مواطنين ولاجئين، ولعل أحدث هذه الأزمات صعوبة في توفر مادة الخبز، في تموز الحالي، وهي أزمة أجبرت اللبنانيين على الانتظار في طوابير متزاحمة على شبابيك أفران بعض المناطق.
هذه الأزمة دفعت بعض الأصوات للمطالبة بتفضيل المواطن اللبناني على غيره، واتباع نظام الأولويات عند بيع الخبز، كما حمّلت بعض الأصوات اللاجئين السوريين مسؤولية تردي الواقع المعيشي في لبنان، مستحضرة الخلفية لأي حديث من هذا النوع، وهي المطالب بإعادة اللاجئ السوري من لبنان، بذريعة أن لبنان غير قادر على تحمّل “أعباء اللجوء”، ما يجعل اللاجئ السوري فريسة خطاب كراهية ورفض وعنصرية، إلى جانب ضغوط كثيرة يواجهها بطبيعة الحال.
عنب بلدي تناقش في هذا الملف مع مجموعة من المحللين والباحثين القانونيين والحقوقيين بعض الضغوط التي يرزح تحتها اللاجئ السوري في لبنان، وكان آخرها الحديث عن خطط تُصمم لترحيله، بعدما قرر المسؤولون في لبنان، والنظام السوري بالضرورة، أن “سوريا آمنة”، كما يبحث الملف في المرجعية القانونية والأبواب التي يمكن للاجئ طرقها أمام مخاطر محتملة قد يتعرض لها.
خطة رسمية لإعادة اللاجئين
شهد تموز الحالي تصعيدًا بحق اللاجئين السوريين في لبنان، على أكثر من صعيد، بداية من تصريحات وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، في 4 من الشهر نفسه، حين تحدث عن خطة لبنانية تنص على إعادة 15 ألف “نازح” شهريًا، من لبنان إلى سوريا.
وقال شرف الدين أيضًا، خلال زيارته إلى قصر “بعبدا” ولقائه الرئيس اللبناني، ميشال عون، إنه “مرفوض كليًا ألا يعود النازحون السوريون إلى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة”، وفق تعبيره.
شرف الدين تحدّث في الوقت نفسه عن خطة لتشكيل لجنة ثلاثية تضم النظام السوري ومفوضية شؤون اللاجئين، إلى جانب لجنة رباعية تتكوّن من تركيا والعراق والأردن ولبنان، لتحقيق هذه “العودة”.
هذه التصريحات أتبعها شرف الدين، في 9 من الشهر نفسه، بطلب وجهه لبنان إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، لترحيل اللاجئين السياسيين من السوريين إلى بلد ثالث.
الرئيس اللبناني أبدى، في 13 من تموز الحالي، رفضه دمج اللاجئين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم، مؤكدًا عدم قبول مثل هذه الخطوة.
عون جدد أيضًا خلال لقائه نائبة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، التأكيد على الموقف اللبناني المطالب بعودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا.
تصريح الرئيس اللبناني سبقه، في 11 من تموز الحالي، تشديد النائب في حزب “الكتائب” اللبناني نديم الجميّل، عبر “تويتر”، أن “عودة اللاجئين السوريين بالنسبة للبنان ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية”، وفق تعبيره.
“إذا كانت سوريا غير آمنة لعودة السوريين، فإن بقاءهم غير آمن للبنانيين، والأحداث الأخيرة دليل على ذلك، فإما العودة وإما العودة”، بحسب الجميّل.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، هدد، في 20 من حزيران الماضي، الدول الغربية باتخاذ لبنان موقفًا لن يكون مستحبًا بالنسبة للغرب، بالعمل على إخراج السوريين من لبنان بما وصفها بـ”الطرق القانونية”، عبر “تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”، ما لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان لإعادتهم.
وترافقت موجة التصعيد السياسي بحق اللاجئين بأخرى جرى تنفيذها بشكل فردي، وشارك بها رجل دين لبناني حمّل السوريين مغبة تردي الوضع في لبنان، بينما دافع رجل دين آخر عن اللاجئين في لبنان، محملًا الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية التراجع الذي يعيشه لبنان على أكثر من منحى.
هذا الخطاب الذي تحوّل إلى محطة تجاذب، شاركت به المذيعة اللبنانية داليا أحمد، التي تعرضت هي نفسها لموجة تنمر وعنصرية في وقت سابق، باعتبارها سمراء البشرة، إذ طالبت بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
“لما الدولة السورية بتقلك تعا وصار عنا مناطق آمنة، هيدا شي بدو استنكار من مجتمع السكك الحديد الدولي، بس إنو بلد نازل ركض بالماراتون نحو جهنم، وعم يطلب إنو ترحموه وتحسوا فيه، لا هيدا حرام ومنافي لحقوق الإنسان”، بحسب ما قالته داليا الأحمد.
انعكس هذا الخطاب على الأرض، وتعرض سوريون لمواقف عنصرية وصلت إلى حد العنف والاعتداء الجسدي.
ودفعت هذه الممارسات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتطلب من السلطات اللبنانية ضمان سيادة القانون، والوقف الفوري للعنف والتمييز ضد المستهدفين المقيمين داخل الأراضي اللبنانية.
كما أعربت عن “قلقها الشديد” إزاء الممارسات التقييدية والتدابير التمييزية ضد اللاجئين في لبنان.
الاقتصاد منهَك
يشهد لبنان منذ سنوات أزمة مصارف، ظهرت بوضوح عام 2019، ما عاق وصولًا حرًا للأرصدة البنكية باعتبار أن أموالًا طائلة جرى تهريبها للخارج.
وأعقب هذه الأزمة انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، ما عمّق معاناة لبنان، وخلق مزيدًا من الأزمات المرتبطة ببعضها، إذ تلا ذلك فراغ حكومي أدارته حكومة تصريف أعمال لنحو 13 شهرًا قبل ولادة حكومة نجيب ميقاتي في 10 من أيلول 2020.
كما أن الأشهر الأخيرة أخرجت القمح المطمور تحت “إهراءات” القمح المدمرة في مرفأ بيروت إلى السطح، عبر دخان احتراق وروائح منبعثة، باعتبار أن كمية الحبوب الموجودة عند الجهة الشرقية من “إهراءات” مرفأ بيروت، تبلغ ثلاثة آلاف طن.
وإلى جانب ذلك، توجد أزمة في موارد الطاقة، تتجلى بوضوح شديد عبر غياب أدنى ثبات في أسعار المحروقات، إلى جانب انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية، أفقدها نحو 90% من قيمتها.
كل ذلك وخطط الحصول على الغاز المصري عبر سوريا، واستيراد الكهرباء من الأردن عن طريق سوريا، لم تزل تصريحات لا تنير مصباحًا، أمام عدم بتٍّ أمريكي بتبعات خطوات من هذا النوع في ظل وجود قانون “قيصر”، بينما لا تسير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لفتح باب استخراج النفط من حقول ومناطق اقتصادية غنية بالنفط، بوتيرة سريعة أيضًا.
هذه المعطيات انعكست بالضرورة على الواقع المعيشي أيضًا للمقيمين في لبنان، من مواطنين ولاجئين، الأمر الذي قرّب اللاجئ من تصريحات السياسيين، وحمّله مسؤولية لا قِبل له بها.
ويفسر الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور طالب سعد، الحالة بأنه ومع محدودية المورد في مجتمع ما، يجري التركيز أكثر على الجهات المستفيدة منها، ومن له الأولوية أكثر في الاستفادة منها، ويتحول الأمر إلى موضوع جدل ونقاش، بصرف النظر عن وجهات النظر التي تُطرح ومن يتفق وينسجم معها أو لا.
الحكومة اللبنانية اتجهت لمعالجة المشكلة وفق وجهة نظرها، أو التخفيف منها، عبر التحضير لإعادة اللاجئين السوريين من أراضيها نحو سوريا.
خطة قابلة للتطبيق؟
المحلل السياسي العراقي الدكتور عمر عبد الستار، تحدث لعنب بلدي عن فشل محور “أستانة” بتنفيذ عملية سياسية في سوريا بعد فشل مسار “جنيف”، مشيرًا إلى غياب حالة التهدئة عن سوريا لإعادة اللاجئين، بالنظر إلى حديث تركي عن منطقة آمنة، وحالة عدم رضا على الحدود مع الأردن قد تدفعه بنفس الاتجاه، وفق عبد الستار.
وتحدث المحلل السياسي عن صراع بين محوري “أستانة” و”جنيف”، ويبدو ذلك من خلال المساعي اللبنانية لإعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرة النظام، لا لمناطق آمنة، أو خارجة عن سيطرته، كما تفعل تركيا على الأقل حاليًا.
كما لفت إلى هيمنة النظام السوري في لبنان، عبر “حزب الله” اللبناني، موضحًا أن إعادة لبنان اللاجئين تعني أن النظام السوري أعادهم، أو على الأقل سيترك الملف مفتوحًا، ما لم يُعالج وضع “حزب الله” في لبنان الذي يحضر مؤخرًا كموضوع نقاش في لقاءات سياسية رفيعة المستوى، كلقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
من جانبه، أشار المحامي اللبناني طارق شندب إلى رفض مفوضية اللاجئين في بيروت للخطة، مفسرًا التصريحات اللبنانية بهذا الصدد على أنها نوع من الابتزاز القانوني والسياسي والمالي، وهو أمر بات مفضوحًا.
كما شكّك شندب بإمكانية تطبيق خطط من هذا النوع، أمام معارضة أممية تؤكد أن سوريا غير آمنة أو مهيّأة لعودة اللاجئين، مشيرًا إلى عدم ارتباط عودة اللاجئين بالوضع الاقتصادي في لبنان، على اعتبار أن الأزمة في لبنان مرتبطة بفساد الطبقة السياسية وسرقة أموال اللبنانيين.
وشدد المحامي اللبناني على وجود حملة سياسية وشعبية واجتماعية ضد اللاجئ السوري، يقودها الأفرقاء السياسيون، مع حملة إعلامية للإساءة للاجئ، دون النظر إلى أن النظام السوري و”حزب الله” هما من هجّرا الشعب السوري.
ردت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر في 6 من تموز الحالي، على خطة الحكومة اللبنانية بترحيل 15 ألف لاجئ شهريًا، بأن الإعادة القسرية للاجئين السوريين تعتبر انتهاكًا لالتزامات لبنان بعدم إعادة اللاجئين قسرًا إلى بلدان يواجهون فيها خطرًا واضحًا بالتعرض للتعذيب أو غيره من أشكال الاضطهاد.
ويعتبر لبنان مُلزمًا بعدم إعادة أو تسليم أي شخص معرض لخطر التعذيب، وملزمًا بمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي، بصفته طرفًا في اتفاقية “مناهضة التعذيب” والعقوبات القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، وفق التقرير.
وذكرت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في لبنان، نجاة رشدي، أن الحكومة اللبنانية يجب أن تلتزم بمبدأ عدم الترحيل القسري بموجب القانون الدولي، وبمبدأ ضمان العودة الآمنة الطوعية للاجئين السوريين وفق قرار مجلس الأمن “2254” عام 2015.
ودعت رشدي إلى الامتناع عن تأجيج المشاعر السلبية والكراهية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومواصلة إبداء روح التضامن والاحترام المتبادل، بحسب بيان نُشر في 22 من تموز الحالي.
من يحمي اللاجئ السوري؟
تتفاوت الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان بين خطاب عنصرية من هنا وحادثة كراهية من هناك، وصولًا إلى حوادث إحراق مخيمات أو قتل أو اعتداء جنسي.
في 27 من تموز الحالي، عثرت أجهزة الأمن اللبنانية على جثة الشاب السوري حسين جمعة الحمود، مذبوحًا بسكين في مخيم للاجئين في بلدة شعت البقاعية (وسط لبنان)، بعد بلاغ من لاجئين مقيمين في المخيم، وفق ما نقلته صحيفة “النهار” اللبنانية حينها.
كما أحرق شبان لبنانيون مخيمًا في بلدة تل حياة (الرمول) بسهل عكار شمالي لبنان، في 24 من تموز الحالي، عقب اتهام شاب سوري يقطن في المخيم بضلوعه بحادثة مقتل شاب لبناني.
وبعد إخماد الحريق، صدر بيان من عائلة الشاب المتوفى، بعد مغادرة جميع المقيمين في المخيم، طالبت من خلاله الأجهزة الأمنية بكشف المتورطين، وعودة الناس إلى المخيم و”حماية السوريين من الفتنة”.
هذه الحادثة سبقتها بأيام جريمة قُتل فيها شاب سوري (14 عامًا) في محلة عين القنطرة- الصرفند الجنوبية، بعد تعرضه للضرب من قبل أربعة لبنانيين (أب وثلاثة من أولاده).
وتوفي الشاب خالد منصور الصالح متأثرًا بإصاباته البليغة في مستشفى “الراعي” الذي نُقل إليه، وأوقفت القوى الأمنية المتورطين، وذكرت أن التحقيقات جارية لمعرفة ملابسات الجريمة، بحسب الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام“.
وبأجساد شبه عارية ظهرت عليها آثار الضرب والتعذيب، ظهر عدد من الشبان السوريين واللبنانيين بينهم قاصرون، ضُربوا وأُغلقت أفواههم بحبات البطاطا، وجرى تصويرهم بطريقة مهينة، عبر تسجيل مصوّر انتشر في 22 من حزيران الماضي.
وقال ناشطون تداولوا التسجيل، إن شبابًا من عكار وبعض السوريين ذهبوا للعمل في قطاف الكرز، وبعد أربعة أيام عمل جاء صاحب الأرض واتهمهم بسرقة ساعة يد ونظارات شمسية ليتهرب من دفع أجورهم، وعندما نفوا أي علاقة لهم أرسل مجموعة عملت على “جلدهم بأسلاك الكهرباء وضربهم وإذلالهم”.
لاقت الحادثة التي جرت في بلدة مجدل العاقورة بقضاء جبيل تفاعلًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتنشر قوى الأمن اللبناني بيانًا، قالت فيه إنها فتحت تحقيقًا بالحادث من قبل المخفر المعني بناء على طلب القضاء المختص، وأخذت إشارة بإحضار الشخص الذي يعمل الشبان لديه للاستماع إلى إفادته.
كما انخرطت الأجهزة الأمنية في ممارسة الانتهاكات بدلًا عن ضبطها، وفق تقرير صادر في آذار 2021، وثّقت خلاله منظمة العفو الدولية انتهاكات مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزًا سوريًا، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمّن ضربًا بالعصي المعدنية، والكوابل الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية.
التقرير الذي حمل اسم “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفيًا بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان”، أفاد أن السلطات اللبنانية تستخدم بعض أساليب التعذيب المروعة نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعة في سوريا بحق اللاجئين السوريين المعتقلين بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”.
غائبون عن الإعلام الرسمي السوري
لا تحظى قضايا الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في لبنان بتغطية واسعة عبر وسائل الإعلام السورية بمختلف أقطابها، بما فيها الإعلام الرسمي والإعلام المقرب من النظام، فتقتصر التغطية فقط على بعض الحالات التي تلقى تفاعلًا على وسائل التواصل الاجتماعي يحوّلها إلى قضية رأي عام.
وآخر ما نُشر بهذا الخصوص، وفق ما رصدته عنب بلدي، كان عبر صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إذ نشرت، في 23 من حزيران الماضي، أن السفارة السورية في لبنان، “بادرت مباشرة بالتدخل، وأجرى السفير، علي عبد الكريم علي، اتصالات مع الجهات المعنية في لبنان حيث جرى توقيف المعتدي، علمًا أن الاعتداء جرى بحق مواطنين سوريين ولبنانيين”.
وذكرت الصحيفة أن مصدرًا في السفارة قال إن الحكومة السورية تدخلت لتوقيف المعتدي على السوريين بمنطقة عكار في لبنان، معتبرًا ما جرى “حادثًا فرديًا لأن المعتدى عليهم سوريون ولبنانيون”.
في حين كان آخر ما نُشر عبر الموقع الرسمي للوكالة السورية للأنباء (سانا)، هو إخماد فرق الإطفاء في “الدفاع المدني اللبناني” حريقًا نشب في مخيم لـ”المهجرين السوريين” خلف بلدية قب الياس في البقاع الشرقي اللبناني، في 21 من شباط الماضي.
سبقه الحديث عن إخماد حريق آخر في أحد مخيمات السوريين في خراج بلدة ببنين بقضاء عكار شمالي لبنان، في 4 من تموز 2021، دون معرفة أسباب الحريقين اللذين نقلتهما “سانا” عن الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام”.
أما السفارة السورية في بيروت فذكرت، في 4 من كانون الثاني 2021، أن وفدًا منها زار اللاجئين السوريين المتضررين من حريق نشب في مخيم “بحنين” بقضاء المنية، بعد إقدام عدد من الأشخاص على إحراقه ما أدى إلى تشريد مئات الأشخاص ووقوع أضرار مادية كبيرة.
منشور السفارة لم يخلُ من الرسائل ومحاولة امتطاء الموقف، إذ ذكرت أن الوفد قدّم مساعدات مالية للمتضررين، مرفقًا ذلك بشكر المتضررين لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، على “الخدمات والتسهيلات”، حسب قولها.
وفي تموز 2020، تصدّرت وسائل الإعلام قضية تعرّض طفل سوري بعمر 13 عامًا للاغتصاب من قبل ثلاثة شبان في بلدة سحمر اللبنانية، ما تطلّب تعليقًا رسميًا من قبل السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، على القضية، معتبرًا أنها “مُثارة لتحقيق مآرب”.
وذكرت حينها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بنسختها العربية، أن القضية تمتد إلى نحو سنتين أو ثلاث سنوات سابقة، لكن ظهور تسجيل فيديو نُشر حديثًا يوثّق “المعاناة النفسية والجسدية” التي تعرّض لها الطفل، أعاد القضية إلى الواجهة.
جميع البيانات والتعليقات السابقة على الانتهاكات لم يتبعها أي بيان أو توضيح حول محاسبة المعتدين أو إلى أين وصلت قضايا محاسبتهم، أو الحديث عن وضع المتضررين.
مناشدات شخصية.. لا سند قانوني
الانتهاكات التي ارتفعت حدتها مؤخرًا، ترافقت مع العديد من الدعوات الشخصية والمطالب عبر صفحات إما مقربة من ضحية الانتهاك، وإما من قبل مواقع وصفحات أخرى، ومناشدات بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات من قبل الأجهزة القضائية، وسط وجود منظمات حقوقية وإنسانية تُعنى بالدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين في لبنان.
المدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان (ACHR) اللبناني- الفرنسي، محمد حسن، أشار إلى وجود منظمات مجتمع مدني تدافع عن قضايا اللاجئين الإنسانية، لكن حجم الاحتياجات وكثرة الحوادث تفوق طاقة المؤسسات، ما يعني غياب إمكانية العمل على القضايا الفردية بشكل كامل، ومع ذلك فإن جهات حقوقية تسعى للدفاع عن اللاجئين مع التركيز على القضايا الجماعية.
لا توجد أي جهة رسمية تتحمل مسؤولياتها تجاه ملف اللاجئين السوريين سوى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب ما قاله مدير مركز “وصول” لعنب بلدي، ولم تستطع إلى الآن تلبية احتياجات اللاجئين بشكل فعلي، فالمكتب القانوني لديها لا يجيب دائمًا على محاولات اتصال اللاجئين به في الحالات الطارئة.
كما توجد مؤسسات قد تكون شريكة لمنظمات الأمم المتحدة المعنية بتقديم الدعم القانوني أو المدافعة القانونية، فضلًا عن منظمات المجتمع المدني المستقلة أيضًا، لكنها قليلة ومحدودة بسبب محدودية التمويل لدعم هذا القطاع، بحسب المدير التنفيذي لمركز “وصول”.
لاجئون أم نازحون؟تطلق مفوضية الأمم المتحدة على السوريين الذين غادروا مناطقهم الأصلية في البلد واتجهوا إلى لبنان تسمية لاجئين، يتمتعون بجميع الحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئ، بينما تطلق السلطات اللبنانية عليهم تسمية “نازحين” كي لا تتحمّل مسؤولية تأمين حقوقهم. النازحون داخليًا، على عكس اللاجئين، هم أشخاص لم يعبروا حدودًا دولية بحثًا عن الأمان، ولكنهم بقوا مهجرين داخل أوطانهم. يبقى النازحون ضمن بلدانهم وفي حماية حكوماتهم. |
الترحيل.. على قدم وساق
في ظل قناعة حكومية بأن سوريا آمنة، و”سخط شعبي” متنامٍ على اللاجئين، يجري ترحيل لاجئين سوريين بشكل قسري شهريًا، حسب توثيق منظمات حقوقية، وذلك حتى قبل الإعلان عن خطة الـ15 ألفًا الأخيرة.
وتأتي قرارات الترحيل عادة تنفيذًا للقرار الصادر عن مجلس الدفاع الأعلى اللبناني القاضي بترحيل السوريين الذي دخلوا لبنان خلسة بعد تاريخ 24 من نيسان 2019، بحسب ما وثّقه مركز “وصول” لحقوق الإنسان (ACHR) اللبناني- الفرنسي في لبنان، حيث توقفت عن إعطاء وثائق تسجيل بمفوضية اللاجئين منذ 2015، للحد من زيادة عدد اللاجئين.
بينما رحّلت المديرية العامة للأمن العام اللبناني ستة آلاف و345 سوريًا بين 25 من نيسان 2019 و19 من أيلول 2021، وفق “وصول“.
وينخرط لبنان في الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، التي شارك بتأسيسها وأعلن عنها عام 1948، وجاء في فقرتها الأولى من المادة الـ”14” ما نصه، “لكلِّ فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد”.
وفي عام 1951، لم يوقّع لبنان على الاتفاقية الدولية للاجئين هربًا من استقبال اللاجئين الفلسطينيين الذين بدؤوا باللجوء القسري عقب نكبة 1948.
اتفاق ضمني.. لكن لا التزام
المحامي اللبناني المختص في العلاقات الدولية نبيل الحلبي، قال لعنب بلدي، إنه بعد نزوح آلاف اللاجئين السوريين إلى المناطق الحدودية مع شمالي لبنان، توصلت الحكومة اللبنانية إلى تفاهمات مع مفوضية اللاجئين، بحيث يكون لبنان بلد ممر لطلبات إعادة التوطين وليس مقرًا للاجئين، على أن تلتزم الحكومة اللبنانية بعدم إعادة أي لاجئ بشكل قسري إلى سوريا.
وعلى الرغم من جميع الاتفاقيات، كانت تجري عمليات ترحيل للاجئين، وقال الحلبي، “كانت تجري عمليات تسليم، لكن ما إن تتدخل منظمات حقوق الإنسان حتى يجري توقيفها، خصوصًا إذا كنا أمام حالة تسليم معارض للنظام السوري”.
وتعاونت الأجهزة الأمنية اللبنانية مع نظيرتها السورية على تسليم ضباط وجنود منشقين عن النظام السوري، وعملت بشكل ممنهج على اضطهاد اللاجئين المعارضين، وملاحقتهم ومضايقتهم، في حين سمحت لآلاف اللاجئين المؤيدين للنظام السوري بحرية التعبير السياسي والتصويت في الانتخابات الرئاسية داخل لبنان، بحسب الحلبي.
ولم تفرق الحكومة اللبنانية، وفق الحلبي، بين هاتين الفئتين، لخلق مناخ اجتماعي معادٍ للسوريين في لبنان، يسهل عليها من خلاله مواجهة الحقوقيين عندما تقرر ترحيل اللاجئين باعتبارهم “نازحين اقتصاديين”، إلى جانب تحميلهم سبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أمام المجتمع الدولي و”ابتزازه” من خلال ملف اللاجئين، للحصول على مزيد من المنح المالية والتسهيلات.
سوريا “آمنة” للعودة؟
في 29 من حزيران الماضي، جدد ممثلو العديد من الدول، بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة، التأكيد خلال جلسة لمجلس الأمن حول سوريا، أن سوريا غير آمنة، وأن الظروف غير مواتية لعودة كريمة وطوعية للاجئين السوريين.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” نشرت، في تشرين الأول 2021، تقريرًا قالت فيه، إن “الروايات المروعة عن التعذيب والاختفاء القسري والانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون العائدون إلى سوريا، ينبغي أن توضح أن سوريا ليست آمنة للعودة. الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الملكية وغيرها من الصعوبات الاقتصادية تجعل أيضًا العودة المستدامة مستحيلة بالنسبة للكثيرين”.
وتؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “الظروف الحالية في سوريا ليست مواتية للعودة الطوعية بأمان وكرامة”، إذ لا تزال المناطق في سوريا تعيش حالة أمنية معقدة، وتواجه خطر العمليات العسكرية والاعتقالات التعسفية، مع غياب الاستقرار الأمني كأحد المرتكزات المهمة والممكِنة لكل من “التعافي المبكر” والعودة الآمنة للاجئين والنازحين.
ووثقت منظمة العفو الدولية تعرض عدد من اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى ديارهم للاعتقال والاختفاء والتعذيب على أيدي قوات النظام السوري، ما يثبت أنه لا يزال من غير الآمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك في تقريرها الصادر في أيلول 2021.
وأصدرت وزارة الخارجية الهولندية، في حزيران الماضي، تقريرًا عن الوضع في سوريا، حيث أكد تعرض العائدين من خارج سوريا إلى العديد من الانتهاكات من قبل قوات النظام السوري، حتى في حالات التسوية الأمنية.
وأشار التقرير إلى أن الانهيار الاقتصادي يزداد سوءًا، حيث قرابة 90% من المواطنين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من 12 مليون شخص يعانون بشكل أو بآخر من صعوبات في تأمين الغذاء، وعن الأضرار التي طالت البنية التحتية، فقد تعرض ما نسبته 80% من مدن مثل حلب وضواحي دمشق لـ”دمار هائل”.
كما وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، منذ مطلع عام 2014 حتى حزيران الماضي، أكثر من 3057 حالة اعتقال بينها 244 طفلًا و203 امرأة، على يد قوات النظام السوري للاجئين عادت أغلبيتهم من لبنان إلى سوريا.
وخلال زيارة أجرتها إلى مخيم “الزعتري” للاجئين السوريين في الأردن، في تشرين الثاني 2021، أكدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن البيئة الحالية في سوريا لا تزال غير مواتية لعودة اللاجئين، وأن عودة أي لاجئ يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة.
وقالت غرينفيلد في تصريحات صحفية حينها، “لا جدال في أن البيئة الحالية في سوريا ليست مواتية للعودة”.
المدير التنفيذي لمركز “وصول” الفرنسي- اللبناني لحقوق الإنسان، محمد حسن، قال لعنب بلدي، “بما أن سوريا لا تزال مصنّفة كبلد غير آمن، فإن المضي قدمًا في تنفيذ خطّة الترحيل الجماعية يحمّل لبنان مسؤولية عالية تجاه التزاماته بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية”.
وأضاف أن أي تحرّك من قبل الحكومة اللبنانية نحو إعادة أي فرد قسرًا إلى بلاده دون منحه الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله، أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه إن وُجد، يعد خرقًا للقانون الدولي الذي يلتزم به لبنان.
وتسببت التصريحات الأخيرة حول الخطة اللبنانية بتزايد ترحيل اللاجئين أو دفعهم عنوة للعودة إلى سوريا، وأسهمت “بتأجيج مشاعر الكراهية” بين المجتمعات اللبنانية تجاه اللاجئين، فضلًا عن صمت المعنيين من الوقوف على مسؤوليات الحكومة بعدم خرق القوانين الدولية، وفق حسن.