مبيدات سامّة تفقد نحالي ريف إدلب خلاياهم
عنب بلدي- ريف إدلب الشمالي
يعتني عوض الدبل (55 عامًا) بما تبقى من خلايا النحل التي خصص لها مكانًا بعيدًا عن أي أخطار محتملة على سطح منزله في بلدة حربنوش، بريف إدلب الشمالي.
يضع النحال عوض المياه أمام أرض الخلية بانتظام كي لا تتسبب درجات الحرارة المرتفعة بنفوق خلاياه الـ40، كما قتلت المبيدات الحشرية خلايا النحل الأخرى التي كان يملكها.
في مطلع تموز الحالي، رش المزارعون مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ريف إدلب بالمبيدات الحشرية، كي تساعدهم على مكافحة الحشرات، ضمن إجراءات تشجيعية من قبل حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب على زراعة المزيد من المحاصيل.
“ماتت أكثر من 30 خلية نحل نتيجة رش المبيدات الحشرية، في الوقت الذي لم يكن هناك أي تعويض لتلك الخسارة، رغم تقديم عدة شكاوى بهذا الخصوص”، وفق ما قاله عوض لعنب بلدي.
ويواجه النحالون عدة مشكلات في عملية الحفاظ على حياة نحلهم، أبرزها قلة تنوع وكثافة المراعي، وعدم توفر الظروف البيئية والمناخية المناسبة، وغلاء الأدوات اللازمة لتربية النحل، الأمر الذي ينعكس على قلة المعروض في الأسواق المحلية، وارتفاع أسعار العسل خلال موسم الإنتاج.
النحالون دون أدوات
لا يملك النحالون في ريف إدلب الشمالي مكانًا مناسبًا لوضع خلايا النحل بشكل دائم ومستقر، حيث أخفى عوض الدبل خلايا نحله فوق سطح منزله حين سمع خبرًا تناقله المزارعون بوجود حملة رش مبيدات حشرية جديدة خلال الفترة المقبلة، فـ”الأمر دائمًا يتكرر ولا يوجد لدينا أي حل، نطلب تخصيص مكان لنا. لكن لا يوجد أي استجابة”، وفق شكوى عوض.
لا تقتصر معاناة مربي النحل في المنطقة على وجود المكان المناسب لمشاريعهم، بل أيضًا لا يملك بعض منهم الأدوات والمعدات المطلوبة لتربية النحل، تحميهم من اللسعات المباشرة، وأدوات فرز النحل، أو حتى أدوات تغذيته، ففي فترات ما بين مواسم الإنتاج، بالإمكان الاحتفاظ بالنحل من خلال تغذيته على محاليل سكرية توضع في مناهل (برطمان) تُغمر فيه أعواد خشبية يتسلق عليها النحل.
وفي مواسم الإنتاج، خصوصًا التي تصادف فصل الصيف، يفضّل توفير مشارب ماء للنحل مصنوعة من الحديد، وتوضع فيها أكياس من الخيش منعًا لغرق النحل، وفق ما أوضحه مربي النحل، لكن جميع تلك الأدوات يصعب توفرها في المنطقة.
يعانون بمفردهم
نقل المربي رمضان أبو أحمد (45 عامًا) خلايا النحل من مدينة بنش بريف إدلب الشرقي إلى أمام خيمته في مخيم “معربونة”، بريف إدلب الشمالي، بعد نفوق أغلب نحله بسبب رش المزارعين المبيدات الحشرية دون أي وعي أو دراية بحجم خطر ذلك على مشروعه الخاص بتربية النحل وإنتاج العسل.
“النحال يعاني بمفرده ولا يوجد اهتمام به، فهو يقلع شوكه بأظفاره، يوجد العديد من مربي النحل تخلّوا عن مهنتهم بعد موت جميع خلايا نحلهم، صارت خلايا النحل عبارة عن صناديق خشب بسبب رش المبيدات الحشرية دون أي وعي”، وفق ما ذكره رمضان أبو أحمد لعنب بلدي، ويمثّل مشروع تربية النحل بالنسبة له أحد أهم الموارد الاقتصادية التي يطمح من خلالها لتحسين معيشة أسرته.
ويطرح مربو النحل في إدلب وريفها بشكل متكرر فكرة إنشاء نقابة للنحالين، للحد من الصعوبات التي يواجهونها في مزاولة مهنتهم بالمحافظة، لكن في كل مرة تصل تلك المطالب إلى طريق مسدود، ولا يجتمعون على رأي رغم اجتماعهم على المتاعب.
وتتطلّب مهنة تربية النحل إيجاد المراعي المناسبة حتى يتمكّن النحل من جمع رحيق الأزهار فيها، ولكن قلة المراعي سببت خلافات بين المربين، واتهم بعضهم الآخر بالسرقة، في حين طالب آخرون بحق طرد من يأتي متعديًا على مرعاه.
ضرر للمزارعين أيضًا
الضرر الناتج عن المبيدات الحشرية يختلف بحسب توقيت الرش، بحسب ما يراه المربي رضوان الحسن (42 عامًا).
وفي إجابته عن سؤال عنب بلدي بشأن نسبة خسارة النحالين، قال الحسن، إنه عندما يرش المزارع في أوقات الصباح يكون عندها بداية انتشار النحل بين النباتات الرحيقية، و”هذا أيضًا يضر بمحصول المزارع، إذ يتسبب بموت النحلة التي تسهم بنقل غبار الطلع من زهرة لأخرى، وتقوم بتلقيح المحصول بشكل مجاني”.
ويوصي المربي رضوان الحسن المزارعين بتأجيل عملية رش المبيدات إلى أوقات المساء، عندها يكون النحل قد عاد إلى خلاياه، وتخرج الحشرات الضارة من المحاصيل ما يتسبب بقتلها، وتخف فعالية المبيد السام حتى صباح اليوم التالي.
معاناة رش المبيدات التي تواجه النحالين تتكرر في كل عام، وفق المربي رضوان في ريف إدلب، حيث تخرج حوالي ألف خلية عن الخدمة بعد موت النحل، منوهًا لخطورة نقل النحل للسم في حال عدم موته من الرحيق وحبوب اللقاح التي تعرضت للمبيد إلى داخل الخلية، ما يؤدي إلى موت الحواضن وإمكانية موت الملكة، بالإضافة إلى إمكانية تلوث العسل بالسم.
وفي عام 2021، اجتمع رضوان الحسن وزملاؤه من مربي النحل مع معاون وزير الزراعة في حكومة “الإنقاذ” بخصوص خطر المبيدات الحشرية، والمشكلات التي يتعرض لها النحل، وخصوصًا موضوع المبيدات المستوردة التي تدخل إلى مناطق الشمال السوري دون مراقبة، والتي تستمر فعاليتها لأكثر من عشرة أيام من رشها، إذ يخسر عشرات النحالين نحلهم بالكامل.
لكن هذه المشكلات التي نوقشت في ذلك الاجتماع لم تعالَج حتى الآن، وفق ما يعتقده رضوان الحسن.
الحاجة للتوعية
تقع مسؤولية معالجة هذه المشكلات على عاتق وزارة الزراعة لدى “الإنقاذ”، خصوصًا “دائرة الشؤون الزراعية ووقاية النبات”، لتوعية النحالين ودعمهم، ومساعدتهم في تكوين مجموعات منظمة تعالج مشكلة نفوق خلايا النحل بسبب المبيدات الحشرية، وتخفف الأعباء والمصاريف وتزيد الإنتاجية، بالإضافة إلى إنشاء محميات طبيعية تُزرع فيها نباتات وأشجار رحيقية.
وبحسب ما قاله رئيس “دائرة الشؤون الزراعية ووقاية النبات” في وزارة الزراعة التابعة لحكومة “الإنقاذ”، عبد اللطيف غزال، لعنب بلدي، فإن “هذه المبيدات ذات فعالية قوية، ويجب على أصحاب الصيدليات الزراعية ألا يعطوا المزارعين مثل هذه المبيدات إلا في حالات الضرورة”.
وأرجع غزال سبب قلة المراعي في الصيف والخريف ضمن محافظة إدلب وريفها لضيق “مساحة المناطق المحررة، والمراعي القليلة، ما يتسبب بموت الكثير من النحل”.
حلول
تخطط وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” لإعداد “حملة لتوعية المزارعين لتخفيف الرش بالمبيدات، وإجراء الرش في المساء وبمبيدات ذات أثر ضعيف على النحل”، وفق ما قاله غزال.
وتشمل المبيدات ذات الأثر الضعيف “الديسيس”، ما يؤدي الغرض المرجو منه، ويكون آمنًا بالنسبة للنحل، و”لا يوجد برنامج لدعم مربي النحل”، وفق غزال، كون البرامج مركّزة لدعم المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، ولدعم الثروة الحيوانية بالأعلاف.
وإذا تم “تشكيل جسم يمثّل النحالين كنقابة أو جمعية، بحيث يصبح من الممكن إعداد إحصائية لعدد النحالين والخلايا، حينها يمكن وضع برنامج دعم أو مساعدة للنحالين”، وفق ما ذكره غزال.
ولا يوجد إحصاء خاص بمشاريع إنتاج العسل في إدلب وريفها، كونه في كل عام ينقص أو يزيد بحسب التغيرات المناخية، ومن اللازم أن يكون هناك ممثل عن النحالين في المنطقة، كي يتم من خلاله تطوير هذا القطاع ودعمه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :