خطيب بدلة
نشرت صحيفة “عنب بلدي” خبرًا مفاده أن موقع “صوت سوري” أطلق مسابقة صحفية، بمناسبة اليوم العالمي لنيلسون مانديلا الموافق 18 من تموز، مستهدفًا الحصول على مئة صوت صحفي سوري ضد خطاب الكراهية.
الخبر، بالنسبة إلي، سارّ جدًا، وفي الوقت ذاته محبط جدًا. أشفقت على الصحفيين الشباب الذين سيشاركون في هذه المسابقة، لأنهم سيخوضون في مستنقع موحل، متيبس، طينتُه مجبولة بالكراهية، ورائحته خانقة، وسيكونون مضطرين للتعبير عن مجتمع يفتح عينيه في الصباح، ويغمضهما في المساء، على كراهية الآخرين، ومَن يتجرأ وينتقد كراهيته يهدد بالقتل، وكثيرًا ما يتحول التهديد إلى فعل.
سيكون مسوَّغًا بالطبع، وبسيطًا، وتحصيلًا لحاصل، أن يكره شعبنا الجريح نظام الأسد الذي سرق ماله، ودمر بيته، وقتل أهله وأطفاله، وهجَّره في أصقاع الأرض، وأنا أظن أن الجهة التي أعلنت عن المسابقة نفسها، لن تطالب الإنسان السوري بأن يغفر لمن كان يقتل الناس بالبراميل، وفي حفرة التضامن، أو يطالب بالصفح عن مرتكبي المجازر المختلفة، وبضمنها مجازر الكيماوي… ولكن، لكي تتخلص، أيها الصحفي الشاب، من تلال الكراهية الهائلة، يجب أن تقر، في الوقت نفسه، أن بعض أبناء منطقتنا قد قُتلوا بطريقة بشعة، ومن دون وجه حق، بأيدي أناس محسوبين على الثورة! وأن تعترف بأن المرأة في بلادنا تتعرض لحرب كاسحة، وتَجري عملية إعادتها إلى القرون الوسطى على قدم وساق، وأن المشاركين في الحرب على المرأة مشايخ متشددون، ومشايخ يزعمون الاعتدال، بالإضافة إلى أناس غير متدينين ولكنهم يعادون المرأة بالفطرة، ويجدون في الدين جدارًا يحتمون به، وأن بعض شيوخ السلفية الجهادية الذين ينعمون بملايين المتابعين والمتابعات على وسائل التواصل الاجتماعي، يدعون إلى زواج القاصرات، وإرغام الفتيات دون سن البلوغ على لبس الحجاب، وإذا قُتلت فتاة على يد شاب مجرم، يهبون للدفاع عنه، وافتدائه بالمال.
لكي تتخلص من الكراهية، يليق بك ألا ترفض النظام الإيراني لأنه فارسي، أو شيعي، ولكن لأنه توسعي، وعدواني، ومتخلف، وتدرك أن الشعب الإيراني بريء من أفعال قادته، وأن السوريين الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها النظام المجرم، ليسوا شبيحة، وإنما هم مظلومون مقهورون مثلنا، وربما أكثر، وأن تقر، وتعترف، بأنك لم تقم بأي جهد لكي تولد عربيًا، أو مسلمًا، أو سنيًا، فهذا أمر وراثي، ولذلك لا يحق لك أن تكره الأكراد والتركمان والأرمن، ولا بد لك أن تتبرأ من الاعتقاد بأنك أحسن من معتنقي الأديان الأخرى، والمذاهب الأخرى، ومن أهل الريف، أو سكان الجبال.
بإمكانك، عزيزي، أن تكون محبًا، وصادقًا، فتطلب من اللاجئ السوري في أوروبا، أن يحترم قوانين البلد الذي يؤويه، ويحميه، ويمنحه جنسيته وجواز سفره، وألا يمارس حقارته على زوجته فيضربها، ويهينها، أو يعمل بطولة على أولاده، وطوال النهار يضربهم ويوبخهم ويبصق في وجوههم، فإذا تدخلت الدولة التي تستضيفه، عبر دوائر الرعاية، وأخذت منه أطفاله لتحميهم من عجرفته، لا يحق لك أن تحقنه بالكراهية، وتقول له إن هذه الدولة الأوربية معادية للإسلام، وأنها تخطف أبناء المسلمين!