هل يؤدي “التنمر الملاحي” الأمريكي إلى صدام عسكري مع الصين

  • 2022/07/29
  • 8:14 م

انتقدت الصين وزير البحرية الأمريكية اليوم، الجمعة 29 من تموز، بعد أن انتقد تصرفات بكين العدوانية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، وقالت إن الانتشار العسكري الأمريكي في المياه المتنازع عليها، والذي وصفته بـ”التنمر الملاحي”، يمكن أن يشعل المواجهات.

وأعربت السفارة الصينية في العاصمة الفلبينية مانيلا عن أسفها الشديد لتصريحات الوزير، كارلوس ديل تورو، واعتبرتها “اتهامات لا أساس لها ضد الصين، وتشوهها بشكل خبيث، وتضخم التهديد الصيني”.

في مقابلة مع وكالة الأنباء “أسوشيتد برس” خلال زيارة لمانيلا، في 26 من تموز الحالي، ذكر ديل تورو كيف أن بكين تجاوزت المياه السيادية لجيرانها الآسيويين في انتهاك للقانون الدولي.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للحلفاء الآسيويين بما في ذلك الفلبين، أن التركيز العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، لن يتباطأ أبدًا.

جاء تأكيد بلينكن في بيان أصدرته السفارة الأمريكية في مانيلا، في 26 من تموز الحالي، بالذكرى السادسة لقرار عام 2016 الصادر عن محكمة تحكيم أُنشئت في لاهاي، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بعد أن اشتكت الحكومة الفلبينية عام 2013 بشأن تصرفات الصين العدوانية المتزايدة في المياه المتنازع عليها.

رفضت الصين الحكم باعتباره عارًا واستمرت في تحديها، ما أدى إلى دخولها في نزاعات إقليمية مع الفلبين ودول أخرى في جنوب شرق آسيا بالسنوات الأخيرة.

السيادة على المياه الزرقاء

تقوم بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني (PLAN) بالتحديث العسكري لأكثر من عقد من الزمان، لتصبح أكثر قوة من “بحرية المياه الزرقاء” (قوة قادرة على العمل على مستوى العالم، وبشكل أساسي عبر المياه العميقة للمحيطات المفتوحة)، بدلًا من التقيد بالبقاء بالقرب من البر الرئيس الصيني.

شهدت الصين خلافات إقليمية متوترة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة مع الفلبين وفيتنام وماليزيا في بحر الصين الجنوبي، وتدعي بكين سيادتها على الممر المائي، كما أن لدى بروناي وتايوان أيضًا مطالب في المياه المتنازع عليها.

وتطالب ست حكومات بالمجمل، بكل أو جزء من الممر المائي الحيوي، الذي يمر عبره ما يقدّر بنحو خمسة تريليونات دولار في التجارة العالمية كل عام، والذي يحتوي على مخزون صيد ثري، بالإضافة إلى رواسب كبيرة من النفط والغاز تحت البحر.

تُبحر البحرية الأمريكية بسفن حربية مجهزة بمهابط طائرات ومنشآت عسكرية أخرى عبر الجزر الصناعية التي شيّدتها الصين في البحر، وتصر الصين على أن أراضيها تمتد إلى تلك الجزر، بينما تقول البحرية الأمريكية إنها تنفذ المهام هناك لضمان التدفق الحر للتجارة الدولية.

لا تطالب واشنطن بالمياه الاستراتيجية، لكنها قالت إن الحل السلمي للنزاعات إلى جانب حرية الملاحة والتحليق في الممر المائي حيث يمر جزء كبير من التجارة العالمية يخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وفقًا لصحيفة “Stars and Stripes” الأمريكية المتخصصة بالشؤون العسكرية.

كان للمحادثات الدبلوماسية بين الصين وجاراتها أثر بسيط في تخفيف حدة المواجهة في المطالبات السيادية بين الحين والآخر، لكنها لم تضع حدًا لها، إذ لا تزال الصين تتحدى القرار التاريخي للحكم الدولي عام 2016 الذي أبطل ادعاءاتها السيادية.

هيمنة ما وراء البحار

في السنوات الأخيرة، وسّعت الصين وجودها ليشمل المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ وما وراءهما، وأنشأت أول قاعدة خارجية لها على مدار العقد الماضي في دولة جيبوتي الواقعة في القرن الإفريقي على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، حيث تحتفظ الولايات المتحدة واليابان ودول أخرى بوجود عسكري.

كما وقعت مؤخرًا اتفاقية أمنية مع دولة جزر سليمان (جنوب المحيط الهادي)، إذ يخشى الكثيرون أن تمنحها موقعًا أماميًا في جنوب المحيط الهادئ، وتعمل مع كمبوديا (جنوب شرق آسيا) أيضًا على توسيع منشأة ميناء هناك يمكن أن تمنحها وجودًا في خليج تايلاند.

تمتلك البحرية الصينية حاليًا حوالي 355 سفينة، بما في ذلك الغواصات، وتقدّر الولايات المتحدة أن القوة ستنمو إلى 420 سفينة بحلول عام 2025، و460 سفينة بحلول 2030، ورغم امتلاكها أكبر قوة بحرية في العالم من حيث العدد، لا تزال خطة الجيش بعيدة عن قدرات البحرية الأمريكية.

جدد ديل تورو تأكيدات الرئيس بايدن بأن الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها بموجب معاهدة الدفاع المتبادل لعام 1951 في حالة تعرض القوات والسفن والطائرات الفلبينية للهجوم في المياه المتنازع عليها.

وأضاف، “كما قال الرئيس بايدن، إذا انتهكت دولة شبرًا واحدًا من السيادة الفلبينية، سواء كان ذلك في البحر أو على الشاطئ أو في جزيرة بعيدة عن الشاطئ، فسنكون هناك لدعم الأمة الفلبينية بكل طريقة ممكنة”.

وصف ديل تورو تحرك الصين لتحويل سبع جزر متنازع عليها إلى قواعد محمية بالصواريخ في “سبراتلي”، الجزء الأكثر تنازعًا في بحر الصين الجنوبي، بـ”الأمر المقلق للغاية”، ما دفع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى الضغط على حرية الملاحة بدوريات حول الأراضي التي تطالب بها الصين، حسب قوله.

من جهتها، أشارت السفارة الصينية في بيان، إلى أن الولايات المتحدة تكثف من إبراز قوتها بالمنطقة في محاولة للحفاظ على هيمنتها، واتهمتها بالسعي عمدًا لتوسيع الخلافات وإثارة التوترات.

وأوضحت في البيان أن “بحر الصين الجنوبي ليس ساحة صيد لدول خارج المنطقة، ولا ينبغي أن يكون ساحة مصارعة للقوى الكبرى”.

وأكدت السفارة أن الصين “تؤيد بشدة كل الجهود التي تفضي إلى تسوية وإدارة النزاعات سلميًا، وترفض بشكل قاطع الكلمات والأفعال التي تهدف إلى تأجيج التوتر والمواجهة في المنطقة”.

تايوان ملعب النار

في مكالمة هاتفية استمرت ثلاث ساعات، الخميس 28 من تموز، حذر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نظيره الأمريكي، جو بايدن، من اللعب بالنار بالتدخل في تعاملات الصين مع تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي التي تدعي الصين أنها تابعة لها وتهدد بضمها بالقوة.

وقال جين بينغ، إنه يتعيّن على واشنطن الالتزام بمبدأ “صين واحدة” وشدد على أن الصين تعارض بشدة استقلال تايوان والتدخل الخارجي.

تعتبر قضية الانتماء حساسة للغاية بالنسبة لتايوان المتمتعة بالحكم الديمقراطي الذاتي، والتي تثير استياء الصين بشأن السيادة عليها.

وكانت تايوان انفصلت عن الصين خلال حرب أهلية عام 1949، وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز“.

الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، في أثناء بث أخبار مكالمتهما الأخيرة بمركز تسوق في هونغ كونغ- الصين 29 من تموز 2022 (Tyrone Siu)

وبموجب سياسة “صين واحدة”، تعترف الولايات المتحدة ببكين كحكومة للصين وليست لها علاقات دبلوماسية مع تايوان، ومع ذلك، تحتفظ الولايات المتحدة باتصالات غير رسمية، مع وجود سفارة أمريكية بحكم الأمر الواقع في تايبيه، العاصمة التايوانية، بالإضافة إلى تزويدها بالمعدات العسكرية للدفاع عن نفسها.

لطالما وافقت الولايات المتحدة على وجود “صين واحدة”، بما في ذلك تايوان، لكنها تبنّت “غموضًا استراتيجيًا” بشأن مسألة ما إذا كانت ستدخل في صراع عسكري على الجزيرة، في حين تتزايد المخاوف، ولا سيما في ضوء علاقاتها الوثيقة مع روسيا.

صعّدت الصين من استفزازاتها العسكرية ضد تايوان الديمقراطية في السنوات الأخيرة، بهدف ترهيبها لقبول مطالب بكين بالتوحد مع البر الرئيس الشيوعي لها، ما وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 23 من ايار الماضي، بـ”مغازلة الصين للخطر”، من خلال الطيران والمناورات التي تقوم بها بالقرب من الجزيرة.

في مؤتمر صحفي، في 13 من حزيران الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ون بين وانغ، إن للصين حقوقًا سيادية وسلطة قضائية على مضيق تايوان، وأشار إلى أن استخدام مصطلح “مياه دولية” على مضيق تايوان، محاولة للتلاعب بمطالبة الصين بجزيرة تايوان.

وأضاف أنه لا يوجد أساس قانوني لـ”المياه الدولية” في قانون البحار الدولي، قائًلا إن تايوان “جزء لا يتجزأ من أراضي الصين”، وأكد بالمقابل أن الصين تحترم الحقوق المشروعة للدول الأخرى في المياه ذات الصلة.

تعتبر الصين المياه التي تفصل تايوان عن البر الرئيس جزءًا من المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، بينما تعتبر الولايات المتحدة ودول أخرى المضيق مياهًا دولية حيث يمكن لسفنها الحربية المرور بحرية.

تقع المنطقة الاقتصادية الخالصة خارج الحدود الإقليمية البحرية للصين، وتتمتع الصين بحقوق معيّنة، بما في ذلك الحق بالموارد الطبيعية هناك، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1989 بشأن قانون البحار.

وفقًا لخبير الشؤون الدولية في حرم اليابان بجامعة “Temple” جيمس براون، فربما تضع الصين أساسًا لمنع السفن العسكرية الأجنبية من الوصول إلى تلك المياه من خلال الادعاء بأن مضيق تايوان ملكها.

الولايات المتحدة ليست طرفًا في معاهدة قانون البحار ولكنها تلتزم عمومًا بأحكامها، وفقًا لمركز “ستوكتون” للقانون الدولي، وتضمن المعاهدة حرية الملاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، لكن بنودها الدقيقة بشأن السفن الحربية الأجنبية موضع نقاش.

تفسر العديد من الدول الغربية اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أنها تسمح للدول الخارجية بإجراء تدريبات عسكرية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة أخرى بموجب مبدأ “الحرية الملاحية”.

لكن الصين لا تتفق مع هذا التفسير، إذ ترى أن “التدريبات العسكرية تضر بالأمن القومي وبالتالي لا ينبغي السماح بها داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة”، بحسب ما قاله براون.

مقالات متعلقة

  1. زيارة بيلوسي إلى تايوان تثير غضب الصين
  2. رسائل أمريكية للصين من تايوان في زيارة ثالثة لإظهار التضامن
  3. حمى الغزو.. الصين تحاصر تايوان بالمناورات العسكرية
  4. الأولى منذ أربعين عامًا.. سفن حربية أمريكية تقترب من المياه الإقليمية الروسية 

دولي

المزيد من دولي