ما أشباه الموصلات التي تستدعي حربًا ناعمة بين أمريكا والصين

  • 2022/07/29
  • 6:41 م

وافق مجلس النواب الأمريكي على حزمة بقيمة 280 مليار دولار، لتعزيز صناعة أشباه الموصلات والبحث العلمي داخل الولايات المتحدة، للإسهام في التفوق الصناعي والتكنولوجي لأمريكا في مواجهة الصين.

وأُرسل الإجراء إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الخميس 28 من تموز، ليوقّع ويصبح قانونًا، بعد أن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع القانون.

وتتمحور خطة مشروع القانون حول استثمار الأموال الفيدرالية في أحدث التقنيات والابتكارات، لتعزيز القوة الصناعية والتكنولوجية والعسكرية للبلاد، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.

عكس التشريع إجماعًا ملحوظًا ونادرًا في المجلس من الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، ما اعتُبر أهم تدخل حكومي في السياسة الصناعية منذ عقود، لمصلحة صياغة استراتيجية طويلة الأجل لمعالجة التنافس الجيوسياسي المتصاعد بين واشنطن وبكين.

أعرب بايدن، الذي يواجه رفضًا متزايدًا داخل الولايات المتحدة بسبب التضخم الذي قارب أعلى مستوى له في 40 عامًا، عن سعادته بقبول المشروع قائلًا، “من شأن القانون أن يجعل السيارات أرخص، والأجهزة الإلكترونية أرخص، وأجهزة الكمبيوتر أرخص، ويقلل من تكاليف السلع اليومية، ويخلق وظائف تصنيع عالية الأجر في جميع أنحاء البلاد، ويعزز صناعات المستقبل في نفس الوقت”.

وأشار أنصار التشريع إلى أن الدول الأخرى تنفق مليارات الدولارات لجذب صانعي الرقائق، وشددوا على ضرورة فعل الولايات المتحدة الشيء نفسه، أو أن تخاطر بفقدان إمدادات آمنة من أشباه الموصلات التي تشغل السيارات وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية وبعض أنظمة الأسلحة المتطورة في الجيش.

وقال زعيم الأغلبية في المجلس، تشاك شومر (ديمقراطي)، إن مشروع القانون يمثّل أحد أكبر استثمارات الدولة في العلوم والتصنيع منذ عقود، وإنه بموافقة المجلس، “نقول إن أفضل سنوات أمريكا لم تأتِ بعد”.

يوفر مشروع القانون أكثر من 52 مليار دولار على شكل منح وحوافز أخرى لصناعة أشباه الموصلات، بالإضافة إلى خصم ضريبي بنسبة 25% للشركات التي تستثمر بمصانع الرقائق في البلاد.

ويدعو المشروع إلى زيادة الإنفاق على برامج البحث المختلفة التي يبلغ مجموعها حوالي 200 مليار دولار لأكثر من عشر سنوات، وفقًا لمكتب الميزانية في مجلس الشيوخ.

بالمقابل، انتقد معارضو المشروع التكلفة العالية، وتوقع البنك المركزي الأمريكي ازدياد العجز الفيدرالي بنحو 79 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

قال النائب جوزيف موريل (ديمقراطي)، “هذا يؤثر على كل صناعة في الولايات المتحدة”، مضيفًا، “خذ على سبيل المثال إعلان شركة (جنرال موتورز) أن لديها 95 ألف سيارة تنتظر الرقائق”.

حرب رقائق ناعمة

يتضمّن مشروع القانون بندًا يحظر على أي شركة أشباه موصلات تتلقى مساعدة مالية من دعم تصنيع الرقائق المتقدمة في الصين.

وردًا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قبل تصويت المجلس، “لا ينبغي أن تضع الولايات المتحدة عقبات أمام التبادل والتعاون بين الشعوب والعلم والتكنولوجيا بشكل طبيعي، وأن تقوّض حقوق الصين المشروعة في التنمية”.

قالت وزارة التجارة الصينية اليوم، الجمعة 29 من تموز، إن مشروع صناعة أشباه الموصلات الجديد الذي أقره مجلس الشيوخ، سيشوّه سلسلة التوريد العالمية للرقائق ويعطل التجارة الدولية.

وأوضحت الوزارة في بيان، أن الصين ستواصل مراقبة تقدم وتنفيذ القانون الأمريكي، واتخاذ الإجراءات لحماية حقوقها المشروعة عند الضرورة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء “رويترز“.

في الأشهر الأخيرة، ضغط مصنعو الرقائق على الحكومة الأمريكية من أجل الحصول على إعانات لدوام التصنيع في البلاد، مهددين بنقل مواردهم لبناء مصانع في دول أجنبية مثل ألمانيا أو سنغافورة، بحال لم يوافق مجلس الشيوخ “بسرعة” على دعمهم للبقاء.

خلال نقاش الأربعاء داخل المجلس، قال السيناتور تود يونغ (جمهوري)، الذي عمل على المشروع لسنوات، إن حكومة الصين تخطط “للفوز بسباق الذكاء الصناعي، والفوز بالحروب المستقبلية والفوز بالمستقبل”، وأضاف أن “الحقيقة هي، إذا كنا صادقين مع أنفسنا، فإن بكين في طريقها لتحقيق هذه الأهداف”.

كانت هذه الجهود بمنزلة غزو في السياسة الصناعية لم يكن لها سابقة تذكر في التاريخ الأمريكي الحديث، ما أثار تساؤلات كثيرة حول كيفية تنفيذ إدارة بايدن ومجلس الشيوخ مبادرة كبيرة تنطوي على مئات المليارات من دولارات دافعي الضرائب والإشراف عليها، بحسب ما ذكرته صحيفة “The New York Times“.

يرى العديد من أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم “الجمهوريون”، أن التشريع خطوة حاسمة لتعزيز قدرات تصنيع أشباه الموصلات في أمريكا، حيث أصبحت الدولة تعتمد “بشكل خطير” على الدول الأجنبية وخاصة تايوان المعرضة لتهديد الغزو من قبل الصين، التي تدعي أنها مقاطعة منشقة عنها، للحصول على الرقائق المتقدمة.

ما أشباه الموصلات؟

أشباه الموصلات، هي فئة من المواد الصلبة البلورية تكون وسيطة في التوصيل الكهربائي بين موصل وعازل، وتستخدم هذه الرقائق في تصنيع أنواع مختلفة من الأجهزة الإلكترونية.

وجدت الرقائق تطبيقًا واسعًا لصغر حجمها وكفاءة الطاقة وتكلفتها المنخفضة، ما جعلها وسيجعلها العناصر الرئيسة لأغلبية الأنظمة الإلكترونية، التي تخدم الاتصالات والحوسبة وتطبيقات التحكم بكل من الأسواق الاستهلاكية والصناعية في المستقبل، بحسب ما ورد في الموسوعة البريطانية “بريتانيكا” (Britannica).

تدخل أشباه الموصلات في صناعة العديد من الأجهزة الكهربائية أيضًا، مثل أجهزة استشعار درجة الحرارة المستخدمة في مكيفات الهواء، بالإضافة إلى وحدات المعالجة المركزية (CPU) التي تشغل أجهزة الكمبيوتر الشخصية.

وترتبط الرقائق بالمنتجات الاستهلاكية الرقمية المستخدمة في الحياة اليومية مثل: الهواتف الذكية والكاميرات الرقمية وأجهزة التلفزيون والغسالات والثلاجات ومصابيح “الليد” (LED).

بالإضافة إلى الإلكترونيات الاستهلاكية، تلعب أشباه الموصلات دورًا مركزيًا في تشغيل ماكينات الصراف الآلي للبنوك والقطارات والإنترنت والاتصالات وأجزاء أخرى من البنية التحتية الاجتماعية، وفقًا لموقع “Hitachi” للتكنولوجيا.

أنتجت صناعة السيارات العالمية 8.2 مليون سيارة عام 2021، أقل مما كانت ستنتجه لولا نقص الرقائق، وفقًا لشركة الاستشارات “AlixPartners”.

لا تزال التوقعات لعام 2022 غير واضحة، فمن المتوقع أن تُباع 14.4 مليون سيارة جديدة فقط في الولايات المتحدة، أي أقل من 17 مليون سيارة تقريبًا بيعت عام 2019، وفقًا لشركة “كوكس أوتوموتيف” (Cox AUTOMOTIVE).

كانت “تسلا” للسيارات الكهربائية، الشركة الوحيدة التي زادت مبيعاتها في الولايات المتحدة على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2022، في حين عانت كل من “هوندا” و”نيسان” و”فولكس فاجن” من انخفاض بأكثر من 30% بسبب مشكلات الإمداد بالرقائق.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية