أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن استعداد بلاده الكامل لدعم النظام السوري في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، جدلًا في الأوساط السياسية حول احتمالات تبدل الموقف التركي من النظام السوري عقب انعقاد القمة التي جمعت كلًا من إيران وتركيا وروسيا في طهران.
وقال جاويش أوغلو إن بلاده أجرت سابقًا محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من المنطقة، مضيفًا، “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول“.
واعتبر الوزير التركي أن من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل “التنظيم الإرهابي” من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة (يقصد بها فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا) “إرهابية”، وفق ما ذكرته وكالة “الأناضول“.
وكانت مخرجات قمة “طهران” والتصريحات التي خرجت عن المسؤولين الروس والإيرانيين خلال القمة وبعدها، أكدت رفض روسيا وإيران العملية العسكرية التركية، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إذ قال إن بلاده لديها اختلافات في الرأي مع روسيا وإيران في سوريا.
مبادرة من النظام تجاه تركيا
تزامن عقد القمة الثلاثية في طهران مع وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لـ”بحث نتائج القمة” مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.
تصريحات المقداد خلال المؤتمر الصحفي في معرض رده على التهديدات التركية، حملت لهجة أخف من تصريحات سابقة استخدم فيها مصطلحات هجومية كـ”النظام التركي، العدوان التركي، الاحتلال التركي…)”.
وقال المقداد، “لا ينفع تركيا أو غير تركيا أن تخترق الحدود السورية، وأن توجد مناطق آمنة، لأن هذا سيخلق نوعًا آخر من الصراع بين الدولة السورية والدولة التركية”.
واعتبر المقداد أن اختراق تركيا للحدود السورية (رغم أن القوات التركية منتشرة في عشرات المواقع شمال غربي سوريا) سيؤثر على علاقة “الشعبين الشقيقين والصديقين في تركيا وفي وسوريا”.
وأشار إلى العلاقات بين تركيا وسوريا في السابق، بقوله، “من المعروف أننا خضنا تجربة طويلة في هذا المجال، انتعش خلالها الاقتصاد التركي وشهد الاقتصاد السوري قفزات مماثلة”.
وتأتي تصريحات المقداد وجاويش أوغلو في فترة ترسل فيها قوات النظام السوري تعزيزات نحو الشمال السوري، كما صرح مسؤولون من “قسد” عن اتفاقية مع حكومة النظام، أفضت لإرسال “أسلحة ثقيلة” إلى خطوط التماس، ما يطرح التساؤل حول جدية قوات النظام العسكرية بردع العملية العسكرية التركية المرتقبة.
وأكدت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، في 18 من تموز الحالي، إرسال تعزيزات عسكرية من قوات النظام نحو مواقع في مدينتي عين عيسى شمالي الرقة، ومنبج وعين العرب (كوباني) شرقي حلب.
وذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام في اليوم ذاته، أن “الجيش السوري” يواصل تعزيز وتوسيع نقاط انتشاره في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي.
تغيير أولويات تركيا
الباحث السياسي والمختص بالشأن التركي، محمود علوش، قال لعنب بلدي، إن تصريحات أوغلو، تعكس التحول الذي طرأ على موقف تركيا في الصراع السوري نتيجة لتغير أولوياتها من إسقاط الأسد إلى التركيز على مخاطر “المشروع الانفصالي الكردي” من جهة، وكنتيجة للتحولات التي طرأت على طبيعة الصراع في السنوات الست الأخيرة.
وبدأ هذا التحول عمليًا منذ دخول تركيا في شراكة مع روسيا وإيران عام 2017 ضمن اجتماعات “أستانة”، وفرضت هذه الشراكة على أنقرة تبني نهج جديد يقوم على التعاون التنافسي مع الفاعلين الرئيسيين في المشهد السوري، وهما موسكو وطهران.
وتسعى روسيا وإيران للتوسط بين أنقرة ودمشق من أجل إعادة العلاقات، ولكن لدى أنقرة أولويات أمنية في سوريا، ولا تزال ترهن أي إعادة للعلاقات بالحل السياسي.
“تطهير” منبج وتل رفعت من الوحدات الكردية تمثل أولوية تركية في الوقت الراهن، فالأتراك يلوحون منذ فترة بعملية عسكرية جديدة، لكنهم واجهوا معارضة روسية وإيرانية شديدة، بحسب علوش.
أحد الخيارات التي يطرحها الروس والإيرانيون على تركيا هو دخول النظام السوري إلى هاتين المنطقتين وإخراج “قسد” منهما، الأمر الذي يمكن أن يكون حلًا وسطًا لكل الأطراف، لكنه سيكون مكسبًا كبيرًا للنظام.
ويرى علوش أن الشراكة التركية- الروسية في سوريا أكثر فعالية بالنسبة لأنقرة من العلاقة مع واشنطن، لكن ذلك لا يخفي الخلافات بين أنقرة وموسكو، معتبرًا أن ما يُميز هذه الشراكة هو قدرة طرفيها على تدوير الزوايا والتوصل في نهاية المطاف إلى حلول مرضية لكليهما، الأمر الذي جعلها مثمرة وحاجة للجانبين في آن معًا.
أوراق أخرى تفرض على أنقرة
بينما يرى الباحث السياسي، الدكتور سعيد الحاج، أن قمة طهران لم تصل لاتفاق معين بين الدول الثلاث بخصوص العملية التركية في سوريا، بمعنى أن تركيا لم تستطع أن تقنع إيران وروسيا بالعملية التي تريد شنها في سوريا، ومن جهتها لم تستطع روسيا وايران أن تثني تركيا عن هذه العملية.
وبالتالي كانت القمة تكرارًا لمواقف سابقة ولذلك حتى بعد انتهاء القمة وبعد البيان الختامي كانت التصريحات متباينة.
ويتابع سعيد الحاج أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتحدث عن استمرار قتال تركيا ضد “المنظمات الإرهابية”، بينما تحدثت كل من وروسيا وإيران عن حل سياسي يقضي بمعالجة مخاوف تركيا الأمنية من دون عملية عسكرية.
وأشار سعيد الحاج إلى تصريحات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي قال خلال لقائه أردوغان إن العملية يمكن أن تضر ليس فقط بسوريا ولكن أيضًا بتركيا والمنطقة، وأوضح الباحث أن البعض فهم ذلك على أنه تهديد ربما حتى لتركيا.
التطورات التي حصلت لاحقًا في سوريا وحتى في العراق أيضًا تشير إلى الخلاف ولا تشير إلى الاتفاق في هذه القمة، بحسب الحاج.
وفي 22 من تموز الحالي، تعرضت قاعدة عسكرية تركية في ناحية بامرني بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق شمالي البلاد لهجوم بطائرتين مسيّرتين مفخختين، وذلك بعد يومين على تعرض منتجع سياحي لقصف حمّلت بغداد الجيش التركي مسؤوليته.
ويرى الحاج أنه من الواضح أن هذا الأمر دفع تركيا للتواصل مع روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن روسيا هي التي كانت أبرمت تعهدات وتفاهمات مع تركيا بعد عملية “نبع السلام” عام 2019، ما يجبر تركيا دائمًا على الوفاء بالتزاماتها.
كما أن موقف روسيا بالنسبة لتركيا هو عامل مهم على الأرض بخصوص العملية العسكرية، لموقفها القادر على تغيير موقف النظام السوري عن تأثيرها ونفوذها على قرار النظام السوري وأيضًا لامتلاكها أو سيطرتها على الأجواء السورية.
وعليه فإن قمة الرئيس التركي، مع نظيره الروسي في مدينة سوتشي الروسية، خلال الأيام القليلة المقبلة، قد تحسم هذا الأمر.
إدخال الأسد لإبعاد “قسد”
توجد جهود روسية إيرانية واضحة في ثني تركيا عن العملية من خلال إقناعها بأنها تريد أهدافًا ما يمكن تحقيقها من دون عملية عسكرية، بحسب ما قاله الباحث سعيد الحاج، بمعنى أنها إذا أرادت إبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” عن الحدود بعمق 30 كيلومترًا يمكن أن يتم ذلك عن طريق النظام.
وعلى وقع التلويح التركي بالعملية العسكرية في سوريا، يتفاوض النظام السوري مع “قسد” لدخول مناطق حيوية تهدد تركيا بشن العملية فيها، كمنبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، وهو ما حصل بالفعل، لكن دون الوصول إلى اتفاقيات نهائية.
ومع سيطرة قوات النظام السوري، يتراجع وجود المنظمات “الإرهابية والانفصالية” بالنسبة لتركيا، الأمر الذي يغنيها عن العمل العسكري، بحسب الباحث سعيد الحاج، وهي المقاربة التي قدمتها موسكو وطهران لأنقرة، ما يظهر قبولًا مبدئي على لسان وزير الخارجية التركي من تصريحاته التي تحدثت عن النظام وما الى ذلك.
وتنظر روسيا وايران بسلبية لأي عملية عسكرية تركية في الشمال، لأنها ستزيد من النفوذ التركي ويزيد من التالي من نفوذ المعارضة على حساب النظام، وهو ما لا تريده الدولتان.
كما يوجد بالتأكيد مصلحة روسية بأي شقاق أو خلاف بين تركيا وبين الولايات المتحدة الأمريكية، لكن باعتبار أن تركيا تتحدث عن تل رفعت ومنبج في المقام الأول، فهذه مناطق خارجية عن سيطرة القوات الأمريكية، وبالتالي لا تريد روسيا لتركيا أن تنظم أو تطلق فيها عملية عسكرية بل تريدها أن تقوم بالأمر عن النظام.
وبحسب الحاج، يبدو أن هناك مصلحة روسية وإيرانية بنقل علاقات أنقرة الأمنية مع النظام السوري إلى علاقات سياسية، الأمر الذي سيكون مكسبًا كبيرًا للنظام ولحلفائه في حال حصوله.
سبق أن شنت تركيا ثلاث عمليات في سوريا، استهدفت في الأولى تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحت مسمى “درع الفرات” في ريف حلب، ثم “غصن الزيتون” في عفرين، و”نبع السلام” في ريفي الرقة والحسكة، واستهدفتها “قوات سوريا الديمقراطية”.
وتسعى تركيا، وفق روايتها الرسمية، لتأمين أمنها القومي من التشكيلات العسكرية الكردية التي تعتبرها امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK) بحزام عمقه 30 كيلومترًا داخل سوريا.